بالتزامن مع الجهود العربية التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لتجديد هدنة وقف إطلاق النار مع “الحوثيين” في اليمن، استأنف المبعوثان الأميركي والأممي إلى اليمن تيم ليندركينغ وهانس غروندبرغ، أمس الاثنين، تحرّكاتهما وسط حديث عن “اتفاق جديد” يمهّد لتسوية سياسية يمكن التوصل من خلالها إلى اتفاق شامل لوقف الحرب.

حيث قالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إن ليندركينغ سافر الاثنين إلى الخليج لدفع الجهود الجارية لتأمين اتفاق جديد وإطلاق عملية سلام شاملة في اليمن، مبيّنة أن المبعوث الأميركي سيلتقي أثناء وجوده في سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية مع شركاء يمنيين وعمانيين وسعوديين ودوليين لمناقشة جهودهم المنسّقة لمواصلة المحادثات الجارية.

بيان الخارجية الأميركية، أكد أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل عن كثب مع “الأمم المتحدة” والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، وشركاء آخرين للبناء على الهدنة التي قدّمت أطول فترة هدوء منذ بدء الحرب، لدعم عملية سياسية شاملة بقيادة يمنية تسمح لليمنيين بتشكيل مستقبل أكثر إشراقا لبلادهم.

مسار التحركات الأميركية تجاه اليمن

التحركات الأميركية هذه، جاءت وسط مساع دولية وأممية متكررة لوقف إطلاق النار في اليمن الذي يشهد حربا منذ نحو تسع سنوات خلّفت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، على الرغم من أنه حتى الآن لم يتضح ما المقصود بإشارة الخارجية الأميركية إلى التوصل إلى “اتفاق جديد”، إذا ما كان يعني استكمال ما بدأته الجهود العربية التي تجلت بزيارة وفد سعودي برفقة عماني الشهر الماضي إلى صنعاء ولقاء “الحوثيين”، أو الحديث عن خطة جديدة.

وسط ذلك، بحث المبعوث الأممي إلى اليمن مع رئيس “المجلس السياسي الأعلى” لجماعة “الحوثي” المدعومة من إيران، مهدي المشاط، الاثنين الماضي، مستجدات جهود إحلال السلام في البلاد، وجاء ذلك خلال لقاء جمع الطرفين في العاصمة اليمنية صنعاء، بحسب ما نقلته وسائل إعلام تابعة لـ “الحوثيين”.

اقرأ/ي أيضا: الإضراب العام بلبنان.. مسار الدولة نحو ارتفاع التضخم؟

الطرفان ناقشا المستجدات الأخيرة المتعلقة بإحلال السلام ووقف العدوان ورفع الحصار عن اليمن، حسبما أفادت به وكالة “سبأ” اليمنية، بنسختها “الحوثية”، ناقلة عن المشاط قوله، إنهم جاهزون للسلام مثل جاهزيتهم للحرب، في حين أنهم في موقف الدفاع المشروع عن بلادهم وحريتهم واستقلالهم، على حد تعبيره.

المشاط وبحسب الوكالة، قد اتّهم الولايات المتحدة وبريطانيا بوضع العراقيل أمام كل محاولات إحلال السلام في اليمن، وذلك في الوقت الذي قال فيه مسؤولٌ “حوثي” آخر، أنه “كلما حدث أي تقارب بين اليمن والسعودية والتوصل إلى تفاهمات، تسارع أميركا إلى إرسال مبعوثها المشؤوم، بإشارة إلى المبعوث الأميركي تيم ليندركينغ إلى المنطقة لإفشال كل الجهود”.

ذلك يأتي بينما تنتعش آمال اليمنيين في إنهاء الحرب منذ أن وقَعت السعودية وإيران في العاشر من آذار/مارس الماضي اتفاقا لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية، مما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات بين دولتين تتصارعان على النفوذ في المنطقة عبر وكلاء في دول بينها اليمن ولبنان.

بالتالي عن جهود السلام هذه وفرص نجاحها، ودلالة توقيتها، أوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بغداد، علاء مصطفى، بداية أن السعودية جادة في موضوع صناعة السلام الدائم مع اليمن، بل أنها حتى في صفقة السلام التي أبرمتها مع إيران كانت عيونها ترنو نحو اليمن، مبيّنا أن ما تعرضت له السعودية بسبب اليمن، قد أرغمها على تقديم الكثير من التنازلات، لاسيما وأنها تشعر حاليا بأن قصة اليمن ليست بنزهة، وإنما جحيم أحرق الاقتصاد السعودي.

بناء على ذلك، ومجموعة تحركات من قبل السعودية، باتت الولايات المتحدة الأميركية تنظر اليوم إلى “الحوثيين” بنظرة مختلفة عن النظرة السابقة، لأن الثقة الأميركية بالسعودية قد تزعزعت بعض الشيء، ولم تعد كما في السابق، خصوصا مع اقتراب الرياض من روسيا والصين وذهابها باتجاه عقد صفقات مع بكين، وهو الأمر الذي يدفع بأميركا إلى خلق توازن في علاقاتها بين اليمن والسعودية.

فرص نجاح الجهود الأميركية في وقف الحرب باليمن

هذا كله، بحسب مصطفى، جعل من الولايات المتحدة الأميركية أن تعيد تقيم مواقفها مع “الحوثيين”، وفي المنطقة، وذلك بالنظر إلى أهمية باب البحر الأحمر الذي يُعدّ رأس الاقتصاد العالمي، وتشرف عليه اليمن من جانب، وإريتريا التي اقتربت هي الأخرى من روسيا من جانب آخر، مشيرا إلى أن الوضع برمّته في المنطقة غير مستقر، لاسيما في ظل ما يحدث بالسودان وغياب ملامح إلى من ستميل الكفة هناك.

من مظاهر الحرب في اليمن/ (سي إن إن)

لذلك، تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى فرض وقعها في المنطقة، وألا تترك مساحة إلى الصين في ملف “الحوثيين” والسعودية، لأن الصين إذا ما تمكنت من إبرام هدنة ما بين “الحوثيين” والسعودية، هذا يعني أنها ستتوغل في حاجة اليمن إلى الإعمار من خلال استغلال مجال الاستثمار، وهذا سيمثل ضربة للمصالح الأميركية، بخاصة وأن ذلك يعني أن بكين ستكون مسيطرة على مدخل البحر الأحمر.

اقرأ/ي أيضا: متخصصة بتبييض الأموال وتجارة المخدرات.. ما مصلحة الصين من دعم الكارتلات المكسيكية؟

ففي ظل هذه المتغيرات، تحاول الولايات المتحدة الأميركية بأن لا تصطف بشكل تام إلى جانب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مقابل ذهابها باتجاه صناعة توازن ما بين اليمن والسعودية، لافتا إلى أنه في ضوء هذه المعادلة الدولية، وفي ظل إرهاق السعودية اقتصاديا في هذا الملف، ومحاولاتها لإنهاء الأزمة، ودعم إيران الحالي لتحقيق السلام، فإن فرص الجهود الأميركية بالنجاح كبيرة.

من جهته الباحث السياسي عقيل عباس، يقول في حديث مع “الحل نت“، إن الموقف الأميركي إزاء اليمن لم يتغير، وهو يتلخص بقضيتين، الإرهاب والعمل على منع وجوده في اليمن، والقضية الإنسانية، التي تتعلق بمنع سقوط ضحايا مدنيين في الصراع الدائر.

عباس يضيف، أن واشنطن تدير الصراع عبر حلفائها الإقليميين، خاصة الإمارات والسعودية، وأنها تمتلك أدوات ضغط تمكنها من الوصول إلى حل ينهي الحرب في اليمن.

من بين تلك الأدوات وفق عقيل عباس، هو تشكيل القوة البحرية، التي نجحت بمنع وصول الأسلحة الإيرانية إلى “الحوثيين”، الأمر الذي أضعف الحوثي كثيرا.

عباس بيّن، أن الأداة الأخرى، تتمثل بمنع تدفق الوقود إليهم عبر ميناء “الحديدة”، وهو ما كبد “الحوثيين” خسائر فادحة، خصوصا وأن الميناء هو المصدر الأساسي لاقتصاد الحوثيين.

سلام بقناعة الجميع

بحسب الباحث السياسي العراقي، فإن تلك الإجراءات وغيرها من الهدن الأخيرة ساهمت بخفض التصعيد في اليمن، ولذا فإن واشنطن تدير الصراع الآن عبر أدواتها الدبلوماسية، خصوصا وأن الحرب باتت تحت السيطرة، أي أنها ليست طاحنة ولا تتسبب بسقوط ضحايا مدنيين، ومن الواضح أن الحرب لن تستمر طويلا، وستنتهي بعد اتفاق كل الأطراف على التفاصيل؛ لأن الكل يريد الحل، لكن المتبقي هو الاتفاق على التفاصيل العالقة.

ذلك يأتي في الوقت الذي عُرفت فيه الجهود الجارية لتحقيق السلام في اليمن زخما إيجابيا طيلة الفترة الماضية، كان من أبرز مظاهرها إتمام صفقة تبادل كبرى للأسرى بين “الحوثيين” والسلطة الشرعية.

إذ إن تقارب السعوديين “والحوثيين” المطّرد جاء في ضوء تصاعد مساعٍ إقليمية ودولية لتجديد الهدنة، التي انتهت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بين الحكومة و”الحوثيين” على خلفية تجديدها مرتين خلال العام الماضي، ورفض الجماعة الموالية لإيران تجديدها ما لم تحقق شروطها.

الجدير بالذكر، أن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، صرّح خلال إحاطة له أمام “مجلس الأمن الدولي” الأسبوع الماضي، أن اليمن أمام فرصة تاريخية لتحقيق السلام، محذرا من إمكانية ضياعها في حال لم تُقدم أطراف الصراع على المزيد من التنازلات.

إلى ذلك، وعلى الرغم من أن التقارب السعودي الإيراني خلق دفعة قوية لإنهاء الحرب التي تسببت خلال السنوات الثماني الماضية بأسوأ أزمة إنسانية في اليمن والعالم، حسبما وصفتها “الأمم المتحدة”، وأسفرت عن سقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى اليمنيين من المدنيين وأطراف النزاع في جبهات القتال، إلا أن هناك شكوك كبيرة تدور حول تحقق ذلك، بخاصة فيما يتعلق بالتزام “الحوثيين”.

هذا ويعاني اليمن منذ نحو تسع سنوات من حرب مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية، وقوات “الحوثيين”، المدعومين من إيران والمسيطرينَ على عدة محافظات منذ 2014.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة