في خضم الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في سوريا، لا تزال الأسعار ترتفع بشكل مستمر بنسب متفاوتة، وتبريرات الحكومة دائما إما تأتي في سياق تدهور الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي أو أنها أزمات ومشاكل اقتصادية عالمية عامة، لا تقتصر على دمشق فقط.

أسعار السلع الغذائية تحلق عاليا في أسواق دمشق، وهذا الغلاء بدأ منذ الأيام الأولى من شهر رمضان الفائت، وإذا كان هناك انخفاض ملموس اليوم فهو طفيف لبعض الأصناف وليس كلها. اللافت في هذا الأمر أن مسؤولا حكوميا صرح بأنه طالما دخل المواطن منخفض فإن أسعار كل شيء سيكون مرتفعا، ذلك لأن مقارنة تسعيرة أي سلعة مع الرواتب والأجور تُعد مرتفعة، وبالتالي فإن المعضلة الحقيقة تكمن في مستوى المداخيل وليس الأسعار.

أسباب ارتفاع الأسعار

نحو ذلك، وعن أسباب الغلاء بشكل عام وتحديدا ارتفاع أسعار الخضار، يقول رئيس “اتحاد غرف الزراعة”، محمد كشتو، إنه طالما راتب ودخل المواطن منخفض ستبقى الأسعار ولا سيما الخضار والفواكه مرتفعة حين مقارنتها بدخله، معتبرا أن الدخل المنخفض سينعكس على أسعار كل شيء حتى إن كانت الأسعار عادية ومتناسبة مع التكاليف، حسبما أوردته صحيفة “تشرين” المحلية، يوم أمس الأربعاء.

كذلك، أكد كشتو أن ذروة إنتاج الخضار لم تبدأ وتحتاج إلى فترة، مبيّنا أن كلف الإنتاج هي التي تحدد سعر الخضار، لذلك لا يمكن القول إن هذا المنتَج مرتفع الثمن وآخر منخفض، لأن التكلفة هي من تحدد سعر هذا الصنف وذاك من الخضار.

هذا ولم يخفِ كشتو أن أصحاب الدخل المحدود ينظرون إلى أسعار جميع الأصناف بأنها مرتفعة الثمن مقارنة بالدخل الذي يتقاضونه، لافتا إلى أن التصدير لا يؤثر دائما في أسعار الخضار أو حتى أي سلعة أخرى، فهناك أصناف من الخضار مرتفعة التكاليف كالفاصولياء على سبيل المثال ولاسيما أن موسمها لم يبدأ بعد.

لذلك لا يمكن أن يكون التصدير سببا رئيسا في ارتفاع أسعار بعض الخضار، ليعيد تأكيده مرة أخرى بأن انخفاض مستوى الدخل يجعل المواطن يرى كل شيء غالي ومرتفع الثمن، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن التغاضي عن مسألة التكاليف فهي عبء ثقيل أيضا على المنتج.

يتفق والرأي ذاته، فقد اعترف عضو مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق” ياسر أكريم، مؤخرا، أن أسعار معظم المواد ارتفعت خلال شهر رمضان الفائت بنسبة تجاوزت 100 بالمئة مقارنة بأسعارها خلال شهر رمضان من العام الماضي، مشيرا إلى أن العامل الرئيسي في ارتفاعها هو سعر الصرف الذي شهد العديد من حالات الارتفاع خلال العام الماضي، إضافة إلى عدم تناسب الأسعار مع مداخيل ورواتب المواطنين وثمة فجوة كبيرة بينها وبين دخله. وهذا الرأي يتفق معه معظم الخبراء والمحللين والأهالي في عموم المحافظات السورية.

لكن المسؤول الحكومي أشار إلى مشاكل وتعقيدات “المنصة” التي بدورها أيضا تؤثر على الأسعار، وبالتالي يجب العمل على إلغائها بشكل كامل وسريع، حسب وجهة نظره، وفق تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية.

من جانبهم، يرى الخبراء أن هذا الأمر نتيجة طبيعية لعدم فتح الحكومة باب الاستيراد لمن يرغب وخصوصا المواد الأساسية والضرورية، ونسبة كبيرة من المواد المتوفرة في السوق أغلى من دول الجوار، بالإضافة إلى ضعف الإنتاج المحلي الذي لا يغطي حاجة السوق، ومن ثم اللجوء إلى الاستيراد، وهذا ما يتسبب برفع تسعيرة المنتج، فضلا عن أن تكاليف النقل المرتفعة جدا مقارنة بالدول المجاورة التي لا تعاني من أزمة محروقات مثل سوريا.

“أسعار كاوية”

حول أسعار الخضار الرائجة في السوق، فقد سجّل كيلو البندورة 2500 – 3000 ليرة سورية، في حين وصل سعر كيلو البطاطا إلى 2000 ليرة حسب الصنف، وقد يرتفع سعر الأصناف الجيدة إلى 3000 ليرة، والأغرب أن سعر باقة البقدونس والنعناع والكزبرة وصل إلى 1000 ليرة، والخس 2000 ليرة، والخيار 6500 – 7000 ليرة.

كما وارتفع سعر كيلو الكوسا ليصل إلى 5000 ليرة، والباذنجان 3500 – 4500 ليرة، بينما حلّق سعر كيلو الفليفلة الخضراء ليصل إلى 7000 – 8000 ليرة، والزهرة 1500 – 2000 ليرة، ووفقا لبعض الأسعار الرائجة لبعض الأصناف الأخرى فقد سجل سعر كيلو الليمون 3000 – 3500 ليرة، والملفوف 2000 ليرة، والفاصولياء الخضراء 10000 – 12000 ليرة، وورق العنب 7000 ليرة.

أما بالنسبة للفواكه، فقد سجّل سعر كيلو البطيخ الأخضر 25 ألف ليرة سورية في أسواق العاصمة السورية دمشق، فيما يُباع البطيخ الأصفر بسعر 30 ألف ليرة سورية، والأكيدينيا بسعر 17 ألف ليرة، ورغم هذه الأسعار إلا أن البائع وصف الطلب بـ “الجيد” خاصة في فترة العيد.

قد يهمك: مبررات جديدة.. لماذا الأسعار في سوريا أغلى مرتين مقارنة بالدول المجاورة؟

كما بقيت أسعار الحمضيات مستقرة على سعرها المرتفع، وسجّل سعر كيلو البوملي 3500 ليرة وكيلو أبو صرة 3500 ليرة. كما ارتفع سعر الحشائش أيضا، حيث سجّل كيلو الخس 3000 ليرة، وباقة البقدونس 500 ليرة، والنعناع 500 ليرة، والبصل الأخضر 1000 ليرة، والبقلة 1500 ليرة.

تجار سوق الهال توقعوا أن تنخفض أسعار الخُضر بعد العيد، خاصة الفول والبازلاء والبصل الفريك، كون الإنتاج يصل إلى طاقته القصوى في هذه الفترة من كل عام، والإنتاج جيد وهناك وفرة بالبضاعة المعروضة، وقلة طلب نتيجة تدني القدرة الشرائية، وعزوف العائلات عن التفريز بسبب الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي، وبعض العائلات خسرت مونتها في الأعوام الماضية، لكن الأسعار بقيت كما هي تقريبا وليس كما توقعوا.

لا شك أن هذه الأسعار لا تتلاءم مع القوة الشرائية للمواطنين في سوريا، ولهذا يمتنعون عن شراء جزء كبير من الخضار والفاكهة ولا يكتفون إلا بشراء الضروريات ومن المنتجات ذات الجودة المنخفضة والرخيصة وفي أوقات الذروة وليس في بداية المواسم عندما تكون الأسعار مرتفعة.

كيف يعيش المواطن؟

في المقابل، ونظرا لتدهور الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار، فإن نسبة اعتماد السوريين داخل البلاد على الحوالات المالية الخارجية كمصدر أساسي للرزق بات يزداد تباعا لذلك. وهذه الحوالات الخارجية القادمة من المغتربين لأُسرهم المتبقين داخل سوريا يُعتبر المصدر الأساسي للمواطن لتمرير يومهم ومعيشتهم.

وفق عدة دراسات فإن 70 بالمئة من السوريين يعتمدون على الحوالات الخارجية في معيشتهم وتدبير أمورهم اليومية، ومعظم هذه الحوالات تأتي من الدول الأوروبية وتركيا ودول الخليج، بجانب مصر والعراق.

منذ سنوات طويلة، ويطالب العديد من المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم أعضاء في “مجلس الشعب” السوري ومواطنون، الجهات الحكومية برفع مستوى الرواتب والأجور، بحيث تتناسب مع الواقع المعيشي. فمن غير المنطقي أن يكون راتب الموظف حوالي 25 دولارا شهريا، وأن يكون مستوى المعيشة أكثر من 700 دولار لأسرة واحدة.

مطلع العام الجاري 2023، ارتفع متوسط تكاليف المعيشة في سوريا إلى أكثر من 4.5 ملايين ليرة سورية لعائلة مكونة من خمسة أفراد، بعد أن كان في نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي أكثر من 3.5 ملايين ليرة سورية، في حين يبلغ متوسط دخل المواطن ما بين 165-250 ألف ليرة سورية، بحسب دراسة سابقة نشرتها جريدة “قاسيون” المحلية. بمعنى أن معدل تكلفة المعيشة في سوريا يزداد يوما بعد يوم، والعائلة التي كانت تدبّر أمرها بـ 200 دولار، فإنها اليوم تحتاج لأكثر من ذلك، نظرا لأن الأسعار ترتفع أضعافا، عندما تنخفض قيمة الليرة السورية أمام النقد الأجنبي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات