بينما تتصاعد مخاطر المخدرات التي تجتاح العالم، فتحت تحذيرات أميركية الباب على دور الصين في ذلك، حيث قال خبراء خلال جلسة استماع بـ “الكونغرس” الأميركي من أن شبكات متنامية مختصة بتبييض الأموال في الصين، حيث باتت تغذي وباء الإدمان على المخدرات الذي أضحى أكبر قاتل لفئة الشباب في الولايات المتحدة.

إذ يساعد “مجرمون صينيون”، بحسب ما نقلته صحيفة “التايمز” البريطانية، عن الخبراء، كارتلات المخدرات المكسيكية على تجاوز الإجراءات المصرفية والتنظيمية في الولايات المتحدة والمكسيك، من خلال مساعدة البنوك الصينية وبعض المغتربين المتحمسين لشراء الدولار بطرق غير شرعية، في حين ترفض بكين الاعتراف بتلك الأنشطة الصينية، مما عقد من عملية إيجاد حلول لذلك، لاسيما في ظل تعقد العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.

وسط ذلك، تسببت مادة الفنتانيل شديدة الإدمان، والتي تصنعها الكارتلات المكسيكية، في ثلثي الوفيات الناجمة عن جرعات زائدة من المخدرات في الولايات المتحدة، والتي بلغت 107000 حالة في العام 2021، حيث أصبح الإدمان على الفنتانيل السبب الرئيسي للوفاة بين الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عاما.

الصين ودورها في المخدرات

ثلثا الوفيات الـ 108 آلاف الناجمة عن جرعات زائدة في الولايات المتحدة عام 2021 عائدة إلى مواد أفيونية صناعية، بيد أن كميات الفنتانيل المضبوطة في 2022 وحدها تتجاوز الكمية الضرورية لقتل الشعب الأميركي برمته، الأمر الذي أنتج مأساة مخدر الفنتانيل الصناعي الذي يُعتبر أقوى بخمسين مرة من الهيرويين وتشرف على إنتاجه كارتلات مكسيكية مع مكونات كيميائية تستورد من الصين، بحسب ما تفيد وكالة مكافحة المخدرات الأميركية.

استمرارا لهذه الأنشطة المحظورة دوليا، فقد استحوذت المنظمات “الإجرامية” الموجودة في جمهورية الصين الشعبية على أعمال غسيل الأموال لصالح الكارتلات، بحسب ما قالته ليزا ماكلين، رئيسة اللجنة الفرعية لـ “مجلس النواب” المعنية بالرعاية الصحية والمالية والخدمات، وأضافت بأن منظمات غسيل الأموال الصينية طورت نظاما فعالا بشكل لا يصدق ويصعب على سلطات إنفاذ القانون الأميركية اكتشافه، بصراحة هم لديهم ذكاء في كيفية القيام بذلك.

اقرأ/ي أيضا: اقتصادات الخليج في 2023.. لماذا يتراجع النمو؟

الدور الصيني في تلك الأنشطة، يتجسد كذلك في تجاوز الجناة للبنوك الأميركية والمكسيكية، من خلال استخدام تطبيق المراسلة الفوري “وي تشات”، وهو صيني مشفر لم تتمكن سلطات إنفاذ القانون الأميركية من اعتراضه، بحسب الخبراء، فيما لفتت ماكلين إلى أنه ليس سرا أصبحت الصين مركزا عالميا لغسيل الأموال، إذ تقدر وزارة الخارجية الأميركية أن 154 مليار دولار من الأموال غير المشروعة تمرّ عبر الصين كل عام.

بحسب رئيسة اللجنة الفرعية لـ “مجلس النواب” المعنية بالرعاية الصحية والمالية والخدمات الأميركية، فإنه بات من الضروري أن يعمل “الكونغرس” على فهم مدى تواطؤ الحزب “الشيوعي” الصيني الحاكم في مخططات غسيل الأموال هذه، وذلك في الوقت الذي اعتبر فيه كريس أوربن، المسؤول السابق في إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، العامل الآن في القطاع الخاص، أن هذا التهديد الجديد والمتطور يمثل تغييرا جذريا في عمليات تجارة المخدرات.

هذا ويعتبر المال شريان الحياة للعصابات، بحسب أوربن الذي تحدث للجنة الفرعية بـ “مجلس النواب”، مشيرا إلى أن الطرق التي تستخدمها الجريمة المنظمة الصينية تثريها وتمكنها من تهريب المزيد من الفنتانيل والمخدرات الفتاكة الأخرى إلى الولايات المتحدة.

حول ذلك، أوضح المهتم بالشأن السياسي داود القيسي، أن الصين تحاول إيجاد ورقة ضغط على الولايات المتحدة الأميركية، وذلك في خطوة موازية للضغط الأميركية على الصين من خلال تايوان التي ترفض بكين الاعتراف بسيادتها وتهدد بين حين وآخر باجتياحها، لذلك فإن التعاون الصيني مع المكسيك الغرض منه إيجاد منطقة نفوذ في عمق الأمن القومي الأميركي، وكما هو معلوم إن المكسيك تمثل خاصرة تهديد مباشرة لأمن الولايات المتحدة الأميركية.

في إطار ذلك، بيّن القيسي في حديثه لموقع “الحل نت”، أن عملية تجارة وصناعة المخدرات في المكسيك تتم برعاية حكومية، بل أنها تمثل إحدى أكثر رافعات الاقتصاد المكسيكي أهمية، وبما أن هذه الصبغة التي تطغى على المكسيك منذ عهد الرئيس ماديرو وما قبله، فمن الطبيعي أن يكون التعاون الصيني المكسيكي على هذا النحو.

طموحات “الشيوعيين” تجاه الأميركيتين 

إضافة إلى ذلك، أشار القيسي، إلى أن إيجاد المشكلات وخلق الأزمات في عمق الخصوم يُعد واحدة من سياسات الحروب غير المباشرة، والتي تستخدمها الصين من خلال نشر المخدرات المكسيكية في الولايات المتحدة الأميركية التي تمثل عدوها الرئيسي، ولذلك تعتقد الصين أن هذه الأزمات يمكن أن تصب في صالح سياساتها الخارجية بما يستنزف خصومها ويشغلهم عن مواجهتها.

عناصر إحدى الكارتلات المكسيكية/ إنترنت + وكالات

كما أن، عملية استغلال المكسيك كضاغط على الولايات المتحدة الأميركية ليست خيارا وليد اللحظة بالنسبة لسياسات “الشيوعيين”، فمن قبل الصين تاريخيا، حاول “الاتحاد السوفيتي” استغلال الخلاف بين الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك، وعلى الرغم من الخلاف الأيديولوجي بين “الاتحاد السوفيتي” والمكسيك، إلا أن ذلك لم يمنعه من تقديم كل سُبل الدعم لخلق خاصرة رخوة تهدد المصالح الغربية على رأسها أميركا، بحسب القيسي.

إلى ذلك، وبحسب السلطات الأميركية، يجمع سماسرة المال الصينيون عائدات المخدرات من مبيعات الفنتانيل والميثامفيتامين والهيروين والكوكايين في شكل أموال ضخمة من الدولار داخل الولايات المتحدة، بينما يقوم الوسيط الصيني ببيع الدولارات للعملاء الصينيين الذين يرغبون في إنفاق الأموال في الولايات المتحدة، أو الحصول على عقارات، أو دفع رسوم الدراسة الجامعية، أو المقامرة، أو القيام باستثمارات أخرى.

اقرأ/ي أيضا: “الحرب المستمرة”.. هل تضع السودان تحت “البند السابع”؟

بالتالي، فإن سماسرة المال الصينيين يمثّلون أحد أكثر التهديدات الجديدة إثارة للقلق في الحرب على المخدرات، وفق ما ذكرته السلطات الأميركية.

يشار إلى أن إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، قد سلّطت الضوء على هذه القضية خلال جلسة استماع لـ لجنة “مجلس الشيوخ”، في وقت سابق من هذا العام، قائلة إن عصابات المخدرات المكسيكية كانت تستخدم منظمات غسيل الأموال الصينية في جميع أنحاء العالم لتسهيل غسل عائدات المخدرات.

أثناء ذلك، لعب تطبيق المراسلة الفوري الصيني “وي تشات”، دورا هاما، حيث كان التطبيق الرئيسي المستخدم لتقديم الدولارات وإجراء ترتيبات الدفع، بحسب شهادة أوربن التي قدمها للجنة الفرعية بـ “مجلس النواب”، موضحا حول ذلك بالمزيد، بأنها شبكة مشفرة تقاوم المراقبة من قبل سلطات إنفاذ القانون الأميركية وتسهل السرعة والثقة داخل شبكة الجريمة المنظمة الصينية.

التنامي في الدور الصيني بتجارة المخدرات ودعم الكارتلات الكارتلات، جاء في سياق بدء عصابات المخدرات في البحث عن استراتيجيات بديلة لغسيل الأموال، بعد أن اتخذت المكسيك إجراءات صارمة في عام 2010 عبر الحد من الودائع النقدية بالدولار الأميركي في الحسابات المصرفية إلى 4000 دولار شهريا، وفقا لما أفاد به تشانينغ مافريليس، مدير قسم التجارة غير المشروعة في منظمة “النزاهة العالمية”، وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن العاصمة تركز على التدفقات المالية غير المشروعة.

أدلة أميركية ونفي صيني

في غضون ذلك، فقد لوحظ غسيل الأموال الصيني من قبل إدارة مكافحة المخدرات منذ العام 2016، بحسب ما تحدث به مدير قسم التجارة غير المشروعة في المنظمة، في جلسة الاستماع، مستدركا بالقول، إن السياسة الاقتصادية للصين فيما يتعلق بضوابط الصرف الأجنبي تمنع الأموال من الانتقال بحرية إلى البلاد أو الخروج منها ما لم تلتزم بقواعد صارمة، بالتالي إن الصينيين الذين يسعون إلى تبادل أو تحويل ما يزيد عن 50 ألف دولار يلجأون في كثير من الأحيان إلى وسائل غير رسمية.

في مقابل ذلك، تتقاضى المنظمات والوسطاء الأخرين الذي يقومون بغسيل الأموال عمولة من 10 إلى 15 بالمئة، فيما يمكن لوسطاء غسل الأموال الصينيين التحويل بشكل منافس عن طريق فرض رسوم تصل إلى 6 بالمئة أو حتى بدون رسوم.

على الرغم من ذلك، وكل تلك الأدلة، تنفي بكين توريد الفنتانيل أو تأجيج أزمة المخدرات في أميركا، حيث تقول المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، في حديث سابق من هذا الشهر، إنه لا يوجد شيء اسمه تهريب غير قانوني للفنتانيل بين الصين والمكسيك.

كما أكدت، أن في البلدين هناك قناة سلسة للتعاون في مكافحة المخدرات، كما تحافظ السلطات المختصة في البلدين على اتصالات سليمة، في حين لم تخطر المكسيك الصين بمصادرة مواد فنتانيل قادمة من الصين، مشيرة إلى الحكومة الصينية تتخذ موقفا حازما بشأن مكافحة المخدرات.

بيد أن بكين لم ترد على استفسارات طلبتها صحيفة “التايمز” البريطانية من السفارة الصينية في واشنطن، بشأن الشهادات التي وردت في جلسة الاستماع، في حين كانت الصين قد علقت في آب/أغسطس الماضي، التعاون مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة المخدرات عقب زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة “مجلس النواب” الأميركي آنذاك إلى تايوان.

علاوة على ذلك، فليست المخدرات وحدها التي تنشط الصين في تجارتها مع المكسيك، فبحسب تقارير، أن الصين تمدّ أمريكا الشمالية بالأسلحة الصغيرة منذ ما قبل عام 2009، وبينما كان معظم هذه المشتريات تتدفق إلى كندا، إلا أنه في السنوات الأخيرة أصبحت المكسيك سوقا أكثر أهمية، في حين أن هذه الأسلحة الصينية تجد طريقها إلى أيدي الكارتلات المكسيكية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات