منذ بداية القرن الواحد والعشرين، انتعشت رغبة العديد من دول العالم بالحصول على السلاح النووي، فانطلق سباق التسليح لتطوير البرامج النووية وصولا إلى القنبلة الذرية، ومع تقدم الزمن تتزايد أعداد الدول التي تمتلك رؤوس حربية نووية، الأمر الذي يوحي بخطر قادم قد يفضي إلى حرب عالمية يكون للسلاح النووي الكلمة العليا فيها.

ومع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، تصاعدت المخاوف من سباق التسلح النووي خاصة مع تلويح روسيا باستخدامها الأسلحة النووية في مرات عدة عندما كانت تتكبد خسائر عسكرية في أوكرانيا، ترافق ذلك مع قيام كوريا الشمالية بمناورات عسكرية نووية، واتجاه الصين لتعزيز ترسانتها النووية، لتشكل كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية إلى جانب إيران حلفا عسكريا نوويا قد يشكل خطرا على العالم أجمع.

خطورة استمرار سباق التسلح النووي زاد كذلك مع إصرار إيران على تطوير برنامجها النووي، بعدما فشلت جميع الجهود الدبلوماسية حتى الآن على الأقل، في الحد من الجهود الإيرانية في تخصيب اليورانيوم، بهدف الوصول إلى الحد الذي يسمح لها بامتلاك قنبلة نووية، فما هي خطورة تصاعد السباق على امتلاك وتعزيز الأسلحة النووية.

أدارة لتغيير الإرادة الدولية

في العقود الأخيرة تحول السلاح النووي إلى أداة بيد الدول لفرض وجودها على الساحة الدولية، بهدف التأثير على القرارات الدولية، ليكون أداة لفرض إرادة مَن يملكه أكثر من كونه أداة لاستعماله عسكريا في الحرب، لذلك فإنه على المدى المنظور قد يبدو أن امتلاك السلاح النووي هو للتلويح به أكثر من استعماله، لكن ماذا لو تعددت الجهات التي تمتلك القنبلة النووية، خاصة في ظل عدم وجود آلية مُجدية لمنع إنتاج المزيد من الأسلحة النووية.

في إطار سعيها لدعم حلفائها بهدف مواجهة المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، تتجه روسيا بقيادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى نقل تكنولوجيا هامة إلى الصين، لاستخدامها في إنتاج رؤوس حربية نووية، حيث أسفر الاجتماع الأخير بين بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ، بحسب تقرير لصحيفة “القدس العربي”، عن اتفاق طويل الأجل يهدف إلى التطوير المستدام لما يسمى بمفاعلات النيوترون السريع، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة احتمالية تحويل منطقة شرق آسيا في المستقبل إلى ساحة حرب نووية.

قد يهمك: حقبة جديدة.. “حزب الله” يأخذ دور “الحرس الثوري” الإيراني في سوريا؟

في وقت ادّعا فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ، أنه في روسيا من أجل الضغط عليها للموافقة على خطة سلام لتهدئة الحرب الدائرة في أوكرانيا، كان هناك اتفاق من شأنه زيادة وتطوير الترسانة النووية الصينية، الأمر الذي سينعكس بالتأكيد على الأمن والسلام الدوليين برعاية كل من روسيا والصين ومن ورائهما كوريا الشمالية شرق آسيا، وإيران في الشرق المتوسط.

المخاوف الدولية عبّر عنها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي أعرب عن مخاوفه من الاتفاقية الصينية الروسية خلال جلسة استماع في “الكونغرس”، وقال “تحدثوا عن شراكة بلاد حدود، ومجال الاهتمام الجديد لإدارة بايدن ينبع من التعاون النووي بين روسيا والصين”، حيث أن شركة “روساتوم” الحكومية للطاقة النووية الروسية العملاقة للتكنولوجيا النووية زودت 25 طنا من اليورانيوم عالي التخصيب إلى أول مفاعل سريع  في الصين، أول مفاعل سريع، في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

ارتفاع مستوى الخطر

أما كوريا الشمالية، فهي الأخرى تسعى إلى إنتاج المزيد من المواد النووية، التي يمكن استخدامها في صنع الأسلحة لتعزيز ترسانتها النووية، وذلك بحسب ما أكدته وكالة الأنباء المركزية الروسية، ونقلت عن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون قوله، إنه مستعد لاستخدام هذه الأسلحة في أي وقت

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، رأى أن زيادة الدول التي تمتلك السلاح النووي وتطويره من قبل دول أخرى كالصين وإيران، يزيد من خطر تهديد السلم والأمن الدوليين، مشيرا إلى احتمالية كبيرة أن تتحول منطقة شرق آسيا إلى ساحة حرب نووية في المستقبل، نظرا لسلوك الدول التي زادت من وتيرة دعم الترسانة النووية لا سيما الصين وكوريا الشمالية.

مشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “في الفترة الأخيرة تطوّر سباق التسلح من المدفعية والصواريخ إلى امتلاك القنبلة النووية، وبنظرة استشرافية أعتقد أن الحرب العالمية القادمة، ستكون حرب ذات طابع نووي وسيكون السلاح الرئيسي فيها هو السلاح النووي، فالترسانة النووية تُستخدم اليوم للضغط على القرارات الدولية والدبلوماسية، السباق موجود منذ زمن ولعله الآن ازداد وتيرةً وبعض الدول أصبحت تعطي الأولوية لملف امتلاكها لسلاح نووي”.

زيادة عدد الدول التي تمتلك السلاح النووي، ترفع من احتمالية اندلاع الحرب، ومع دخول إيران الآن إلى السباق النووي، فإن نجاح إيران في امتلاك السلاح النووي سيعني بالتأكيد تهديد الأمن العالمي، خاصة وأن طهران على سبيل المثال ستستخدم هذا السلاح لفرض مشاريعها العدائية في الشرق الأوسط والعالم، إلى جانب تحالفها مع روسيا التي تستمر في غزوها الأراضي الأوكرانية.

في هذا السياق أضاف مشرف، “سيكون هناك صراع قوى دولية ومناطق صراع عديدة، حاليا منطقة الصراع الدولي انتقلت من الشرق الأوسط إلى منطقة شرق آسيا حيث الوجود الصيني، الولايات المتحدة تعمل بدورها على مواجهة النفوذ الصيني في عدة مناطق سواء في إفريقيا أو شرق آسيا. عملية تعزيز كوريا الشمالية لأسلحتها النووية، وتزويد موسكو بكين باليورانيوم، سيزيد بطبيعة الحال حدة الصراع الدولي وربما يأخذنا إلى التعجّل بعملية الحرب العالمية الثالثة”.

بالحديث عن الحرب العالمية الثالثة، فإن هناك ما يوحي بهذه الحرب من الناحية الاقتصادية، إلا أن بدء الدول الضغط باستخدام الأدوات النووية، سيؤدي ربما إلى الانفجار يوما ما، حيث أوضح مشرف أن “هناك اليوم ساحة صراع اقتصادية محدودة، إنما على تبعيات هذه الأخبار ومع تطوير إيران لبرنامجها النووي سيكون يوما ما حتما ساحة صراع دولية وحرب كبيرة عالمية سيكون عنوانها السلاح النووي”.

هل من وسيلة ردع؟

حتى الآن لا توجد أي وسيلة ردع دولية، من شأنها منع إنتاج المزيد من الأسلحة النووية، حتى الملف النووي الإيراني لم تنجح الإرادة الدولية في إنهائه، وبرأي الباحث السياسي فإن منع إنتاج المزيد من الأسلحة النووية يحتاج إلى تفعيل القانون الدولي بإرادة دولية، خاصة وأن المنظمات الدولية ليس لها دور حيوي فهي لا تملك القوة للضغط على الدول القوية.

استقطاب القوى والحلفاء وانطلاق سباق التسليح في منطقة شرق آسيا، يؤشر ربما على اقتراب اندلاع حرب عالمية ثالثة، وذلك رغم استبعاد مراقبين لاندلاع هذه الحرب وإقدام أي طرف على إشعالها في الوقت الراهن، أمّا الباحث السياسي عبد اللطيف، فرأى “أن المنطقة تعيش الآن سيناريوهات ما قبل الحرب العالمية الأولى والثانية”، وباعتقاده أن “الحرب قد بدأت لكن ليس بشكل عسكري وإنما هي حرب اقتصادية أو حرب دبلوماسية ناعمة، وعملية تقليم لأظافر القِوى المتنامية التي تتحدى الولايات المتحدة الأميركية وأبرزها روسيا والصين”.

حتى الآن لا يوجد أي تصور لمستقبل السلاح النووي في العالم، إلا أن الجميع متخوف من لحظة الانفجار التي قد تؤدي إلى حرب يكون السلاح النووي هو السلاح الرئيسي في العالم، وهنا تصب معظم التوقعات في ألا منتصر في هذه الحرب، وعلى الرغم من سوداوية هذا الاستنتاج إلى أنه يدفع جميع الأطراف إلى التفكير مئة مرة قبل الضغط على الزر الأحمر، لكنه لا يمنع بالتأكيد تخزين المزيد من الأسلحة النووية والرؤوس الحربية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات