مع زيادة تدهور الوضع المعيشي في سوريا، ووصول سعر الدولار الأميركي إلى أكثر من 7500 ليرة سورية للدولار الواحد، تسعى القيادة المركزية في دمشق إلى امتصاص غضب الشارع الناتج عن فشل دمشق في تأمين الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للمواطن، عبر “مجلس الشعب” السوري، الذي يعلم السوريون أن لا حول له ولا قوة لمساعدة الشعب في المطالبة بحقوقه أمام الحكومة.

العديد من المطالب تقدّم بها “مجلس الشعب” السوري، خلال السنوات القليلة الماضية إلى الحكومة السورية تتعلق بزيادة الرواتب والأجور في سوريا، كي تتناسب مع غلاء أسعار السلع والخدمات ووصول معدلات التضخم إلى أرقام قياسية، وكان هناك مطالبات تتعلق برفع راتب الموظف الحكومي إلى 800 ألف ليرة سورية، لكن بالنظر إلى الواقع السوري، هل يملك “مجلس الشعب” السلطة لاقتراح هذه المطالب، وهل يتم ردم الفجوة بين الدخل والأسعار في حال تم رفع الراتب إلى 800 ألف.

في الحقيقة أن مشكلة تدهور الوضع المعيشي في سوريا، تتجاوز مشكلة مقدار ما يحصل عليه الموظف الحكومي أو غيره من السوريين العاملين حتى في القطاع الخاص، فحتى لو سلّمنا بقبول حكومة دمشق رفع الرواتب بنسبة معينة كما فعلت في عديد المناسبات سابقا، فإن هذه الزيادة ستتبعها بالتأكيد زيادة مماثلة في أسعار السلع والخدمات، وقد أكدت تقارير اقتصادية سابقة، أن جميع الزيادات التي أقرتها دمشق سابقا لم تنعكس بشكل إيجابي على المستوى المعيشي للموظفين.

أزمات اقتصادية خارج قدرة الحكومة

الحكومة في دمشق تبدو عاجزة عن السيطرة على الأزمات الاقتصادية المختلفة، ولو كان بيدها أدوات اقتصادية حقيقية، لحاولت الحفاظ على قيمة العملة المحلية من الانهيار، وبالتالي أوقفت الزيادات الخيالية في أسعار السلع والخدمات، التي لم يعد المواطن يتحملها، وكان هذا الخيار الأفضل من ترك الاقتصاد ينهار ومن ثم اللجوء إلى رفع الرواتب 20 و30 بالمئة.

زيادة الرواتب والأجور ما هي إلا “إبرة مخدر” تحقن بها الحكومة الشعب المسحوق، وتحاول من خلال هذه القرارات التغطية على عجزها بوقف انهيار القدرة الشرائية للعملة المحلية، وفي الحقيقة فإن زيادة الرواتب لا تكلف الحكومة سوى طباعة المزيد من الورق وضخه بالأسواق، دون وجود قيمة حقيقة إنتاجية أو احتياطية لهذه الزيادة في العملة، الأمر الذي ينعكس بالطبع على نسب التضخم وبالتالي مزيد من ارتفاع الأسعار.

مؤخرا زاد الحديث عن اقتراح “مجلس الشعب” السوري، على الحكومة السورية زيادة الرواتب والأجور لتتناسب مع متوسط تكلفة المعيشة في سوريا، إلا أن عضوا في المجلس كشف عن صلاحيات “مجلس الشعب” السوري، فيما يتعلق بزيادة الرواتب مؤكدا أن المجلس لا يمتلك حتى “صلاحية تقديم مثل هذا المقترح”.

عضو “مجلس الشعب” السوري زهير تيناوي، قال في تصريحات نقلتها صحيفة “تشرين” المحلية، إن زيادة الرواتب لا تحتاج إلى مقترح، بل تعتمد أساسا على الموارد المرصودة في اعتمادات وزارة المالية لتحسين معيشة العاملين في الدولة ومن ثم القطاع الخاص، ويتم ذلك بحسب رأيه عبر تعديل جداول الرواتب والأجور من قبل الجهات صاحبة العلاقة.

الحل في زيادة الرواتب؟

بالتالي فإن كل ما جرى الحديث عنه خلال الأشهر الماضية، حول اقتراح “مجلس الشعب” السوري، زيادة الرواتب والأجور، لا يعدو كونه مبادرات فردية من قبل بعض أعضاء المجلس، والاقتراحات هي بصفتهم الشخصية، لا بصفتهم الرسمية كأعضاء في المجلس، لكن المجلس يستطيع بحسب حديث تيناوي المطالبة  بدراسة وتحسين الواقع المعيشي للعاملين في المؤسسات العامة، لدرجة أن هذا المطلب يكون حاضراً في جميع مناقشات المجلس ومداخلات الأعضاء، لكن من الواضح أن جميع هذه المطالبات تجاهلتها الحكومة على مدار سنوات أو على الأقل فشلت في تلبيتها.

تحسين الواقع المعيشي للسوريين، يتطلب بحسب مختصين في الاقتصاد إلى وجود رؤية وخطة واضحة لتحسين واقع الإنتاج بمختلف قطاعاته، فضلا عن تحسين البنية التحتية وتأمين الخدمات الأساسية، بما يخدم القطاع الإنتاجي، وبذلك تتحرك العجلة الصناعية ويزداد الطلب على اليد العاملة، بالتالي يمكن الحديث عن تحسن في الواقع المعيشي للسوريين، لكن كل ما سبق فشلت دمشق في تحقيق الأدنى منه.

صلاح عبد الرحمن موظف يعمل في مديرية المالية في حلب، أكد أنه لا يتفاءل كثيرا في إشاعات زيادة الرواتب مهما بلغت نسبتها، وذلك لأنه يعلم مسبقا أن الزيادة تسبقها زيادة في أسعار معظم الخدمات والسلع الاستهلاكية، وذلك بعد إقرار الزيادة يكون هناك ارتفاع في الأسعار، فضلا عن أن الزيادة لا تتجاوز 30 بالمئة في أفضل الأحوال، والراتب الحكومي يحتاج إلى مضاعفة مرات عدة حتى يتلاءم مع الأسعار.

عبد الرحمن قال في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “حتى لو تم مضاعفة راتبي مرتين، فأنا أحتاج لعمل آخر حتى أستطيع جمع تكاليف الأساسيات المعيشية من سكن وفواتير وغذاء، الراتب الحكومي لم يعد يكفي لشراء الخبز وبعض حاجيات الغذاء، فما بالك بالحديث عن تأمين الخدمات ومتطلبات السكن والعلاج وغيرها”.

قد يهمك:  مواد جديدة على قائمة الدعم في رمضان.. هل تنجح “التموين” السورية في تقديمها؟

المصدر : تعقيدات وعرقلة.. كيف ساهمت قرارات دمشق بزيادة ركود سوق العقارات؟ – الحل نت

حول نسبة الزيادات في الرواتب والأجور، رأى تيناوي أن الزيادة يجب أن تلبي المتطلبات المعيشية للعاملين في مؤسسات القطاع العام، إذ لم تعد مطالبات الأعضاء تنحصر بزيادة 25 أو 30 بالمئة فقط، بل هناك مطالبات بأن يصل راتب الموظف إلى 800 ألف ليرة ومثلها للمتقاعدين، مشيرا إلى أن هذه الزيادات يجب أن يتم إقرانها بتثبيت الأسعار ومراقبة الأسواق ومحاسبة المتلاعبين

لا توجد أي مؤشرات تدعم رؤية بعض أعضاء “مجلس الشعب” السوري، حول تحسين الواقع المعيشي عبر زيادة الرواتب والأجور، بل على العكس جميع المؤشرات الحكومية، توحي بزيادة أعباء المعيشة على المواطن السوري، فحكومة دمشق فشلت حتى في إصدار تسعيرات للمواد الأساسية وفرضها على التجار، وذلك لأن الأسعار التي تصدرها تتجاوز في معظم الأحيان تكاليف الإنتاج الحقيقية.

رمضان وزيادة الأسعار

مع اقتراب شهر رمضان، تزداد الأعباء المادية على السوريين، خاصة وأن شهر رمضان، يسبقه عادة ارتفاع في معظم السلع لا سيما الغذائية منها، في مؤشر على غياب الطقوس الرمضانية التي اعتاد السوريون إضفاءها في هذا الشهر، حيث لم تهدأ وتيرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية منذ أسابيع في الأسواق السورية، الأمر الذي أدى بمعظم العائلات إلى إضافة مواد جديدة إلى قائمة “الكماليات” الطويلة لديهم، بعدما كانت من الأساسيات في أشهر رمضان السابقة.

حتى البقوليات وصلت إلى أسعار فاقت قدرة المواطن السوري خلال الأسابيع الماضية، وبحسب شهادات الأهالي فإن تكلفة أرخص طبخة في سوريا وهي “المجدرة” أصبحت تتجاوز 25 ألف ليرة سورية، بعد ارتفاع أسعار العدس ومختلف البقوليات، بالتالي فإن الحديث عن الأكلات التي تحتاج إلى اللحم أصبحت خارج حسابات معظم العائلات السورية.

أسعار اللحوم شهدت هي الأخرى ارتفاعات متفاوتة قبل دخول شهر رمضان بأيام قليلة، ما قد يحرم الشريحة الأكبر من السوريين، من إضافة الأكلات الرمضانية على موائدهم، فسعر كيلو هبرة الخروف في السوق وصل ما بين 80 إلى 90 ألف ليرة سورية، والغنم المسوف تراوح ما بين 60 إلى 65 ألف ليرة، بينما بلغ سعر كيلو شرحات الغنم ما بين 80 إلى 100 ألف ليرة.

حل مشكلة المستوى المعيشي للمواطن السوري، بعيدة كل البعد عن مسألة زيادة الرواتب والأجور، وكل ما يجري الحديث عنه هو محاولة لإطالة عمر الأزمة الاقتصادية، وإبقاء المواطن السوري في دوامة زيادة الأجور وارتفاع الأسعار، هذا فضلا عن شكوك عديدة في قدرة الحكومة على تحمّل زيادة آنية للرواتب قد توصله إلى 800 ألف ليرة سورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.