منذ مطلع الشهر الحالي اجتاحت بطولة كأس العالم وبطريقة غير مسبوقة الأحاديث اليومية للناس في أصقاع الأرض، سواء من جمهور كرة القدم كانوا أم لا، على اعتبار أن الرياضة هذه المرة دخلت في عشرات القضايا السياسية والحقوقية والاجتماعية والعنصرية كذلك، وسط اتهامات من الجميع إلى الجميع بالفوقية والتخلف والرجعية وغيرها، حتى وصلت إلى كتب التاريخ وفتح الأندلس!

هذا الإعصار الذي اجتاح وسائل التواصل الاجتماعي والصحف ووسائل الإعلام حول العالم يبدو من الصعب منافسته، سواء على صعيد الأعمال الدرامية والسينمائية مهما كان حجم النجم أو النجمة التي تقوم ببطولته أو حتى على صُعد أخرى ما لم تحمل من الخطورة ما لا يمكن التغاضي عنه، لذا يبدو من البديهي، على الأقل في العالم العربي على اعتبار أن المونديال يُقام للمرة الأولى في دولة عربية هي قطر، أن يتم تأجيل انطلاقة أي عمل حتى نهاية البطولة تحاشياً للخسائر المتوقعة.

لكن نجم السوشال ميديا أحمد الغندور، الشهير بـ “الدحيح”، قرر مرة جديدة المغامرة والمقامرة والرهان على شعبيته الكبيرة على اليوتيوب وتقديم برنامج “الكورة مع السلامة”.

أبعاد مفهومة؟

أحداث البرنامج تدور حول المذيع الرياضي سلامة عبد الملك، وهو اسم لافت للشخصية التي يقدمها الغندور، إذ تمثل مذيعاً رياضياً لا يملك أي قدرة على مواجهة “مالك” وصاحب المحطة الرياضية التي يقدم برنامجه من خلالها، ويبدو كعبد له ينفذ الأوامر دون القدرة على الاعتراض من جهة، وكأنه يؤثر السلامة على مبادئه الشخصية.

ويشترك في تقديم البرنامج شخصية ثانية (يقدمها الغندور أيضاً) وهي الكابتن جمال أبو السيد والمفترض أنه لاعب كرة قدم سابق، فيما تحضر الشخصية الثالثة والرئيسية التي تستحوذ على المدة الزمنية الأكبر في الحلقة، الدكتور بشير محفوظ وهي شخصية ثالثة يقدمها الغندور أيضاً.

يروي البرنامج في كل حلقة قصة جديدة من عالم كرة القدم، وتؤكد هذه الحكايات بدورها بأن كرة القدم ليست عبارة عن كرة مصنوعة من الجلد الصناعة يركض خلفها 22 لاعباً، بل لها أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية أيضاً، يتضح هذا الأمر منذ الحكاية الأولى التي تحدثت عن أحد أفضل لاعبي كرة القدم في تاريخها، بيليه.

يدخل “الدحيح”، أو الغندور، برنامجه الجديد مستهدفاً شريحتين أساسيتين، الأولى جمهوره المتنوع صاحب الخلفية المعرفية والاهتمامات المتنوعة، ليقدّم له حلقات جديدة في وقت يلتفت العالم كله إلى البطولة المقامة في الدوحة، وهذه الشريحة ليست بالضرورة أبداً من عشاق كرة القدم، أما الشريحة الثانية فهي شريحة عشاق كرة القدم والتي قد تضم بدورها أشخاص كثر ليسوا من محبي المواضيع العلمية التي يطرحها الدحيح في برنامجه، تجدر الإشارة هنا إلى تنوع المواضيع التي يتكلم عنها الغندور عموماً.

سبق للغندور أن قدّم بالفعل حلقات تتعلق بالرياضة، لعلّ أبرزها حلقتين عن كريم بنزيما وحلقة أخرى عن نيمار ورابعة عن ميسي، لكن هذه الحلقات كانت جزءً من تنوع البرنامج والحديث عن الرياضة مطلوب لاستقطاب جمهور أكبر، لكن مغامرة “الدحيح” كانت هذه المرة بأن يكون البرنامج يتعلق بكرة القدم بشكل رئيسي وإن اتصلت الحلقات بحكايات اجتماعية وسياسية أيضاً.

كحركة جسدية قُيّد الغندور هذه المرة، إذ لا يملك إمكانية الحركة كما هي العادة، فمن قرأ الكتاب الصادر عن “دار الشروق المصرية” حول حكاية “الدحيح” يُدرك أن هذه المشكلة كانت إحدى أكبر المشاكل التي واجهها في بداياته، لكنه نجح بتطوير أدواته هذه المرّة والتغلب على هذه المشكلة.

أداء “الدحيح” تغيّر كذلك، يبدو أكثر بطئاً من العادة، وهي مشكلة لمن اعتاد على الإيقاع السريع لحلقات البرنامج، لكنه أمر مبرر على اعتبار أن من يتحدث ويروي الحكاية ليس الغندور، بل بشير محفوظ.

اللافت أن شخصيات البرنامج نفسها، تتشابه شكلياً أحياناً مع شخصيات الإعلام الرياضي المصري، نجد أن المقدم سلامة عبد الملك يشبه ولو قليلاً حارس المرمى السابق والإعلامي الرياضي الحالي أحمد شوبير، أو تتقاطع الشخصيتان على أقل تقدير في بعض التفاصيل، فيما يشير اسم الدكتور بشير محفوظ إلى الكاتب المصري نجيب محفوظ أحد أبرز كُتّاب الواقعية المصرية، والتقاطع هنا يكمن في واقعية الحكايات التي يرويها بشير محفوظ بعيداً عن الخيالات والسحر الذي يحيط بكرة القدم.

مكاسب أم رسائل؟

كما استخدم فريق كتابة البرنامج استخدام شخصيات أخرى لها شهرتها في السينما، فظهرت شخصية “الحاج محمد” في بداية الحلقة الثانية، وجمعت بين الدون كورليوني في “فيلم العرّاب” وشخصية عبد الملك الزرزور في فيلم “إبراهيم الأبيض” والتي أدى الشخصية فيها الراحل محمود عبد العزيز.

أيضا فريق العمل لم يفوّت السخرية من الإعلام الرياضي المصري وطريقة عمله، تبدو هذه اللمحات واضحة وتظهر في كل فرصة ممكنة أثناء الحلقات، فمنذ الحلقة الأولى يقول سلامة عبد الملك لجمهوره “ليس لدينا لا مباريات حصرية ولا لقاءات مع اللاعبين ونقدم لكم برنامجاً عن كأس العالم”، في إشارة إلى سخرية المصريين الدائمة من قنواتهم الحكومية الرياضية التي تعرض “منافسات أولمبياد أتلانتا 1996” في نفس توقيت المباريات المهمة.

هذه التفاصيل الكثيرة التي يقدّمها الغندور وفريق العمل ضمن برنامج بسيط يُقدّم عبر “اليوتيوب” عن كرة القدم تستحق أن يحصدوا في مقابلها العديد من المكاسب، عودة “الدحيح” إلى قناته الشخصية تدلّ بشكل قاطع على إمكانية تحرره من أي قيود قد تفرض عليه من أي جهة كانت، كما أنها تنجح في استقطاب جمهورين سوياً: العاشق لكرة القدم والغير مهتم بها على حد سواء لمشاهدة أحد أفضل صنّاع المحتوى في العالم العربي، وهو مكسب ثانٍ يستحقه الغندور وفريق عمله بالتأكيد.

كما أن الأرقام المرتفعة لمشاهدة الحلقات حيث حققت الحلقة الأولى أكثر من مليون و700 ألف مشاهدة منذ عرضها قبل أسبوعين تعني أن “الدحيح” مستمر في تقديم محتوى عال الجودة وحصد أرقام مشاهدات ضخمة واكتساب شرائح جديدة من الجمهور، ليربح “الدحيح” الرهان مجدداً، بعد أن خاضه في حلقات رياضية منفصلة، أو قدّم حلقات ذات مساحة زمنية طويلة شكك الكثيرون في إمكانية مشاهدتها من جمهور اعتاد على حلقات قصيرة لا تتجاوز الدقائق العشرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.