دولة الإمارات تتمتع باقتصاد مفتوح ومتنوع، فقد عملت الدولة على خفض نسبة الاعتماد على قطاع النفط من 60 بالمئة إلى 30 بالمئة فقط من مجموع مساهمة الناتج المحلي الإجمالي، وبذلك يعتبر الاقتصاد الإماراتي من أكثر مصادر الدخل تنوعًا من بين دول مجلس التعاون الخليجي. 

كما ركزت الإمارات في السنوات الأخيرة على الترويج للدولة على كونها مركزاً عالمياً للتجارة والسياحة، ولم تتوقف عند هذا الحد، بل تسعى لأن تكون واحدة من أهم دول العالم على صعيد الاستثمار في الموانئ واللوجستيات الخاصة بالموانئ والتي تدر على الدولة أموالاً طائلة، علماً أن هدف الإمارات قد يتعدى المكسب المالي، إلى أهداف أخرى متعلقة بالمصالح السياسية والجيوبوليتيكية، فما هي امبراطورية الإمارات في قطاع الاستثمار في الموانئ الدولية وتشغيلها، والمكاسب التي يمكن أن تحققها. 

جيوبوليتيك الموانئ الإماراتية

منذ عام 2000 بدأت الإمارات العربية المتحدة بالاستثمار في الموانئ الدولية، وأسست دبي شركة “موانئ دبي العالمية” وهي الآن شركة رائدة في إدارة الموانئ وتطوير البنية التحتية. ونجحت في غضون عقدين فقط بتولي إدارة أكثر من 75 محطة بحرية موجودة في أكثر من 40 دولة، كما أنها متحكمة أيضاً بـ 10 بالمئة من حركة الحاويات على الصعيد العالمي، حيث تتعامل مع 70 مليون حاوية يتم جلبها من نحو 70 ألف سفينة سنويًا، لتتصدر قائمة مشغلي الموانئ في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط.

تاريخياً، بدأت شركة دبي العالمية استثمارها الخارجي في ميناء جدة السعودي في عام 2001، وفي عام 2002 أبرمت الشركة عقداً مع حكومة جيبوتي لإدارة موانئها، وبنفس العام عقدت الشركة اتفاقاً لإدارة ميناء “فيزاخا” الهندي، ثم في عام 2003 تعاقدت شركة دبي العالمية مع رومانيا لتطوير إدارة ميناء “كونستانتا” الروماني. 

كما تدير الإمارات العديد من الموانئ في الصين مثل ميناء “تشينغ داو”، وموانئ “تيانجن”، و”يانتاي” بالإضافة إلى محطة حاويات في هونج كونج. وفي شبه القارة الهندية، تستثمر الإمارات في أعمال تطوير 7 موانئ هندية وميناء باكستاني. وفي منطقة الشرق الأوسط تستثمر الإمارات في 3 موانئ رئيسية تستحوذ على نسب كبيرة من حصص تشغيلها، اثنان في مصر وواحد في السعودية بمدينة جدة.

في القارة الأوروبية تدير الإمارات ميناء صربيا وميناء البوسنة، وميناء “ليماسول” القبرصي. وفي الفترة الأخيرة تركز الإمارات على الاستثمار في الموانئ على طرفي مضيق باب المندب لأهميته الجيوسياسية على خطوط التجارة الدولية.

كما تدير بطريقة غير مباشرة ميناء عدن منذ عام 2015، فضلا عن الاستثمار بالموانئ الرئيسية للصومال “بربرة” و”بوساسو”، كما أبرمت شركة موانئ دبي العالمية اتفاقية مع دولة إريتريا لإدارة ميناء ومطار “عصب” على البحر الأحمر لمدة 30 عامًا. وتستثمر شركة دبي العالمية أيضا في البرازيل والأرجنتين وكولومبيا، وفي 4 موانئ في أستراليا، وما يزيد على 14 ميناءً ومحطةً في إفريقيا، إلى جانب 8 محطات في موانئ روسيا. 

حالياً تحاول الإمارات الاستثمار في البحر الأحمر وتحديداً في جزيرة “سواكن” السودانية، وفي شرق البحر المتوسط، إذ قدمت عرضًا لشركة “صناعات أحواض بناء السفن الإسرائيلية” للاستحواذ على ميناء حيفا في إسرائيل بعد أيام قليلة من إبرام اتفاق “أبراهام” بين الإمارات والبحرين والإسرائيليين في عام 2020. 

الأهداف والمصالح الإماراتية 

الإمارات تصنف من حيث الحجم كدولة صغيرة، نظراً لقلة عدد سكانها وصغر مساحتها الجغرافية، لكن ذلك لم يُعيق طموحها بأن تكون دولة مؤثرة في عدد من المجالات، فهي تسعى لحجز مكانة خاصة على المستوى الدولي عبر توسعها في مجال الشحن والسيطرة على الطرق التجارية والموانئ، وفي هذا السياق سخرت الإمارات إمكانات ضخمة لدعم شركتها العملاقة “شركة دبي العالمية” في سبيل الوصول إلى الطموح الجيوسياسي الذي تريد أن تلعبه الإمارات. ويمكن إجمال المصالح الإماراتية المترتبة على هذا المسار بمحورين: الفائدة الاقتصادية، والمكانة الجيوسياسية.

الدولة الخليجية تنبهت مبكراً إلى ضرورة تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، وحققت الكثير في هذا المجال، والاستثمار في الموانئ المحلية والدولية يعتبر جزءًا هاماً من سياسة التنويع هذه، فقد حققت شركة دبي العالمية بحسب تقريرها السنوي إيرادات مالية تقدر بـ 10.8 مليار دولار في عام 2021، وهو العام الذي شهد تفشي جائحة “كورونا” وإغلاقات اقتصادية.

حالياً تواجه الإمارات منافسة قوية من قبل الصين على خطوط التجارة والموانئ البحرية التي تحاول ربط آسيا وإفريقيا وأوروبا عبر طريق الحرير البحري والبري الذي يقوم على شبكة متعددة من الموانئ الدولية والطرق والسكك الدولية، فنجاح هذا المشروع الذي يتجاوز الإمارات سيكون ضربة موجعة تحد من توسع أعمال شركة دبي العالمية، وانخفاض إيراداتها المالية لصالح الصين. وظهر أول تنافس بين الدولتين على موانئ جيبوتي باعتبارها تنفرد بموقع استراتيجي لا تتمتع به موانئ أخرى في العالم من ناحية الموقع والطبيعة.

بعد تحقيق الصين لعدة صفقات تطوير واستثمار في موانئ في جيبوتي ودول إفريقية أخرى، لجأت الإمارات للاستثمار في موانئ الصومال البلد الإفريقي الذي يتمتع بأطول ساحل في إفريقيا، والذي يطل على المحيط الهندي وخليج عدن، ويبلغ طوله 3 آلاف كيلومتر، وتتوزع على سواحله 4 موانئ رئيسية هي: ميناء العاصمة مقديشو وميناء “كيسمايو” في إقليم جوبالاند وميناء “بوصاصو” في بونتلاند وميناء “بربرة” في إقليم أرض الصومال.

على صعيد المكانة الجيوسياسية فإن تشغيل الموانئ والاستثمار فيها يعني بشكل أو بآخر السيطرة على جزء من حركة التجارة العالمية، وهو ما سيترتب عليه مكانة وحضور سياسي أكثر تأثيرًا وثقلًا لصالح الإمارات، لأن ذلك سيقود إلى تعزيز قنوات الاتصال السياسي بين الإمارات والدول المضيفة، فضلاً عن قدرتها في التأثير على عوائد وعمل التجارة الدولية وهو ما سيؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على ميزانيات وخطط التنمية لدول بأكملها. 

ركزت الإمارات خلال العقدين الماضيين على الاستثمار في الموانئ الدولية بهدف تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية لتصبح إحدى الأدوات التي تعتمد عليها البلاد، لتكون دولة مؤثرة على مستوى العالم، ونجحت في غضون عقدين فقط بأن تتولى إدارة أكثر من 75 محطة بحرية موجودة في أكثر من 40 دولة، كما أنها متحكمة أيضاً بـ 10 بالمئة من حركة الحاويات على الصعيد العالمي، حيث تتعامل مع 70 مليون حاوية يتم جلبها من نحو 70 ألف سفينة سنويًا، لتتصدر قائمة مشغلي الموانئ في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط. 

وباتت تنافس في هذا المجال دولاً ذات اقتصادات عظمى مثل الصين، وهي تحقق اليوم مكاسب اقتصادية وسياسية، وأصبحت تلعب دوراً مهما في التجارة والسياسة الدولية، وتحقق إيرادات مالية عالية. ومن المتوقع أن تشكل استراتيجية استثمار الموانئ إحدى الأدوات المهمة التي تستخدمها الإمارات في سياستها الخارجية، وأن تشكل أحد أدوات التأثير في الدول الأخرى. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة