اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تركيا يثير الكثير من الاهتمام في جميع أنحاء العالم وليس محليا فقط، فمع وصول السباق الانتخابي إلى أضيق نقطة يتنظر العديد نتائجه بفارغ الصبر، إذ ستشكل الانتخابات اختبارا قويا ومصيريا لتوجه البلاد إما نحو البقاء في فلك نظام استبدادي أو نحو انتقال ديمقراطي.

قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية، يواجه 64 مليون ناخب تركي قرارا حاسما وهو الاختيار بين ممارسة سلطوية متزايدة للسلطة مقترنة بالتدين، وبين الوعد بانتقال ديمقراطي. الحزبان الرئيسيان المتنافسان على الرئاسة هما حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المحافظ وحزب “الشعب الجمهوري” العلماني.

بالنسبة للعديد داخل تركيا، هناك الكثير من الأمور على المحك، ولكن كيف هو وضع نظامية العمليات الانتخابية ووضع الديمقراطية في تركيا، وكيف تأثرت شعبية الرئيس رجب طيب أردوغان بالنكسات السياسية والاقتصادية الأخيرة، ولماذا تأخذ الانتخابات الرئاسية التركية طابع استفتاء حول تأييد أو معارضة أردوغان الذي يواجه للمرة الأولى معارضة موحدة بعد 20 عاما.

الرهانات على الجانبين

ليس كل ما تقوله استطلاعات الرأي هو دقيق على وجه التحديد، لكن في 14 أيار/مايو المقبل، من المتوقع أن تؤدي نتيجة الانتخابات إما إلى الحفاظ على الوضع الراهن أو تغيير السياسة التركية بشكل كبير. حيث يقع في مركز الاهتمام الحزب الحاكم حزب “العدالة والتنمية”، الذي قمع مرارا وتكرارا أحزاب المعارضة ووسائل الإعلام والمنتجين الثقافيين من خلال إجراءات قانونية تقييدية. 

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان - موقع "العربية"
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – موقع “العربية”

بحسب الوكالة الفرنسية للأنباء “فرانس برس”، فإن الانتخابات التركية ستأخذ طابع استفتاء حول حكم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يواجه للمرة الأولى معارضة موحدة بعد 20 عاما على توليه السلطة، ففي سن 69 عاما، عاد أردوغان الذي غاب لثلاثة أيام هذا الأسبوع بسبب إصابته بفيروس معوي، ليظهر السبت مبديا تصميما على البقاء خمس سنوات إضافية على رأس هذا البلد الذي يعد 85 مليون نسمة والذي قام بتغييره بالعمق.

الواضح في الوقت الراهن وفقا للوكالة الفرنسية، أن الرئيس التركي الذي يمني النفس بالفوز بولاية رئاسية جديدة ويتمسك بأنه الأوفر حظا وبأنه لا يزال يحظى بثقة الناخبين، رغم خوضه لسباق الرئاسة مثقلا برصيد من النكسات السياسية والاقتصادية وبتداعيات قاسية للأزمة الصحية الناجمة عن تفشي فيروس “كورونا”.

أيضا ما رافقه من إغلاقات في السنوات الماضية وبتبعات زلزال مدمر خلف أكثر من 50 ألف قتيل وملايين المشردين، وضع الحزب الحاكم في حرج شديد وهوى بشعبية الرئيس للحضيض، فيما انضافت إليها نكسة أخرى مع وعكة صحية مفاجئة أجبرت الرئيس على تعليق أنشطة حملته الانتخابية لثلاث أيام عاد بعدها للظهور شاحب الوجه وبدت عليه علامات التعب والإرهاق.

الاستطلاعات تتوقع انتخابات رئاسية حامية يؤكد الطرفان أنهما قادران على الفوز بها من الدورة الأولى، وإلا فسيتم تنظيم دورة ثانية في 28 أيار/مايو، حيث ينافس أردوغان ثلاثة مرشحين بينهم خصمه الرئيسي كمال كليتشدار أوغلو، مرشح تحالف من ستة أحزاب معارضة تشمل اليمين القومي وصولا إلى اليسار الديمقراطي ويهيمن عليه حزب “الشعب الجمهوري” الذي أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كال أتاتورك.

خياران لا ثالث لهما

من واضح وفقا لحديث الخبير السياسي التركي، محمد أمين أوغلو، لـ”الحل نت”، أن التوق إلى استعادة المؤسسات والقيم الديمقراطية على ديكتاتورية وقمع حزب “العدالة والتنمية” بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق في تركيا. ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان بإمكان تركيا التخلص من الميول الاستبدادية التي حكمت البلاد خلال العقد السابق ليس فقط من خلال هذه الانتخابات ولكن في المستقبل.

من انتخابات سابقة في تركيا - (أرشيفية)
من انتخابات سابقة في تركيا – (أرشيفية)

طبقا لحديث الخبير السياسي، فإن الناخبين الأتراك سيواجهون خيارا بين ممارسة سلطوية متزايدة للسلطة مصحوبة بالتدين، يمثلها الرئيس أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية”، أو الوعد بالانتقال الديمقراطي الذي طرحه مرشح “تحالف الأمة” المعارض.

شعبية الرئيس أردوغان بحسب أمين أوغلو تأثرت بعدد من الانتكاسات السياسية والاقتصادية، منها جائحة “كوفيد -19″، والزلزال الذي خلف آلاف القتلى، ومشكلة صحية حديثة أجبرته على تعليق أنشطته الانتخابية. حيث كانت آثار ذلك كبيرة على المناخ السياسي في تركيا، بما في ذلك تأجيل الانتخابات والقيود على التجمعات العامة.

الدين والعلمانية يلعبان دورا مهما في المناخ السياسي الحالي في تركيا، حيث يقدم حزب “العدالة والتنمية” نفسه على أنه حزب إسلامي محافظ ويدافع “تحالف الأمة” المعارض عن نهج أكثر علمانية.

لكن طبقا لما يراه أمين أوغلو، فقد تكون لنتائج الانتخابات المقبلة تداعيات كبيرة على مستقبل تركيا، إما مع استمرار حكم أردوغان الاستبدادي المتزايد أو احتمال التحول الديمقراطي.

أحزاب المعارضة بدورها تواجه تحديات كبيرة في محاولة الإطاحة بأردوغان وحزب “العدالة والتنمية”، بما في ذلك القيود على الإعلام وحرية التعبير، فضلا عن استخدام الحكومة لموارد الدولة لدعم حملاتهم. لكن الجميع وفقا لأمين أوغلو يعتمدون على المراقبين الدوليين في الانتخابات، مع وجود مخاوف بشأن قضايا مثل ترهيب الناخبين، والقيود المفروضة على وسائل الإعلام، وحياد العملية الانتخابية.

اختبار قوي للديمقراطية

يوم الخميس الفائت، بدأ 3.4 مليون ناخب تركي في الخارج التصويت، فيما سيدلي 5.2 مليون من شريحة الشباب بأصواتهم للمرة الأولى في هذه الانتخابات. هؤلاء لم يعرفوا سوى أردوغان ونزعته السلطوية منذ التظاهرات الكبرى التي جرت في 2013 والتي عرفت باسم “جيزي”، وخصوصا محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016.

القلق حيال نظامية العمليات الانتخابية ووضع الديمقراطية في تركيا برز من خلال تحذيرات مجلس أوروبا الذي سيرسل 350 مراقبا إلى البلاد.

من جهتها اتّخذت المعارضة التركية قرارا بالإجماع حول وضع مراقبين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حيث سيصل عدد المراقبين الذين ستضعهم المعارضة على صناديق الاقتراع إلى 500 ألف مراقب، سيتوزّعون على 50 ألف مركز اقتراع يضم 192 ألف صندوق اقتراع في عموم البلاد.

على الرغم من أن كلا التحالفين قد نقل رسائل ووعود للجمهور، إلا أن الصورة لا تزال غير واضحة فيما يتعلق بالاتجاه الذي ستتخذه البلاد بعد الانتخابات. لا توجد قضية واحدة في تركيا تلقي بظلالها على سياساتها مثل التوتر بين الديمقراطية والسلطوية، ولا يوجد حدث واحد يلخصها بشكل أفضل من الانتخابات المتنازع عليها هذا العام.

لذلك يعتقد الخبير السياسي أمين أوغلو، أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة هي لحظة للمواطنين لتحديد الاتجاه الذي ستتحرك فيه الدولة تجاه مشاكل الاقتصاد والإدارة وحقوق الإنسان. وبالتالي، فإن التصويت هو واجب وحق لكل مواطن في دولة ديمقراطية.

المرشح للرئاسة التركية كمال كيليتشدار أوغلو - إنترنت
المرشح للرئاسة التركية كمال كيليتشدار أوغلو – إنترنت

تكتل تحالف “الطاولة السداسية” يخشى من تلاعب مزعوم في البيانات الانتخابية ومن مشاكل فنية محتملة؛ خاصة أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى تقدّم مرشّح المعارضة كيليتشدار أوغلو على خصمه الرئيس الحالي أردوغان.

في السباق الرئاسي يشارك إلى جانب كلٍ من كيليتشدار أوغلو وأردوغان، سنان أوغان مرشّح تحالف “الأجداد” ومحرّم إينجه المرشّح الرئاسي السابق الذي استقال من حزب “الشعب الجمهوري” في عام 2021.

الجو في تركيا في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية مليء بالتوتر، خاصة مع مزاعم التلاعب بالبيانات واحتمال حدوث مشاكل فنية أثناء فرز صناديق الاقتراع. لكن، يبقى أن نرى ما ستكون عليه نتائج الانتخابات، لضمان توفير إرادة الشعب بين العيش مع سلطوية متزايدة أو تحول ديمقراطي موعود.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات