بعد جولات عدة استمرت لثمانية أعوام خلال الحرب في اليمن سادها الغموض في ملف مفاوضات تبادل الأسرى والمعتقلين، جُدّدت مفاوضات برن السويسرية التي جرت بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وجماعة “الحوثيين”، الأمل في نفوس اليمنيين الذي يترقبون بحذر كبير المتغيرات على الساحة الدولية والإقليمية علّها تأتي بقرار إيقاف الحرب في بلادهم المنقسمة. 

جولة مفاوضات الأسرى اليمنية في سويسرا التي اختتمت يوم الإثنين الماضي، كانت أكثر مرونة من سابقاتها، إذ أعلن في ختامها عن اتفاق بين الحكومة اليمنية و”الحوثيين” لتبادل 887 سجين من الطرفين، وعلى الرغم من أن عدد المُفرَج عنهم جاء أقل مما كان متوقعاً، إلا أن الاتفاق يُعتبر اختراقا لافتا في الأزمة اليمنية التي تشهد حالة من الجمود.

الاتفاق الذي سيتم تنفيذه خلال الأسابيع المقبلة برعاية أممية، أعقب متغيرات إقليمية مؤثرة على الساحة اليمنية منذ سنوات اندلاع الثورة اليمنية كانون الثاني/يناير 2011، والتي كانت جزءا أصيلا من متغيرات الحراك الشعبي وتطوره إلى حرب أهلية رزح اليمن تحتها منذ أيلول/سبتمبر 2014، وبتعبير أكثر دقة ما شهدته المنطقة من تقارب سعودي إيراني مؤخرا، وهما اللاعبان الأساسيان في الساحة اليمنية، حيث تدعم طهران “الحوثيين” بالمال والسلاح، وتقاتل السعودية بشكل مباشر وغير مباشر ضد “الحوثيين”، من خلال عمليات “عاصفة الحزم” والحكومة اليمنية الشرعية.

اتفاق تبادل الأسرى وبنوده

طرفا النزاع في اليمن أعلنا، أنهما اتفقا على تبادل الأسرى، بعد محادثات في سويسرا برعاية “الأمم المتحدة” والـ “الجنة الدولية للصليب الأحمر”، وجاء ذلك في جزء من مرحلة أولى تتبعها مراحل أخرى، وصولا إلى الإفراج الكلي على أساس قاعدة “الكل مقابل الكل” بحسب ما تحدثت به أطراف شاركت في المفاوضات.

اقرأ/ي أيضا: زواج القوة في الشرق.. كيف تنامت العلاقات الاقتصادية بين بكين وموسكو؟

صفقة تبادل الأسرى شملت الصحافيين الأربعة المحكوم عليهم بالإعدام منذ 2020 من قبل “الحوثيين”، وعددا من القادة العسكريين والمدنيين، وعددا من أسرى التحالف العربي، بالإشارة إلى محتجزين من السعودية، واللواء ناصر منصور، واللواء محمود الصبيحي، وأبناء الفريق علي محسن، وأبناء نائب رئيس “مجلس القيادة” العميد طارق صالح.

من جهتها، أكدت جماعة “الحوثي” المدعومة من إيران، أنها ستطلق سراح 181 أسيرا، من بينهم 15 سعوديا وثلاثة سودانيين، مقابل 706 أسرى من الحكومة، وذلك بحسب بيانين على “تويتر” لرئيس لجنة شؤون الأسرى في جماعة “الحوثي” عبد القادر المرتضى، وكبير المفاوضين في الجماعة محمد عبد السلام.

اللجنة الإشرافية لتنفيذ اتفاق تبادل المحتجزين، بحسب ما أفاد به مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، فقد استمرت في عقد الاجتماعات لمدة 10 أيام في جنيف، وذلك قبل أن تثمر عن نتائج إيجابية، ليتم الاتفاق بين الأطراف على خطة تنفيذ إطلاق الأسرى الذين شملهم الاتفاق، ومعاودة الاجتماع في منتصف شهر أيار/مايو المقبل، لمناقشة مزيد من عمليات الإفراج.

وسط ذلك، فتح الاتفاق حول الأسرى باب التساؤلات عما إذا كان سيشكل دافعا لحلحلة الملفات الخلافية الأخرى، وأبرزها فتح الطرقات وقضية الرواتب وصولا إلى الجلوس على طاولة مفاوضات سياسية، لإنهاء ما تبقى من الأزمة، وذلك في وقت بات فيه جليا أن ملف اليمن وحله قائم في يد الأطراف الإقليميين والدوليين.

اتفاق إنساني لا يمهد لحل سياسي

من جانبه، شرح الخبير اليمني في الشؤون الإستراتيجية والعسكرية علي الذهب، في حديث لموقع “الحل نت”، إن الاتفاق يأتي تحت عنوان عريض وهو الجانب الانساني، لذلك أنه جاء على آلية تنفيذية لاتفاقية سابقة وقعت العام الماضي، لكن في الوقت الراهن فإن تجديدها يبدو جديا؛ لأن الذين سيُفرج عنهم قد مضت عليهم أكثر من 8 سنوات، لافتا إلى أن الاتفاق لا يمكن اعتباره خطوة تجاه حلحلة ملفات عالقة أخرى بين الطرفين، لأن الاتفاق إنساني، وليس جوهري أو أساسي في الأزمة.

أيضا يشمل ذلك، اتفاق الهدنة الذي يبدو واضحا أنه يمثل مدخلا لتطويره لوقف شامل لإطلاق النار ومن ثم الدخول في مفاوضات لإنهاء الأزمة، لذلك أن اتفاق إطلاق الأسرى قياسا باتفاق الهدنة لا يعد شيء مهما في سياق حلحلة باق الملفات، وفق الذهب، الذي يرى أن جزء من اتفاق تبادل الأسرى، يعد انعكاسا للاتفاق السعودي الإيراني، على الرغم من أنه اتفاقا يمثل آلية تنفيذية لاتفاق سابق.

اقرأ/ي أيضا: انتخابات المحافظات وقانون الموازنة.. مسار السوداني للاستئثار بسلطة العراق؟

الخبير في الشأن الاستراتيجي والعسكري اليمني، لفت إلى أنه بالنظر إلى نوعية الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم من قبل “الحوثيين”، يتضح أن هناك صفقة سياسية تغلفها جوانب إنسانية، على اعتبار أن من بين الاسماء التي سيتم إطلاق سراحها؛ وزير الدفاع وأبناء نائب رئيس الجمهورية السابق وغيرهم على هذا الغرار، وكذلك بالنظر إلى الأعداد المتبادلة بين الجانبين حيث ستطلق الحكومة 700 شخص مقابل 18.

الأزمة اليمنية مقعدة داخليا ولها امتدادات خارجية، لذلك أن اتفاق تبادل الأسرى ليس له علاقة بإمكانية حل الأزمة. والحوثيين، يعتقدون أن سيطرتهم على الحكم إنما هي مسألة أيدلوجية سياسية متعلقة بأيدولوجيتهم الدينية، ولذلك من المحال أن يجري تقارب ما لم تكن هناك إعادة للنظر في هذه الأيدلوجية.

علي الذهب لـ”الحل نت”

من جانبه، يرى المحلل السياسي اليمني عبدالكريم الآنسي، أن ملف تبادل الأسرى في حال وصل إلى التبادل الكامل مقابل الكامل، سيؤدي إلى التهدئة بشكل عام في الأزمة اليمنية، لاسيما في ظل وجود رغبة لتهدئة كاملة.

ترحيب إيراني وسياق تفاوضي

كانت جولة المفاوضات الجديدة بين “الحوثيين” والحكومة اليمنية المعترف بها شرعيا، قد انطلقت في الحادي عشر من آذار/ مارس الجاري، بالقرب من العاصمة السويسرية برن، جرى خلالها مناقشة ما تم التوصل إليه بخصوص ملف الأسرى في الجولة السادسة في عَمّان ومراجعة الكشوف وتصحيحها.

بدورها، عبّرت إيران عن موقفها تجاه اتفاق تبادل الأسرى، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، الثلاثاء الفائت، إن بلاده ترحب بالاتفاق حول تبادل الأسرى في اليمن تحت رعاية الأمم المتحدة والصليب الأحمر.

كنعاني اعتبر مساعي حكومة “الإنقاذ الوطني” في اليمن، التي تسيطر عليها جماعة “الحوثي”، للتوصل إلى اتفاق بشأن تبادل أسرى الحرب خطوة مهمة في مسار تحقيق ما وصفه بالقضايا الإنسانية، وتعزيز الحل السياسي للأزمة، معربا عن أمله في أن يسهم هذا الاتفاق والاستمرار في تحرير باقي أسرى الحرب في توفير الثقة اللازمة لإجراء الحوار السياسي، وإرساء السلام الشامل في اليمن.

في أواخر آذار/مارس 2022، وقّعت الحكومة اليمنية اتفاقا مع “الحوثيين” برعاية أممية لتبادل أكثر من 2200 أسير من الطرفين، لكن عملية إطلاقهم تعثرت وسط اتهامات متبادلة بعرقلتها، وخلال مشاورات في السويد عام 2018، قدم الطرفان قوائم بأكثر من 15 ألف أسير ومعتقل ومختطف، لكن لا يتوفر إحصاء رسمي دقيق للأعداد بعد هذا التاريخ.

اليمن يعاني حربا بدأت عقب سيطرة “الحوثيين” على العاصمة صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014، بدعم من قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي قُتل عام 2017 في مواجهات مع مسلحي الجماعة إثر انتهاء التحالف بينهما، وقد تصاعد النزاع منذ آذار/مارس 2015، بعد أن تدخل تحالف عسكري بقيادة السعودية لدعم قوات الحكومة الشرعية في مواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.