بينما تتحضر الأمم المتحدة لعقد مؤتمرها القادم المعني بالتغيرات المناخية والاحتباس الحراري تحت عنوان “كوب 28” في الإمارات العربية المتحدة، تشير الدراسات التي تخرج بشكل دوري إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي من أكثر المناطق تضررا من التغيرات المناخية، وتحتاج لإجراءات عاجلة.

التهديدات المضاعفة على المنطقة، وصلت إلى حد التحذيرات بوقوع آلاف الوفيات خلال السنوات القادمة بسبب استمرار ارتفاع درجات الحرارة، هذا فضلا عن موجات الجفاف التي بدأت تضرب مواقع عدة في المنطقة لا سيما في دول شمال إفريقيا، والتي تسببت بموجات هجرة مرتبطة بالمناخ في بعض المناطق.

حتى الآن لم تُفلح مؤتمرات الأمم المتحدة المرتبطة بمكافحة تأثيرات التغير المناخية، في أن تخرج بآليات واضحة من شأنها ضمان خطوات فعلية ومساعدات حقيقية للدول التي ترزح تحت رحمة الاحتباس الحراري لا سيما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ إن جميع المساعدات التي تم الإعلان عنها تعتبر غير ملزمة للدول المتقدمة، رغم أن هذه الدول هي المسؤولة الأولى عن معظم الانبعاثات على الكوكب.

آلاف الوفيات

آخر الدراسات المرتبطة بآثار التغير المناخي نشرتها مجلة “ذا لانسيت بلانيتاري” العلمية، وقد لفتت إلى أن الحد من الاحترار المناخي إلى أقل من درجتين مئويتين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قد يمنع حدوث آلاف الوفيات المرتبطة بالتغيرات المناخية.

الدراسة التي نقلها موقع “إندبندنت عربية”، أشارت إلى أن تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة من شأنه أن يمنع 80 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالطقس الحار، مقارنة بسيناريو لا يحصل فيه خفض الانبعاثات، وهو السيناريو الذي قد يعني وفاة 123 شخص من بين كل مئة ألف موجودين في المنطقة  بسبب ارتفاع درجات الحرارة سنويا خلال القرن الجاري.

دول الشرق الأوسط سيتوجب عليها اتخاذ إجراءات سريعة للحد من تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة خلال السنوات القادمة، إذ تشير الدراسات المعنية إلى ضرورة تطوير دول المنطقة وسائل أخرى، غير تكييف الهواء، لحماية مواطنيها من مخاطر الارتفاع الشديد للحرارة، فضلا عن فرض تدابير للصحة العامة وخطط وطنية للحماية من الحر الشديد.

اقرأ/ي أيضا: بعد حادثتي بغداد والأنبار.. أسباب وأرقام صادمة وراء انهيار المباني المتكرر في العراق؟

الخبير البيئي ورئيس “جمعية التنمية للإنسان والبيئة الأردنية” الدكتور أحمد محمود الشريدة، أوضح أن دول الشرق الأوسط لا تملك مقومات مكافحة التغيرات المناخية، خاصة وأنها ليست المسؤولة الأولى عن انبعاثات الكربون في كوكب الأرض، لكنه أكد كذلك أنه يمكن وضع خطط من شأنها التخفيف من آثار هذا التغير أو التعايش معه عبر وضع خطة مشتركة بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

من المسبب؟

الشريدة قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “كل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ليست المسببة للاحتباس الحراري، المسبب الرئيسي هي الدول الصناعية وخاصة الدول العشرة في العالم، ونلاحظ للأسف أن جميع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالمناخ، تضغط على الدول النامية لخفض الانبعاثات، بالمقابل تبى الدول الصناعية تضغط على البيئة من كمية الانبعاثات التي تطلقها”.

الشريدة اعتبر أن المؤتمرات الدولية المعنية بالتغيرات المناخية، تحولت إلى طريقة للاستعراض أكثر من كونها وسيلة لإقرار آليات ناجعة من شأنها حماية البيئة والحد من تأثيرات التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، إذ إن معظم ما يتم الحديث عنه في المؤتمرات لا يتم تنفيذه على أرض الواقع.

حول ذلك أضاف، “للأسف لا شيء يطبّق من قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة تأثيرات التغير المناخي بحجة حماية اقتصادات الدول، إذ إن أبرز الإجراءات تتعلق بتخفيف المصانع للانبعاثات الكربونية التي تطلقها، هناك حالة من التماطل في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، هذا فضلا عن أن المساعدات التي يتم إقرارها للدول النامية غير ملزمة”.

أما عن الإجراءات الممكنة في الشرق الأوسط للتخفيف من حدة التأثيرات، فإن الشريدة رأى أن الإجراءات منقسمة إلى طريقين، “إما التخفيف من آثار هذه التغيرات أو التعايش معها، ولتحقيق هذا الأمر وجب الرجوع إلى الممارسات التقليدية، التي كان الأجداد يمارسونها خلال مراحل التغيرات، أما الوصفات الجاهزة التي تأتي من الغرب فهي غير مفيدة بسبب عدم معرفة الخلفية التاريخية والتراث بالاقتصاد الزراعي والحضاري للمجتمع الشرقي”.

دول العالم الثالث لا تمتلك الأدوات الكافية لوقف الانبعاثات، فهي تتلقى التعليمات وتحاول أن تنفذ، وعن ذلك أردف الشريدة قائلا، “هذه الدول ليس عندها أجندة وطنية نابعة من الاحتياجات الحقيقية لمجتمعاتها بحيث تقدم على خطة عمل وخارطة طريق للخروج من هذا النفق، التغير المناخي لا يعترف بالحدود السياسية، فيجب على المجموعة العربية وضع خطة متكاملة واستراتيجية لمواجهة التغير تراعي الخصائص المحلية للمنطقة العربية من ناحية سياسية وجغرافية وبيئية وتنموية”.

هل من حلول؟

كنتيجة لاستمرار التغيرات المناخية وتأثيرها على المنطقة، فقد حذر برنامج تابع لمنظمة إقليمية في شرق إفريقيا، من أن الجفاف الحادّ الذي يعاني منه القرن الإفريقي مرشح للتفاقم هذا العام، ما يهدّد المنطقة بمجاعة أقسى من تلك التي تسبّبت بمئات آلاف الوفيات قبل عقد من الزمن، كما أن تقريرا لمركز “التوقعات والتطبيقات المناخية”، أشار إلى أن توقعات سقوط الأمطار خلال الأشهر القليلة المقبِلة ستسجّل انخفاضا في كمية الأمطار، وبالتأكيد هذا الأمر سيؤدي إلى ضغط إضافي على الأراضي المزروعة.

كارثة إنسانية، هي التي حذرت منها المنظمات التي تُعنى بالتغيرات المناخية، وقد بدأت آثار الجفاف تظهر منذ سنوات على دول القرن، لكنها تضاعفت مؤخرا في بعض أجزاء إثيوبيا وكينيا والصومال وأوغندا التي تضرّرت مؤخرا بشدّة من الجفاف، وسط غياب الخطط الاستراتيجية التي توجه الأهالي للتصرف مع هذه الأزمات.

استمرار الأزمات يهدد كذلك بتفاقم ظاهرة الهجرة المناخية، ليس فقط في مناطق جنوب إفريقيا، فخلال العقود القادمة وتحديدا بحلول عام 2050 هناك تقديرات تشير إلى أن عدد السكان المرشحين للهجرة والترحال داخل حدود أوطانهم بسبب التغيرات المناخية قد يصل إلى حوالي 216 مليون نسمة بحلول عام 2050، منهم حوالي 19 مليون نسمة من منطقة شمال إفريقيا، وفق تقرير لـ “البنك الدولي”.

في المغرب، تحدث تقرير لموقع “سكاي نيوز عربية”، عن معاناة الفلاحين، من الجفاف الذي يضرب البلاد جراء التّغير المناخي والاحتباس الحراري ما يعرض محصولهم لخطر التلف، في وقت تسعى سلطات إقليم الحوز، وسط المملكة، إلى اتخاذ خطوات عملية تساهم في إنقاذ الوضع.

المغرب يعاني منذ أربع سنوات من جفافٍ في الأنهار والوديان بسبب اعتماده على الأمطار، التي انخفضت معدلات هطولها خلال ذات الفترة، ما أثّر بشكل كبير على مواسم الزراعة، وخلال شهري تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر من العام 2022، شهدت البلاد هطول أمطار ساهمت في إنعاش الموسم، إلا أن الاعتماد على الأمطار دون أي خطوات رسمية وعملية لا يمكنه إنقاذ المحصول.

لا يبدو أن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حتى الآن تملك من الرؤى لمواجهة أو تخفيف آثار التغير المناخي، ما يعني أن هذه البلاد قد تواجه أزمات تاريخية خلال العقود القادمة، في وقت تشير بعض الدراسات إلى أن بعض المواقع في المنطقة، قد تتحول إلى مناطق غير صالحة للعيش قبل نهاية القرن الجاري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات