تحدّيات عديدة يواجهها قطاع إنتاج مشتقات الحليب في سوريا، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعار الألبان والأجبان بشكل حُرِم منها  شريحة واسعة من السوريين، رغم أنها تشكل ركيزة أساسية من احتياجات شهر رمضان، لا سيما فيما يتعلق بوجبة السحور.

نتيجة الارتفاع في الأسعار، انتشرت ظاهرة الغش في منتجات الألبان والأجبان وسط غياب الرقابة الحكومية التي عجزت عن ضبط الأسعار وتأمين مستلزمات الإنتاج للتجار والعاملين في قطاع الألبان والأجبان بما يسمح لهم البيع بأسعار تناسب دخل المواطن.

جبنة مغشوشة؟

تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، تحدث عن انتشار ظاهرة بيع الألبان والأجبان بسيارات متجولة في شوارع العاصمة دمشق، حيث تبيع هذه السيارات منتجاتها بأسعار أقل من السوق بنسبة تتجاوز 50 بالمئة، ما يطرح التساؤلات حول مصدر هذه المواد واحتمالية أن تكون مغشوشة وغير مطابقة للمواصفات الرسمية.

السيارات المتجولة تبيع كيلو الجبنة بسعر 12 ألف ليرة سورية، في وقت يصل سعرها في الأسواق إلى 30 ألف ليرة، كذلك تباع اللبنة بسعر 10 آلاف ليرة للكيلو الواحد، في وقت تبيعها محلات الألبان والأجبان بأسعار تتراوح بين 18 إلى 20 ألف، وسط غياب الرقابة التموينية عن هذه المواد التي تُباع بشكل عشوائي للمستهلكين.

قد يهمك: كلفة العزيمة تتجاوز ربع مليون.. ماذا حل بالطقس الرمضاني في سوريا؟

التدخل الحكومي حول بيع مواد مغشوشة في الأسواق، اقتصر على تعليق عضو الجمعية الحرفية لصناعة الألبان والأجبان أحمد السواس، الذي وصف المواد التي تُباع عبر السيارات المتجولة بـ”المغشوشة”، مشيرا إلى أنها غير قابلة للاستهلاك البشري حيث برر انخفاض أسعارها بأنها تتكون من “حليب بوردة ونشاء ومحسنات قوام”.

استغلال صيام الأهالي

حديث سواس الذي نقلته الصحيفة المحلية، أوضح أن بائعي هذه المنتجات يستغلون صيام المشترينَ، ولفت إلى أن “من يشتري هذه المنتجات لا يعلم عن مكوناتها وطعمها، لكن بالتأكيد بعد معاينة المستهلكين لطعم هذه المنتجات، لن يتوجهوا لشرائها مرة أخرى، كما أن هناك أشخاص يشترونها لعدم قدرتهم على شراء الجبنة واللبنة البلدية النظامية”.

حول طرق تصنيع المواد المغشوشة، أكد السواس أن هذه المواد يتم صناعتها في ورشات غير نظامية، وفي منازل موجودة في مناطق مخالفات وغير خاضعة للرقابة التموينية والصحية باعتبار أنها تُصنع في أماكن غير معروفة وبعيدة عن أنظار التموين، لكن المسؤول الحكومي تجاهل الحديث عن أية آليات مجدية لمنع وصول هذه المنتجات إلى المستهلك.

من المعلوم أن كل 6 كيلو حليب، يمكن أن ينتج عن تصنيعه كيلو واحد من الجبنة، وباعتبار أن تكلفة كيلو الحليب على المنتجين تصل إلى 3 آلاف ليرة، فإن الحد الأدنى لتكلفة كيلو الجبنة يصل إلى 18 ألف ليرة سورية، ما يؤكد كذلك أن جميع المواد التي تباع بأسعار رخيصة هي منتجات مغشوشة.

هذا الإقبال على المواد المغشوشة، جاء بطبيعة الحال بسبب الغلاء الكبير الذي أصاب منتجات الألبان والأجبان، وزاد حدته مع قدوم شهر رمضان، خاصة وأن هذه المنتجات تدخل في الأطباق الرئيسية لوجبة السحور.

أسباب للارتفاع

ارتفاع أسعار منتجات الحليب، ناتج بالدرجة الأولى عن ارتفاع تكاليف الإنتاج، لا سيما فيما يتعلق بالأعلاف والطاقة، حيث أوضح رئيس الجمعية الحرفية للألبان والأجبان محي الدين الشعار، أن أساس الارتفاع مرتبط بارتفاع سعر كيلو الحليب، المرتبط بدوره بسعر علف البقر والأدوية البيطرية.

الشعار أضاف في تصريحات نقلها موقع “أثر برس” المحلي، بالنسبة لنا كجمعية فإننا نسعّر بناءا على سعر الحليب الذي يصل إلينا ما يهم الحرفيين هو البيع بأسعار أقل حتى يأخذ الزبون بسعر مناسب؛ ولكن ما يجري أن التجار يقومون باحتكار الحليب ومشتقاته، بهدف طرحه في الأسواق بأسعار مرتفعة”.

الارتفاعات المتكررة في أسعار مشتقات الحليب، مرتبطة كذلك بارتفاع أسعار حوامل الطاقة بحسب حديث الشعار، فضلا عن انخفاض مستوى الدعم الحكومي من المحروقات للمنتجين، الأمر الذي يدفع بالحرفي لشراء المازوت والغاز بسعر حر يرهق الحرفي ويضعه تحت خسارة.

نتيجة لهذا الارتفاع وانتشار الغش، فإن كثير من العائلات السورية ذات الدخل المحدود، استغنت بشكل كامل عن منتجات الألبان والأجبان حتى انخفاض أسعارها، فقد أوضح محمود عبد ربه، وهو أب في أسرة مكونة من أربعة أفراد، أنّه لم يشترِ سوى كيلو واحد من الجبنة منذ بداية رمضان.

عبد ربه أضاف في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “جميع مستلزمات السحور ارتفعت أسعارها مع بداية رمضان، اشتريت كيلو واحد من الجبنة، ونعتمد في وجبة السحور على الزيت والزعتر، إضافة إلى العطون والزيتون والبيض أحيانا”.

وأضاف، “اليوم تم السماح لنا بطرح المادة تحت اسم (أجبان وألبان معدلة بالدهن النباتي) وهي توفر على المواطن بنسبة 35 ـ 40%”، مؤكداً أن دوريات حماية المستهلك والشؤون الصحية تقوم بجولات وأخذ عينات للتأكد من مطابقتها للمواصفات وهي سليمة وصحية.

لا يبدو أن حكومة دمشق تملك آلية لمواجهة ظاهرة وصول المواد المغشوشة للمستهلكين، فهي تعرف مسبقا أن تدخّلها “بلا قيمة”، في ظل عجزها عن تأمين مستلزمات الإنتاج من المحروقات والأعلاف والأدوية البيطرية، حيث أن ما ذكر هي الطريقة الأمثل لانخفاض الأسعار وبالتالي قطع الطريق عن منتجي المواد المغشوشة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات