في السنوات الأخيرة أعلنت الحكومة السورية حالة الطوارئ بسبب النقص الخطير في المياه الذي أثّر على مختلف المحافظات. إلا أن أحدث الإجراءات التي اتخذتها الحكومة حظر زراعة الأراضي الزراعية التي تعتمد على الموارد المائية لشبكات الري الحكومية المقامة على السدود المخصصة لأغراض الري.

أدى استنزاف الموارد الطبيعية للبلاد، إلى جانب الإفراط في استخدام الموارد المائية وسوء استخدامها، فضلا عن الجفاف الذي يضرب البلاد منذ سنوات إلى أزمة مياه حادة أثرت على سُبل عيش ملايين الناس. الآن وفي محاولة لمعالجة المشكلة، فرضت الحكومة السورية حظرا على الزراعة في مناطق معينة تعتمد على السدود للري.

الموارد المائية والحظر الزراعي

توقيت هذا القرار لا يمكن أن يكون إلا أسوأ ما يواجه السوريون حاليا، حيث كشف مدير الموارد المائية في السويداء، محمود ملي، أمس الخميس، عن اتخاذ اللجنة الزراعية في المحافظة قرارا بعدم زراعة الأراضي التي تعتمد على شبكات الري الحكومية التي تم إقامتها على السدود المخصصة للري والبالغة مساحتها 263 هكتارا.

نقص المياه يهدّد الزراعة في سوريا - "فرانس برس"
نقص المياه يهدّد الزراعة في سوريا – “فرانس برس”

خلال حديثه لصحيفة “الوطن” المحلية، عزا ملي هذا القرار لعدم توافر الوارد المائي اللازم لبقاء سدّي سهوة الخضر وسهوة البلاطة بالحجم الميت من التخزين والذي لم تتجاوز نسب التخزين في كلا السدين 0.129 متر مكعب، علما أن الحجم الكلي للتخزين في كلا السّدين يصل إلى 9 ملايين و750 ألف متر مكعب.

الفلاحون المشتركون على الشبكات المقامة على هذه السدود وجميع الفعاليات المعنية بهذا القرار تم إبلاغهم بحسب تصريحات ملي، وذلك حرصا على عدم تكبدهم خسائر مادية ناتجة عن زراعة هذه الأراضي.

طبقا لحديث مدير الموارد المائية في السويداء فإن جميع سدود المحافظة يمكن اعتبارها بالحجم الميت للتخزين سواء المخصص منها لمياه الشرب والبالغ عددها 8 سدود أم المخصصة للري، والذي تعود أسبابه إلى قلة الأمطار الهاطلة والثلوج المتساقطة خلال فصل الشتاء الحالي.

طبقا للبيانات، فإن حجم تخزين السدود الـ 11 التجميعية من أصل 18 سدا على ساحة المحافظة لا يتجاوز 12.366 مليون متر مكعب حالياً منها 9.600 متر مكعب ضمن سد الزلف المخصص للري وغير المستثمر لتاريخه، علما أن إجمالي تخزين السدود الـ 11 التجميعية 40.500 مليون متر مكعب.

استمرار الأزمة في سوريا

تعليقا على القرار، يرى خبراء الزراعة أن الحظر المفروض على الزراعة قد يكون له تأثير قصير المدى على سبل عيش بعض المزارعين، إلا أنه خطوة ضرورية من أجل الحفاظ على موارد المياه المحدودة بالفعل في سوريا. أزمة المياه في البلاد هي قضية معقدة تتطلب حلا طويل الأمد ومستداما، وقرار الحكومة بحظر الزراعة في مناطق معينة هو خطوة صغيرة ولكنها مهمة في الاتجاه الصحيح.

في المقابل، يرى الفلاحون أن هذه الخطوة وفي ظل الوضع الاقتصادي المتردي، واعتماد المزارع على محصوله السنوي للعيش بقية أيام السنة، ستؤثر عليهم وعلى عائلاتهم بالمجمل، كون خطوة الحكومة غير مكتملة، بحيث توفر بديل آخر للفلاحين.

انخفاض مستوى نهر الفرات أدى إلى انتشار الجفاف في سوريا - موقع "الحرة"
انخفاض مستوى نهر الفرات أدى إلى انتشار الجفاف في سوريا – موقع “الحرة”

السلطات السورية بقرارها الجديد تطلق تحذيرا بأن البلاد تتجه نحو مزيد من الجوع والمجاعة المدمرين، بسبب قصور في حل مشكلات القطاعين الزراعي والصناعي. 

لعقود من الزمان، عُرفت سوريا في المقام الأول باسم “سلة الخبز” في الشرق الأوسط، حيث تنتج القمح والمحاصيل من جميع الأنواع. ومع ذلك، فإن الأضرار التي لحقت بنظم الري دون حلول، ونقص المياه وارتفاع الأسعار شكلت تحديا إضافيا للمواطنين للوصول إلى الغذاء الكافي.

ماذا حلّ بالمزارع السوري؟

ظروف الموسم الماضي، وما رافقه من جفاف وارتفاع في تكاليف الزراعة، وغياب المحروقات لتشغيل الآليات الزراعية، جعلت المزارعين يتخوفون من زراعة أراضيهم، على الرغم من الوعود الحكومية بشأن تأمين المستلزمات، إلا أن المزارعين لا يثقون حتى الآن بوعود حكومة دمشق.

الجفاف بسبب ندرة الأمطار شمال غربي سوريا - "غيتي"
الجفاف بسبب ندرة الأمطار شمال غربي سوريا – “غيتي”

بحسب المزارعين، فإن التجار يشترون منهم بأسعار زهيدة، ليتم طرحه بالأسواق بأسعار مرتفعة، ما أوقع المزارعين، في مطب الخسائر المالية، وخاصة أمام ارتفاع تكاليف الإنتاج التي باتت ترهقهم ماديا، مضيفين أن أجرة ساعة الفلاحة على “العزاقة“، وصلت إلى نحو 20 ألف ليرة سورية، وأجرة ساعة الفلاحة على الجرار الزراعي إلى 50 ألف ليرة، وأجرة ساعة التقليم إلى 4000 ليرة.

يضاف إلى ما ذُكر أسعار المبيدات الحشرية، التي أصبحت تحتاج ميزانية مالية سنوية تفوق المليوني ليرة، خاصة وسعر الكيلو الواحد من كبريت الذواب يبلغ في الصيدليات الزراعية 19000 ليرة، علما أن سعره خلال الموسم الماضي، كان لا يتجاوز الـ 9 آلاف ليرة.

بعد كل الانتكاسات والخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي والتي أثّرت بدورها على الثروة الحيوانية في سوريا، على مدى السنوات الماضية، يبدو أن تغير المناخ والجفاف ليسا السبب الوحيد لذلك، بل تقصير وتهميش المعنيين من السلطات في حكومة دمشق وقراراتها غير المدروسة في إدارة الأزمات.

كذلك ارتفاع أسعار المواد الأولية والأمور التشغيلية، كلها أسباب مضاعفة أدت إلى تهالك القطاع الزراعي الذي يشكل حوالي 30-25 بالمئة، من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى كونه من أهم ركائز الأمن الغذائي في سوريا.

من حيث الأرقام، يوجد في سوريا مليون هكتار من الأراضي الزراعية تعتمد على مياه الأمطار، و690 ألف هكتار مروية بمياه المشاريع الزراعية. لكن مع ذلك، لم يعُد سرّا أن هذا القطاع المهم يشهد تراجعا، والأمل في الوصول إلى حلول أفضل قد تلاشت لدى المزارعين بمرور الوقت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات