التحركات العربية ما تزال جارية لعقد المزيد من اللقاءات والمشاورات من أجل التوصل إلى مخرج للملف السوري. فبعد العديد من الزيارات المتبادلة لزعماء عرب ووزراء خارجيتهم مع حكومة دمشق، خلال الأشهر الماضية، انعقدت عدة اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية وبحضور دمشق لتنسيق المواقف العربية لعودة دمشق إلى مقعدها في “جامعة الدول العربية”. وكان آخر هذه المباحثات “اجتماع عمّان التشاوري” الذي جاء استكمالا للاجتماع الذي عُقد في جدة منتصف نيسان/أبريل الماضي. وأيضا لم يتم التوصل بعد إلى توافق تام بشأن عودة دمشق للجامعة.

إذ يبدو أن ثمة دولا عربية ما زالت تتمسك بمواقفها الرافضة، ومنها من فضلت الوقوف ورسم مسافة يحكمها الحذر والثقة بمدى جدّية دمشق وامتثالها للشروط العربية من أجل التوصل إلى حل سياسي شامل يرضي جميع الأطراف السورية، ولعل أبرز هذه الدول الرافضة لخطوة التطبيع العربي هي قطر والكويت.

لذلك، لا تزال الدول العربية تجري مشاورات بهدف الوصول إلى صيغة توافقية بخصوص سوريا. وربما من هذا المنطلق ستعقد “الجامعة العربية”، الأحد المقبل، اجتماعين استثنائيين في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية لبحث الحرب في السودان ومسألة عودة سوريا إلى الجامعة.

اللافت أن هذا الاجتماع الاستثنائي يتزامن مع زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى العاصمة السورية دمشق، قبل يومين، في أول زيارة رسمية لرئيس إيراني إلى سوريا منذ 13 عاما. وبالتالي تبرز هنا عدة تساؤلات حول الغرض من هذا الاجتماع في القاهرة وإلى أي مدى يمكن اعتباره استمرارا للاجتماعات العربية السابقة، واحتمالات الخروج بالاتفاق على عودة دمشق لمقعدها للجامعة.

بالإضافة إلى تساؤلات حول ما إذا كان هذا الاجتماع جاء ردا على زيارة رئيسي لدمشق وما إذا كانت هناك تغييرات في شروط المبادرة العربية تجاه الرئيس السوري بشار الأسد في هذا الصدد. كذلك، نتيجة لزيارة الرئيس الإيراني لدمشق وتوقيعه عقود اقتصادية معها، تثار تساؤلات حول ما إذا كانت الدول العربية ستأخذ خطوة أخرى للأمام وتقدم المزيد من التنازلات والعروض للأسد بغية انفكاكه عن عباءة إيران، أم أنها ستتخذ خطوة للوراء قبل إعادة تأهيل الأسد وسط حواراته مع عدة أطراف عربية وتركية وإيرانية في آن واحد.

غموض وصعوبات حول المبادرة العربية

في الأول من أيار/مايو الجاري، جرى “اجتماع عمّان التشاوري” بين المملكة العربية السعودية والأردن ومصر والعراق إضافة إلى حكومة دمشق، بهدف البناء على اتصالات عربية مع دمشق وفي سياق طروحاتها، والمبادرة الأردنية للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية ومسألة عودة دمشق إلى الجامعة، غير أن الاجتماع خرج ببيان أكد على أهمية الحل السياسي، كحل وحيد للأزمة السورية، مشددا على ضرورة وجود دور قيادي عربي في جهود إنهاء الأزمة، لكن دون الإجماع على قرار عودة دمشق إلى “الجامعة العربية”.

اجتماع غير عادي على مستوى وزراء الخارجية لبحث مسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية- “رويترز”

في خضم مسعى إقليمي لتطبيع العلاقات مع دمشق، قال دبلوماسي رفيع المستوى، يوم أمس الخميس لـ”وكالة فرانس برس“، إن الوزراء العرب سيجتمعون في القاهرة يوم الأحد القادم لبحث الوضع في سوريا، مضيفا إنه “تقرر عقد دورتين غير عاديتين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب يوم الأحد”.

هذا وتخصص الدورة الأولى لمناقشة تطورات الأزمة السورية ومسألة إعادة دمشق لشغل مقعدها في الجامعة، في حين ستبحث الدورة الثانية الحرب الدائرة في السودان. وبحسب المصدر نفسه تقرر عقد اجتماعات تحضيرية على مستوى المندوبين الدائمين، يوم غد السبت، في مقر الأمانة العامة لـ”جامعة الدول العربية” للإعداد والتحضير لهاتين الدورتين الوزاريتين غير العاديتين”.

كما وسيتم، عقد اجتماع تشاوري مغلق لوزراء الخارجية العرب قبيل انعقاد الدورتين غير العاديتين. وسيرأس هذه الاجتماعات، سامح شكري، وزير الخارجية المصري الذي تتولى بلاده حاليا الرئاسة الدورية لمجلس “الجامعة العربية”.

الباحث في الفكر السياسي والمحاضر في العلوم السياسية، الدكتور سامح إسماعيل يرى أن الأمر يكتنفه جملة من الصعوبات والألغام، فهناك الوجود التركي لأجزاء لا يستهان بها على الأراضي السورية، وكذا وجود الميليشيات الإيرانية، بالإضافة إلى عدم حسم تفاصيل انتقال السلطة إلى ممارسة سياسية بعينها بعد فترة الحرب، لكن يبدو أن الملفات الاقتصادية سوف تكون عامل الحسم في الموقف العربي المرتقب.

قد يهمك: “ابهام وغموض”.. ماذا وراء عدم الإجماع على إعادة سوريا لـ”لجامعة العربية” بعد اجتماع جدة؟

الوضع الدولي والإقليمي بشأن سوريا أصبح شديد التعقيد، حيث يمكن القول إن الاتفاق الإيراني السعودي، جعل كل الخيوط متشابكة إلى حد كبير، فمن ناحية أصبح الجميع يستهدف السوق السورية في مرحلة الإعمار بعد الحرب، ومن ناحية أخرى تطرح أطراف خليجية فكرة عدم ترك سوريا بالكلية لإيران، وبالتالي أصبحت سوريا مجالا حيويا للتنافس الإقليمي الناعم، خاصة بعد أن فشلت أطراف المعارضة السورية في إزاحة الحكومة بدمشق، حسبما يحلله ويراه إسماعيل لموقع “الحل نت”.

لظروف التحولات الدولية

في سياق متّصل، قال الأمين العام لـ”جامعة الدول العربية” أحمد أبو الغيط، إنه لا يعلم ما إذا كانت دمشق ستعود إلى الجامعة العربية أم لا، وإنه لم يتسلَّم بصفته أمينا عاما للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر، مبينا أنه في حال التوافق على العودة، تتم الدعوة في أي لحظة لاجتماع استثنائي على مستوى وزراء الخارجية العرب.

أبو الغيط، لفت في حوار تلفزيوني، نقلته “وكالة أنباء الشرق الأوسط“، يوم أمس الخميس، إلى أنه تلقى اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، بشأن الاجتماع الوزاري الذي عقد في عمّان مؤخرا، وأطلعه على أهدافه ونتائجه، موضحا أنه يحق لمجموعة دول عربية أن تجتمع لمناقشة أمر ما يشغلها. وأعرب عن اعتقاده أن شغل المقعد السوري في الجامعة العربية سيأخذ وقتا طويلا، وخطوات متدرجة.

الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط_ “أ.ب”

بالعودة إلى الباحث السياسي، فإن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها القيادي الإخواني الأردني زكي بني أرشيد، حول عدم معارضة الجماعة للمصالحة مع سوريا، تثير الكثير من التساؤلات حول وجود موقف واحد متسق للأذرع الإخوانية في المنطقة، خاصة وأن “حركة حماس” سارعت إلى العودة إلى دمشق والتوافق مع الأسد، وبالمثل أعلن الرئيس التونسي موقفا مشابها، وتضامن مع “الاتحاد التونسي للشغل”، وعليه فإن موقفا بدأ يتبلور بالفعل وينادي بالإسراع بوتيرة العودة إلى دمشق.

كما أن الأمر لا ينفصل برمته عن التحولات الدولية، ذلك أن دمشق ترتبط بالمحور الروسي الإيراني، الذي يواجه الغرب في أوكرانيا، وعليه يمكن القول إن أطرافا عربية أصبحت مستعدة للتخفف من تبعات العلاقات مع الغرب، بل ومستعدة للتعامل مع الروس في العلن يبدو، على حدّ تقدير الباحث السياسي.

أبو الغيط أوضح أيضا أن آلية عودة دمشق للجامعة، لها سياق قانوني محدَّد في ميثاق “الجامعة العربية”، وقال إنه يحق لدولة أو مجموعة دول، المطالبة بمناقشة موضوع عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة، خصوصا أنه لم يتم طردها منها، لكن تم تجميد عضويتها، أو تعليق العضوية.

عودة قريبة لدمشق؟

نحو ذلك، قال وزير الخارجية الأردني اليوم الجمعة إن دمشق ستتمكن قريبا من العودة إلى “الجامعة العربية”، لكن هناك العديد من التحديات التي تنتظرها في حل الصراع المستمر منذ أكثر من عقد في البلاد، مضيفا أن سوريا لديها ما يكفي من الأصوات بين أعضاء الجامعة البالغ عددهم 22 لاستعادة مقعدها.

الصفدي أضاف في تصريحات لمحطة “سي إن إن” الأميركية أن “عودة دمشق إلى الجامعة ستحدث. وسيكون ذلك مهما من الناحية الرمزية ولكن هذه مجرد بداية متواضعة جدا لعملية ستكون طويلة جدا وصعبة وتنطوي على تحديات نظرا لتعقيدات الأزمة بعد 12 عاما من الصراع”.

هذا وبحث وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، مع نظيره الأردني، نتائج “اجتماع عمّان التشاوري” بشأن سوريا، مؤكدا على موقف واشنطن الرافض لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية. ووفق بيان للخارجية الأميركية، ناقش الجانبان، في اتصال هاتفي بينهما، التقدم في حل سياسي شامل للصراع السوري بعد “اجتماع عمّان التشاوري” بشأن سوريا.

فيما شرح الصفدي أن هذا المسار يكسر جمود جهود التوصل لحل شامل للأزمة السورية، والتقدم نحو حل سياسي، مشددا على أهمية الدور الأميركي المركزي في جهود حل الأزمة السورية، واستمرار التنسيق مع واشنطن لوقف معاناة الشعب السوري، ووقف تهديدات الأمن الإقليمي والدولي.

بلينكن شدد على أن الولايات المتحدة “لن تطبع العلاقات مع الأسد، ولن تدعم تطبيع الآخرين، حتى يتم تحقيق تقدم سياسي حقيقي، تيسره الأمم المتحدة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254، والتنسيق مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، والتأكيد على أن القرار 2254 هو الحل الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الحرب”.

في ظل رفض بعض الدول العربية إعادة دمشق لـ”الجامعة العربية” والتطبيع معها، بجانب الرفض الغربي وعلى رأسهم واشنطن، وسط عدم انفكاك الأسد عن طهران، ولا سيما بعدة زيارة رئيسي لدمشق، فإن الاجتماع العربي يوم الأحد القادم قد لا يحمل معه جديدا بخصوص عودة دمشق، إلى جانب عدم إطراء تغيرا في الموقف القطري أو الكويتي، وربما بعض الدول مثل القاهرة تتمسك بموقفها أكثر في حال لم يتم العمل الجدي في إطار الحل السياسي الشامل بما يرضي جميع السوريين. ولذلك لا يعتقد أن الاجتماع العربي الاستثنائي سيتمكن من إحداث تغييرا بالموافق العربية الحالية، خاصة وأن الأسد لم يقدم شيئا بالمقابل، بل يعزز علاقاته أكثر مع طهران، حتى وإن وافق على التعاون مع الدول العربية بخصوص ملف تهريب المخدرات من أراضيه تجاه الدول العربية، وملف اللاجئين السوريين.

بطبيعة الحال الدول العربية وخاصة المجاورة لسوريا تأثرت من استمرار الوضع السوري على ما هو عليه، وبالتالي فهي تبحث وتحديدا الأردن عن حل لإنهاء هذا الوضع المأزوم، وتتفق الدول العربية على ضرورة حسم الملف السوري، ولكن بشروط معينة، غير أن العقبة الرئيسية تكمن في الضمانات الحقيقية من طرف دمشق، ولهذا تجري الدول العربية عدة مشاورات ومناقشات بهدف إيجاد ضمانات جدية، وعلى ما يبدو أن الدول لم تجد بعد ما يدفعها للتقدم خطوة للأمام من التطبيع مع الأسد وبالتالي فهي تجري مباحثات ومشاورات ولا يستبعد استمرارها حتى بعد اجتماع الأحد المقبل، وفق الباحث السياسي.

وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي مع نظيره السوري فيصل المقداد- “رويترز”

هذه الضمانات تتمحور حول قدرة دمشق على ضبط عمليات وأنشطة تصنيع وتهريب المخدرات وعدم الإضرار بالسوريين في حال رغبة بعضهم بالعودة إلى البلاد، بالإضافة إلى مدى قدرتها على الحد من نفوذ الميليشيات الإيرانية المتفلتة بالأراضي السورية، وعندما يتحقق ذلك سيكون هناك إجماعا على عودة دمشق للجامعة، وبغير ذلك سيزيد الأمر تعقيدا أكثر مما هو عليه اليوم.

في العموم، يتوقف نجاح التحركات العربية على تحركات حكومة دمشق، حيث أن التحركات العربية تخطو خطوة نحو التطبيع مع دمشق، كما يجب على الأخيرة أيضا أن تتحرك من جانبها تجاه الدول العربية بتأكيد التزاماتها، حتى وإن شاركت دمشق في قمة “جامعة الدول العربية” التي ستعقد في 19 أيار/مايو الجاري في الرياض.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات