بينما يستعد العراق لإجراء انتخابات مجالس المحافظات مع نهاية العام الحالي، وفي ظل حالة التجاذب السياسية التي تطغى على المشهد العراقي، قدّم رئيس المفوضية العليا للانتخابات القاضي جليل عدنان خلف، استقالته من منصبه إلى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وجاء ذلك في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن مساعي لقوى سياسية بعينها لإعادة رسم خارطة المفوضية والسيطرة عليها.

استقالة خلف جاءت بحسب المعلومات المتداولة عن مصادر سياسية عراقية، في خطوة استباقية، لمحاولات إقالته من منصبه، عقب تلويح قوى سياسية فاعلة بذلك، والحديث عن إعادة تشكيل مجلس المفوضية قبيل انتخابات مجالس المحافظات المقررة في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

اضطرار القاضي خلف الذي تم تعيينه رئيسا لـ “مجلس المفوضين” في عام 2020 على الاستقالة، يأتي بعد فترة قصيرة من نجاح تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم جميع القوى الشيعية الموالية لإيران، باستثناء “التيار الصدري”، بتمرير تعديلات أثارت الجدل في قانون الانتخابات، حيث تمكن من إعادة العمل بقانون “سانت ليغو” الذي أُلغي العمل به، واستبدل بقانون 2020، بضغط من الحراك الاحتجاجي الذي اجتاح البلاد في أواخر العام 2019.

“الإطار التنسيقي” ومساعي السيطرة على مفوضية الانتخابات

يبدو أن تحالف “الإطار” يرمي إلى إدخال تعديلات على المفوضية الانتخابية، وإعادة ترتيب “مجلس المفوضين”، بناء على الطريقة التي كانت معتمدة في السابق، وهي حسب آلية المحاصصة، بحسب مصادر من داخل المفوضية المستقلة للانتخابات، وهو ما دفع القاضي خلف الذي يحظى بتقديرٍ محلي ودولي، وتصدى للضغوط السياسية في الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في تشرين الأول/أكتوبر 2021، إلى تقديم استقالته.

اقرأ/ي أيضا: أردوغان يواجه الانتخابات بالأحزاب الصغيرة.. دليل على تراجع شعبيته؟

بعد الانتخابات السابقة، عقب الخسارة الفادحة التي تكبّدتها القوى السياسية المنضوية في تحالف “الإطار التنسيقي”، مقابل الفوز الساحق الذي حققه غريمه من البيت الشيعي “التيار الصدري” متصدرا نتائج الانتخابات أولا، سرعان ما وجهت تلك القوى أصابع الاتهام إلى المفوضية في التلاعب بنتائج الانتخابات، بعد تحميل قانون الانتخابات جزء من تلك الخسارة، ولذلك وضع “الإطار” ضمن أولوياته في تولي السلطة؛ تعديل قانون الانتخابات ومن ثم إعادة النظر في المفوضية الانتخابية، بحسب مراقبين.

بالتالي، فإن انتخابات مجالس المحافظات تشكّل أهمية كبيرة تناهز أهمية الانتخابات التشريعية، بالنسبة للقوى السياسية، ذلك لأن هذه المجالس هي التي تتولى اختيار المحافظ ونائبيه وإعداد موازنة المحافظة في ضوء ما تخصصه الحكومة المركزية لها من اعتمادات مالية، ولتلك المجالس الحق في إقالة المحافظينَ ورؤساء الدوائر، ويجري اختيار تلك المجالس بناء على حجم التركيبة السكانية لكل محافظة.

لذلك تحرص قوى “الإطار” في هذا التوقيت على إجراء تعديلات بالمفوضية العليا للانتخابات، لضمان السيطرة على هذه المجالس، لاسيما بعد نجاحها في تمرير تعديلات قانون الانتخابات، وهو ما يجعل الساحة مهيأة لها في إعادة ثقلها النيابي والسياسي الذي فقدته في الانتخابات السابقة.

في تفاصيل الاستقالة، قال الأمين العام لـ “مجلس المفوضين” علي فيصل دحام، في بيان اطلع عليه موقع “الحل نت”، إن رئيس “مجلس المفوضين” استقال من رئاسة المجلس وأنهى عمله في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، مشيرا إلى أن ظروفا حالت بين رئيس “مجلس المفوضين” وبين إتمامه لعمله في المفوضية.

استقالة في “مصلحة العراق”

الأمين العام دحام، أشاد بشجاعة ومهنية ونزاهة وحيادية واستقلالية رئيس “مجلس المفوضين”، القاضي خلف، لافتا إلى أن رئيس المجلس المستقيل وضع بقراره مصلحة العراق أولا، والشعب ثانيا، والمؤسسة ثالثا، متمنيا له النجاح في عمله الجديد في “مجلس القضاء الأعلى”.

اجتماع تحالف الإطار التنسيقي/ إنترنت + وكالات

وسط ذلك، وللوقوف على دلالة استقالة رئيس “مجلس المفوضين”، تواصل موقع “الحل نت”، مع رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري، الذي قال إن استقالة رئيس “مجلس المفوضين”، يمثّل استشعارا لطبيعة التوجهات القادمة بالنسبة إلى الائتلاف الحاكم والمهيمن على “البرلمان” والحكومة، والمتمثل بائتلاف “إدارة الدولة”، مبيّنا أن تحالف “الإطار” قد عقد عزمه على مسألتين أساسيتين فيما يرتبط بقضية الانتخابات؛ الأولى القانون الانتخابي وقد تم تغيره، وثانيا تغير مفوضية الانتخابات.

اقرأ/ي أيضا: بعد حلّ “مجلس الأمة” للمرة الثالثة.. هل يفقد الكويتيون الثقة بالنظام؟

إذ إن “الإطار” قد صرّح بذلك، بل واتخذ مواقفا من أن المفوضية الانتخابية الحالية، كانت سببا في هزيمتهم بشكل كبير جدا، وتراجعت حظوظهم، بحسب الشمري، الذي أشار أيضا إلى أن أطراف التحالف قد اتهمت المفوضية بالعمل على تزوير الانتخابات، وبما أن هذه المفوضية قد تم اختيارها بإشراف أممي وبوجود قضاة ضمن مجلسها، يبدو أن “الإطار” غير راغب بوجود هذه الجهات المستقلة، لأنه بالنهاية لا يوجد من يمثّلهم داخل هذه المؤسسة.

أما حول إصرار السيطرة على المفوضية الانتخابية، أوضح رئيس مركز “التفكير السياسي”، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن المفوضية تمثل البوابة للمستقبل السياسي من حيث التمثيل الشرعي، ولذلك يسعى “الإطار” للسيطرة عليها، لأنها من تحدد طبيعة وجودهم على مستوى عملية سياسية جديدة، كما أنها تمثل روح وعصب وقلب الانتخابات، فلا يمكن إجراء انتخابات من دونها، بالتالي أن محاولات السيطرة عليها هو لفقدان الثقة من قبل “الإطار” وحتى بقية الأحزاب بالعمل المؤسساتي.

بناء على ذلك، لفت الشمري، إلى أنهم يحاولون إحكام قبضتهم على المفوضية من خلال المحاصصة لغرض تأمين مستقبلهم السياسي وصياغة تعليمات بما يتوافق مع توجهات الناخب، وأيضا فيما يرتبط بتحديد وتعين المراكز الانتخابية وحدود المناطق وبما يرتبط بتخفيف حدة الإجراءات التي يمكن أن تتخذها المفوضية تجاه الأخطاء أو القيام بتزوير معين بمكان معين، ولذلك يمثّل هذا الاندفاع للسيطرة على المفوضية محاولة لضبط عملياتها الانتخابية بشكل تام.

السيطرة على القرار السياسي بالعراق

إن عودة سيطرة “الإطار التنسيقي” أو ائتلاف “إدارة الدولة”، على المفوضية من خلال تعيين أشخاص قد يبدون مستقلين لكنهم في النهاية تابعين، وفقا للمشتري، يعني انتهاء صفة الاستقلالية من هذه المفوضية كما سيكون هناك طعن بهذه الصفة، مشددا على أن ذلك سيغير موازين كثيرة من القوى، حيث سيكون بإمكانهم التحكم بنتائج الانتخابات، وبالتالي تكون الأحزاب هي المسؤولة عن صعود حزب ما وهزيمة أحزاب أخرى، وصعود شخصية معينة مقابل شخصيات أخرى، ويمثّل ذلك بنتيجته النهائية سيطرة على القرار السياسي.

يشار إلى أن ائتلاف “إدارة الدولة” هو تحالف سياسي تشكل في أيلول/سبتمبر الماضي من “الإطار التنسيقي” (القوى الشيعية غير التيار الصدري)، وجميع القوى السّنية المتمثلة في تحالفي “العزم” و”السيادة”، إضافة إلى الحزبين الكرديين “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”الديمقراطي الكردستاني”، وحركة “بابليون” عن المسيحيين.

إلى ذلك، يتكون “مجلس المفوضين” في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من تسعة أعضاء وهم، خمسة من قضاة الصنف الأول يختارهم؛ مجلس القضاء الأعلى” من مجموع المرشحين، واثنان من قضاة الصنف الأول يتم اختيارهما أيضا من قبل “مجلس القضاء الأعلى” من بين مرشحين يرسلهم “مجلس القضاء” في إقليم كردستان، واثنان آخران من أعضاء “مجلس الدولة” من المستشارين يتم ترشيحهم من قبل “مجلس الدولة” واختيارهما من قبل “مجلس القضاء الأعلى”.

“القضاء الأعلى” يقوم باختيار أعضاء “مجلس المفوضين” بالقرعة المباشرة، بحضور منظمة “الأمم المتحدة” ومن يرغب من وسائل الإعلام والمنظمات والنقابات، وتكون ولاية أعضاء “مجلس المفوضين” لمدة أربع سنوات غير قابلة للتمديد، بدءا من تاريخ إصدار المرسوم الجمهوري، ويُعد رئيس “مجلس المفوضين” هو الممثل القانوني للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهو يتولى إدارة أعمال المجلس التنظيمية والإدارية، والدعوة إلى عقد اجتماعات المجلس وترؤسها.

 بالتالي، إن عودة المفوضية إلى التركيبة القديمة، يعني أنها ستعود إلى فقدان الشرعية من قِبل الشعب العراقي، بخاصة وأنه طيلة الانتخابات السابقة التي شهدها البلاد باستثناء الانتخابات الأخيرة كثيرا ما اتُهمت المفوضية بخضوعها للتأثيرات السياسية وضلوعها في تغيير نتائج الانتخابات لصالح الجهات ذاتها التي تنضوي اليوم في تحالف “الإطار”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات