في كل عام ومع قدوم العيد، سواء الفطر أو الأضحى، ترتفع أسعار إيجار الشاليهات والفنادق والمنتجعات في المناطق الساحلية السورية، لدرجة أنها أصبحت حلما بعيد المنال لغالبية السوريين، وأصبحت حكرا على عدد من الأثرياء والمغتربين وخاصة من دول الخليج.

حتى “وزارة السياحة السورية” وأصحاب هذه المنشآت السياحية باتوا يعتمدون على المغتربين، سواء كانوا سوريين أو عرب، ممن يزورون البلاد خلال فصل الصيف، ويتوجّهون إلى هذه المرافق في المنطقة الساحلية التي يبدو أنها من أجمل الأماكن المرفّهة خلال هذه الفترات وحتى انتهاء فصل الصيف.

أرخص فندق بـ 50 ألفا!

نحو ذلك، كشف رئيس “غرفة سياحة طرطوس” إياد حسن، أن كلفة الإقامة في بعض الفنادق السياحية في طرطوس وصل إلى 400 ألف ليرة سورية لليلة الواحدة، أي نحو 54 دولارا، وهو ما يفوق قدرة معظم السوريين اليوم، وسط تدني مستوى الرواتب والأجور التي يبلغ متوسطها نحو 156 ألفا.

المسؤول الحكومي وفق حديثه لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، يوم أمس الثلاثاء، يتوقع أن تنعكس “الانفراجات السياسية العربية” على موسم السياحة في المحافظة، مضيفا أن “كلفة الإقامة بالنسبة إلى غرفة لشخصين تبدأ من 50 ألفا، وهو ضمن فندق نجمتين، وترتفع حسب التصنيف لتصل حتى 400 ألف لليلة الواحدة”، حسب تعبيره.

حسن، لفت إلى أن “كلفة الشخص الواحد، من أكل ومنامة بشكل وسطي تبدأ من 100 ألف ليرة يوميا”، معتبرا هذه الأسعار طبيعية نظرا للكلفة المترتبة على المنشآت السياحية من حيث التشغيل من محروقات وكهرباء ومواد وغيرها، وأن تكلفة السياحة في أي دولة تعادل عشرين ضعف ما تكلفه في سوريا.

لكن مع هذا الحديث، ينسى حسن أن الرواتب في الدول الخارجية المعنية أعلى بعشرات المرات من رواتب وأجور الحكومة السورية ومؤسساتها، بالإضافة إلى القطاع الخاص. لذلك، هذا يعني أن الحكومة تريد أن تعترف وتقول إن الأمور الترفيهية مثل السياحة وغيرها من ارتياد المطاعم والمقاهي هي للمغتربين فقط.

لكن هذا ليس غريبا، فالمسؤولون الحكوميون دائما ما يحمّلون ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الكبير وغير المنطقي إلى أنه أمر عام ويحدث في كل بلدان العالم، وأنه يرجع إلى تدهور سعر الصرف مقابل الدولار الأميركي، متناسين عدم قيام الحكومة بواجباتها تجاه المواطنين أو الاعتراف بعجزها في رفع الرواتب بما يتناسب مع مستوى المعيشة في البلاد.

الحجوزات وصلت لـ 80 بالمئة!

في المقابل، زعم حسن، أن نسبة الحجوزات في الفنادق وصلت إلى 80 بالمئة خلال فترة العطلة، متوقعا أن تنعكس “الانفراجات السياسية” إيجابا على تدفق السياح العرب إلى سوريا، لأن السياح العرب “اشتاقوا إلى سوريا”، لا سيما أن تكلفة السياحة في سوريا أرخص من كل الدول العربية، على حدّ تعبيره.

الحكومة السورية حتى مع انخفاض التوترات الأمنية في عدة أجزاء من البلاد، تعول على المغتربين من أجل تنشيط القطاع السياحي، الذي خسر كثيرا خلال السنوات الماضية، وكان الناتج المحلي للقطاع السياحي يُقدر بنحو 1.82 مليار دولار، وهذا يعادل 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ازدياد أعداد القادمين إلى سوريا، خلال العام الماضي وصل لقرابة الـ 82 ألف شخص، وفق توقعات وزير السياحة السوري، محمد مارتيني، في تصريحات سابقة. ورغم ارتفاع الأسعار في المنشآت السياحية ذات الـ“خمس نجوم”، إلا أن الإقبال عليها كان كبيرا خلال العام الماضي، وتحديدا خلال فترتي عيد الفطر والأضحى، حيث وصلت نسبة الإشغال في بعض المنشآت من سوية “خمس نجوم” بين 90-80 بالمئة، كما وأغلقت منشآت أخرى من التصنيف نفسه باب الحجوزات بعد أن وصلت نسبة الإشغال فيها إلى 100 بالمئة، وبالتالي يتوقع أن يكون هذا العام أيضا منعشا هذا القطاع، إلا أنه سيكون محصورا بين الأغنياء والمغتربين، وفق مراقبين.

من ناحية أخرى، وبالنظر إلى أن الكهرباء متوفرة في الفنادق على مدار اليوم، والتي أصبحت ميزة تتصدر الإعلانات الخاصة بعروض السياحة الداخلية في سوريا، مع انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من عشرين ساعة يوميا في معظم المحافظات، وبالتالي يستغل أصحاب المنتجعات والفنادق قدرتهم على تأمينها من دون انقطاع لجذب الزبائن القادرين على تسديد الفواتير الباهظة للإقامة في تلك الأماكن التي باتت، إلى حدّ كبير، حكرا على الأثرياء والمغتربين.

قد يهمك: السوريون يختارون الأنواع الشعبية من سكاكر العيد.. أرخص نوع شوكولا بـ 35 ألف ليرة

وفق إحصائيات صحفية، تمكنت حوالي 40 منشأة سياحية من الاشتراك بـ “الخط الذهبي” المعفى من برنامج التقنين الكهربائي، مقابل رسوم أعلى من السعر العادي. ومع ذلك، فإن هذا يعني رفع الأسعار في هذه المرافق بما يتناسب مع توفيرها لخدمة التمتع بالكهرباء دون انقطاع في بلد غارق في “العتمة”.

السياحة “محرّمة” على الفقراء!

في سياق متّصل، ووسط هذا الغلاء الفاحش وتدهور الليرة السورية منذ بداية العام الحالي بنسبة كبيرة، يبدو أن السياحة ستكون “محرّمة” على الفقراء وذوي الدخل المحدود، الذين يشكلون النسبة الأكبر في البلاد. أو لربما يلجأ نسبة قليلة جدا من هؤلاء إلى “التصيّف” في المنشآت الشعبية، التي تُعتبر الملاذ الأكثر أمانا لجيوبهم، التي لا تتناغم طردا مع الأسعار الخيالية للمنشآت التي فُصّلت تكاليفها على قياس زبائن “خمس نجوم”.

خلال العام الفائت، مدير “الشركة السورية للسياحة والنقل” فايز منصور، أكد للصحف المحلية، أن شاطئ “لابلاج” مفتوح للسياحة الشعبية في وادي قنديل بريف محافظة اللاذقية، وقد شهد إقبالا كبيرا من المواطنين منذ بداية الصيف، وحتى بعد انتهاء امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، نظرا لأن الأسعار كانت تتناسب مع ذوي الدخل المحدود، إذ قُدرت بـ 35 ألف ليرة سورية، فما فوق.

حكومة دمشق منذ سنوات عديدة وهي تزعم بأنها مهتمة وبشكل خاص بالسياحة الشعبية، إلا أن منتقديها يشيرون إلى استبعاد ذوي الدخل المحدود من قائمة العناية السياحية، إذ تتجاوز تكاليف تمضية يوم واحد على الشاطئ بالحد الأدنى نصف مليون ليرة سورية لتأمين النقل والإقامة والطعام، وهو أضعاف الراتب الشهري لأي موظف حكومي في البلاد.

معطيات “وزارة السياحة” بدمشق تشير إلى أن عائدات المنشآت السياحية خلال عام 2021 بلغت 11 مليار ليرة سورية منها 5.6 مليار ليرة سورية عائدات مباشرة، و5.5 مليار ليرة عائدات غير مباشرة كالضرائب والرسوم، علما بأن خسائر القطاع السياحي في سوريا منذ بداية الحرب تُقدر رسميا بنحو 330 مليار ليرة سورية.

في العموم، طالما نسبة الفقر في تصاعد مستمر بسوريا، نتيجة انخفاض قيمة الرواتب والأجور كلما تراجعت قيمة الليرة السورية أمام النقد الأجنبي وارتفعت الأسعار، فإن الأحوال المعيشية ستتدهور أكثر مما هي عليه الآن، مما يعني أن السياحة الداخلية وحتى الذهاب إلى المطاعم ومراكز التسوق سيكون حكرا على المغتربين والطبقة الغنية فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات