بينما ترفع الحكومة العراقية التي لم يمضِ على تشكّلها سوى أقل من 6 أشهر، شعار مكافحة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، فجرت حادثة هروب مسؤولٍ سابق وسياسي بارز متّهم بالفساد بملايين الدولارات من مركز احتجازه الرأي العام، وفتحت الباب على التواطؤ السياسي في إدارة ملف السجون العراقية التي تُتّهم بانتهاكات إنسانية خطيرة، وصلت حد الموت لأبرياء أُدينوا تحت التعذيب.

حادثة هروب، رئيس ديوان الوقف السّني الأسبق سعد كمبش، من أحد مراكز الاحتجاز في منطقة الصالحية المحاذية للمنطقة الخضراء معقل الحكومة والبعثات الدبلوماسية شديدة التحصين، جددت الحديث الذي يجري من قبيل منظمات إنسانية وحقوقية ومصادر سياسية عراقية، عن عمليات تعذيب ممنهجة تُمارس بحق المعتقلين، الأمر الذي أنتهى بإصدار أحكام قاسية بحق آلاف المُدانين الأبرياء الذين اعترفوا بالإكراه.

هروب كمبش، وإثارته الرأي العام السياسي والشعبي، لم يكن عبثا، بل جاء في سياق ما أثارته مسبقا حادثة اختفاء المتهم بقتل الخبير الأمني والمختص بشؤون الجماعات المتطرفة هشام الهاشمي، من معتقله، حيث كشفت الأيام القليلة الماضية وثيقة مسرّبة موقّعة من قبل وزير العدل خالد شواني، يرد فيها على استفسار نيابي بشأن مكان وجود أحمد الكناني، وأشارت إلى أن “المتهم غير موجود في سجون وزارة العدل العراقية، أو الأقسام الإصلاحية التابعة لها”.

تفاصيل حادثة هروب سعد كمبش

إلى ذلك، وفي تفاصيل هروب كبمش، فقد أفاد مصدر أمني عراقي في وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء، بهروب رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش المُدان بملفات فساد، من مركز للاحتجاز قرب المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، فيما تجري القوات الأمنية عمليات بحث وتحرّ للقبض عليه.

المصدر قال في حديث اليوم الأربعاء، إن كمبش تم تهريبه بعد منتصف الليل، من مركز الاحتجاز في منطقة كرادة مريم المجاورة للمنطقة الخضراء وسط بغداد، مبيّنا أن عملية الهروب ما زالت غامضة، مشيرا إلى أن قوات أمنية كبيرة انتشرت في المنطقة، وبدأت عمليات تحرّ ومتابعة للوصول إلى المتهم، كما تم إبلاغ الحواجز الأمنية في بغداد وخارجها بتفتيش السيارات بشكل دقيق ومحاولة القبض على المتهم.

اقرأ/ي أيضا: بين ليبيا وتونس والجزائر.. أزمة المياه تنفجر حربا؟

على هذا النحو، فإن الحديث يجري عن تحول السجون العراقية التي تُرتكب فيها انتهاكات خطيرة بحق آلاف المعتقلين والأبرياء، لفرصة لإفلات الفاسدين والمجرمين من العقاب، الأمر الذي يؤشر مدى التأثيرات السياسية على ملف السجون العراقية، لاسيما في ظل الحديث عن تورط زوجة المتهم كمبش، وهي أسماء كمبش النائب في “مجلس النواب” العراقي، والتي تنخرط لحزب سياسي مشارك في تشكيل الحكومة الحالية.

حول ذلك، أوضح المحلل السياسي علي البيدر، قائلا إن الحادثة تمثل مؤشرا واضحا على اختراق المنظومة الأمنية وبعض مفاصلها من قبل أطراف سياسية، مشيرا إلى أن الحادثة تحمل بصمات فساد، تؤكد أن مَن يدفع أكثر يهرب أسرع، ومن يمتلك جهة سياسية تقف معه يمكن أن يكون ببساطة خارج أسوار السجن.

البيدر أضاف في حديث لموقع “الحل نت”، عن موقع الحكومة من هذه الحادثة، بأن هناك حالة من طمر القضية وتسويفها إلى حد ما، لافتا في الوقت ذاته إلى أن محاسبة المقصّرين في عملية هروب المتهم، قد يعيد بعض الاعتبارات ويوجه رسالة إلى كل مَن يرغب بأن يكون جزءا من هكذا مشاريع بأنه سيتعرض للمحاسبة.

بيد أن، الحادثة تؤشر على مدى الفساد داخل المؤسسات الأمنية، كما يرى البيدر، الذي لفت إلى أن فساد المؤسسات الأمنية ضمن المسكوت عنه، لدرجة بات البعض يتصور أن هناك قدسية لهذا الفساد، لدرجة لا أحد يتحدث عنه، بسبب ردود الفعل الانتقامية التي تنفذها أو محتمل تنفيذها من قبل بعض الجهات.

المحلل السياسي، لفت إلى أن، الحادثة تكشف كيف أن الفاسدين في العراق يمتلكون أدوات التحكم بمفاصل الدولة على المستوى الأمني وعلى كثير من المستويات، مما أهّلهم لتجاوز الكثير من الخطوط الحمراء والعريضة لدرجة بات وجودهم بديلا لوجود الدولة، وهو الأمر الذي يجب أن يُقابل بحالة من الردع الجادة.

تداعيات هروب سعد كمبش

أما حول التداعيات التي يمكن أن تتركها حادثة هروب كمبش، لاسيما على مستوى الأداء الحكومي، بأنها تزعزع حالة الثقة بالمشهد الحكومي والمنظومة السياسية التي حققتها أو تحاول تحقيقها حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بالتالي يفترض أن يكون هناك رادع عاجل لمثل هكذا حالات من أجل تعزيز ثقة المواطن بعمل مؤسسات الدولة وإجراءاتها.

سعد كمبش أثناء استقباله عدد من المواطنين إبان ترؤسه الوقف السني/ إنترنت + وكالات

أثناء ذلك، وفي تفاعلات القضية، كان وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، قد وجه بإيقاف ضباط مركز الصالحية، وتشكيل لجنة تحقيقية للقبض على رئيس ديوان الوقف السني الاسبق سعد كمبش، وجاء في بيان رسمي أنه تم إيداع ضابط قسم شرطة الصالحية وضابط مركز شرطة كرادة مريم وضابط خفر المركز التوقيف.

من جهته، أكد المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء هشام الركابي، أن عملية هروب كمبش ستكون سببا للقيام بـ “ثورة كبيرة” على الاليات الفاسدة المعتمدة في احتجاز كبار الفاسدين، وجاء ذلك في تغريدة له على موقع “تويتر”، أضاف فيها أنه “سيتم اقتلاع الآليات الفاسدة التي حولت مراكز احتجاز كبار الفاسدين الى فنادق 5 نجوم”.

اقرأ/ي أيضا: الصراع في السودان.. حسابات الخسارة والنتائج الكارثية؟

ضمن السياق، وفي الوقت الذي تفيد معلومات عن أن اعتقال الشخصيات السياسية والتي تمتلك أموال كبيرة يتم في أماكن محددة، تتوفر فيها كافة وسائل الرفاهية والراحة، بما في ذلك أجهزة التلفاز والهواتف النقالة، وزيارة الأهل والأقرباء، كشفت لجنة “حقوق الإنسان” في “البرلمان” العراقي، في وقت سابق، تسلم الحكومة 5 آلاف شكوى عن حالات تعذيب وانتهاكات داخل السجون العراقية، مؤكدة أن عدد الشكاوى إلى زيادة، وسط دعوات لمعالجة الملف.

من جانبه، أصدر الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء قوات خاصة يحيى رسول، اليوم الأربعاء، توضيحا بشأن هروب المتهم سعد كمبش، وقال في بيان تلقاه موقع “الحل نت”، إنه بتاريخ الـ21 من آذار/مارس الماضي، تم إلقاء القبض على المتهم سعد حميد كمبش رئيس ديوان الوقف السني السابق من قبل الفريق الساند على ذمة الهيئة العليا للنزاهة.

رسول أضاف، أنه بتاريخ الـ 11 من نيسان/أبريل الحالي، أصدرت محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية حكمها بالحبس الشديد لمدة أربع سنوات على هذا المجرم وفق المادة “331 ق.ع” والموقوف في مركز شرطة كرادة مريم، مبينا أنه بتاريخ الـ 18 من نيسان الحالي، وبعد زيارة النائب أسماء حميد كمبش إلى مركز الشرطة وقت الإفطار ومغادرتها له وعند الساعة 2230 هرب المحكوم بمساعدة ثلاثة أشخاص من خلف المركز والوصول إلى عجلتين كانتا بانتظاره لتأمين هروبه إلى جهة مجهولة.

وأكد، أن ” الأجهزة المختصة باشرت بالتحقيق ووضعت يدها على الوثائق والأدلة وباشرت بكشفها وإلقاء القبض على كل من له علاقة بالهروب والأطراف التي سهّلت ذلك، مشيرا إلى، أن قاضي التحقيق أصدر أمرا بتوقيف ضباط ومنتسبي المركز المسؤولينَ عن حماية الموقف.

انتهاكات السجون العراقية

في حين كان “المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب” قد كشف في تقرير له، نهاية العام الماضي، وفاة نحو 50 معتقلا نتيجة “عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة لحكومة بغداد”، مبينا أنه ما بين كانون الثاني/يناير الماضي، وآب/أغسطس الماضي، توفي 49 معتقلا.

39 من المعتقلين المتوفين كانوا في “سجن الناصرية المركزي”، وثمانية في “سجن التاجي” شمالي بغداد، بالإضافة إلى توثيق حالة انتحار في مراكز شرطة إجرام الموصل في محافظة نينوى شمالي البلاد، ووفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الإجرام في العاصمة بغداد.

كذلك، كشف المركز عن احتجاز السلطات الحكومية عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير إنسانية، بوضعهم في زنازين مكتظة وغير مهيأة صحيا لسنوات عدة بدوافع انتقامية وطائفية، موضحا أن، الظروف الصحية معدومة في معتقلاتهم، وأنها ذات درجة حرارة ورطوبة عاليتين، ما يؤثر على صحتهم بشكل مباشر.

يشار إلى أنه، لا توجد إحصائية رسمية عن عدد السجناء في العراق، لكن أرقاما متضاربة تؤكد أنها تقارب المائة ألف سجين، يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب و”الحشد الشعبي”، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين.

هذا، وتعاني السجون العراقية من إهمال كبير، وغياب للدور الرقابي من قبل الجهات الحكومية والجهات المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري الحديث فيه عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون، الأمر الذي يؤكد تدهور الجانب الإنساني في العراق، وخضوعه لمعايير سياسية، تحدد الذين يجب أن يعاقبوا والذين يجب أن يخرجوا أمام أنظار الجميع ومن أكثر مراكز الاحتجاز والسجون تشديد، حتى وأن كانوا فاسدين أو مجرمين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات