في خضم فشل جميع الهدن حتى الآن في المشهد السوداني، وسط تصاعد المواجهات بين طرفي النزاع في البلاد بين “الجيش السوداني” بقيادة، رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، و”قوات الدعم السريع “بقيادة نائبه، محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، ودخولها للأسبوع الثالث من النزاع، فإن الصراع هناك يؤشر بتفاقمه أكثر ولا أمل في التوصل إلى هدنة أو تسوية ما في الوقت الراهن، خاصة بعد التدخل العلني لأطراف خارجية، مثل مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية مؤخرا، وبالتالي فإن هذا الصراع يحمل في طياته مخاوف من انزلاقه إلى دائرة آخذة في الاتساع ويتحول إلى حرب أهلية واسعة النطاق على المستوى القبلي أو الأيديولوجي، والتي ستترتب عليها آثار سلبية على دول الجوار السبع؛ مصر وليبيا وتشاد وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى وإثيوبيا وإريتريا.

هذه الدول السبع لكل منها أزمة داخلية مختلفة ويعاني من عدم استقرار إما سياسي أو اقتصادي أو تشابك قضايا إقليمية، ويتأثر كل منهما بشكل أو بآخر بالصراع السوداني الدائر حاليا. من هنا لا بد من طرح بعض التساؤلات حول تداعيات الصراع السوداني على دول الجوار السبع ولا سيما على الوضع الاقتصادي والإنساني والصحي. كذلك لا يمكن التغاضي عن وصول انعكاسات هذا الصراع إذا طال أمده إلى أمن البحر الأحمر ومن ثم على التجارة الدولية عبر ممراته،.

بالتالي التساؤل الذي يطرح نفسه، هو ما تداعياته على الملاحة الدولية، وإذا ما ستكون دولة تشاد في مرمى تهديدات لحروب وصراعات أهلية مثلما كانت على الدوام بالحرب القبلية في دارفور، إلى جانب آثار هذا الصراع على الوضع الأمني لكل من إثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان.

تدفق اللاجئين

نحو ذلك، دقت “مفوضية الاتحاد الأوروبي” ناقوس الخطر بشأن التداعيات المحتملة لأعمال العنف في السودان على دول الجوار، وقال يانيز لينارتشيس، مفوض الشؤون الإنسانية بـ”الاتحاد الأوروبي” إن هناك مخاطر حقيقية لتوسع الأزمة لتصل لدول جوار السودان، وذلك في تصريحات نشرتها صحيفة “فيلت أم زونتاغ” الألمانية يوم الأحد الماضي، وتوقع المفوض الأوروبي تصعيدا في الموقف في السودان الذي يعيش أوضاعا صعبة حتى قبل اندلاع الأزمة الحالية. وأكد وجود نقص كبير في الماء الصالح للشرب والمواد الغذائية والأدوية والوقود، وفق تقارير عدة.

السودان “رويترز”

إن استمرار الصراع في الخرطوم، فإنه سيكون له عواقب وخيمة على كافة الأصعدة. وفي هذا السياق يرى الخبير الأمني والاستراتيجي السوداني الدكتور عماد الدين حسين بحر الدين، أن الأمر سيكون سلبيا خاصة من حيث النزوح واللجوء إذ إن حالات النزوح الكبيرة وقد شهدت حالات لجوء كبيرة إلى مصر وليبيا في الآونة الأخيرة، وبالتالي فإن التداعيات كبيرة.

بالمثل، في إثيوبيا وجنوب السودان، استقبلوا عددا كبيرا من اللاجئين الذين فروا من الصراع السوداني، ودولة تشاد أيضا، حيث فر إليها مدنيون وبعض العسكريين، وقد صرح وزير الدفاع في تشاد بذلك، عندما قال أن جيش بلاده أوقف فرقة سودانية قوامها 320 جنديا ونزع سلاحهم بعد دخولهم الدولة الواقعة في غرب إفريقيا قبل نحو أسبوعين، على حد قول الخبير الأمني والاستراتيجي السوداني لموقع “الحل نت”.

المفوضية الأوروبية أعلنت أيضا أن التدفق الأخير للنازحين سيضيف إلى تحديات جيران السودان، الذين يستضيفون أعدادا كبيرة من اللاجئين من نزاعات سابقة، فتشاد التي استقبلت من قبل 400 ألف فروا خلال السنوات الماضية بسبب نزاعات مسلحة، وصل إليها حوالى 30 ألفا في الأسابيع الأخيرة يتوزعون على 13 مخيما للاجئين. بينما يتم تحديد موقع جديد لاستضافة مزيد من الوافدين، وكذلك لدى المجتمعات المحلية المضيفة في شرق تشاد.

قد يهمك: “إخوان السودان” الخروج من الباب والعودة من النافذة؟

إذاً العمليات العسكرية في السودان تسببت في موجة نزوح كبيرة، من بينهم سودانيون ومواطنون من بلدان مجاورة، ولعل أبرزهم تشاد وجنوب السودان، رغم حالة عدم الاستقرار والظروف المعيشية الصعبة هناك. بالتالي فإن عدم توقف الصراع السوداني في وقت قريب، فإنه سيتسبب في موجة لجوء غير مسبوقة نحو الدول المجاورة، ولا سيما تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان، والذي من كل بد سوف يؤثر بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية لتلك البلدان الهشة أصلا والتي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية جامحة، على حد تعبير الخبير الأمني والاستراتيجي السوداني.

أوضاع مزرية

أما بالنسبة للوضع الصحي فيقال إن 80 بالمئة من المستشفيات والمؤسسات الصحية بالخرطوم خارج الخدمة والوضع الأمني أيضا هشا حيث لا يستطيع أحد مغادرة منزله أو البحث عن مفقود له. إضافة إلى الوضع البيئي السيئ الذي يهدد البلاد بكارثة بيئية، وهو ما يدعو إلى تدخل عاجل لمنظمات الإغاثة الدولية، وسط ندرة الخبز والماء، فضلا عن تعطيل عمل ومعيشة الأهالي هناك، حيث لم يتبق لدى الكثيرين موارد مادية لتمرير يومهم، وفق حسين بحر الدين.

حسين بحر الدين، يرى أن جميع الهدن تخترق ويتم تبادل الاتهامات بين طرفي النزاع، ولم تتوقف العمليات العسكرية منذ اليوم الأول من اندلاعها إلا لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات فقط، نظرا لأن الجميع يريد الاستيلاء عليها والاستحواذ على الأماكن والنقاط الحيوية والمراكز الاستراتيجية، الأمر الذي يؤشر بخطورة تعقيد المشهد أكثر مما هو عليه ولا حلول تلوح في الأفق في الوقت الحاضر، حقيقة.

في سياق متّصل، “برنامج الغذاء العالمي” تحذر من أن العنف الدائر في السودان يمكن أن يسبب أزمة إنسانية في منطقة شرق إفريقيا بأكملها. وقال مارتين فريك، مدير المنظمة في ألمانيا، ثلث تعداد سكان السودان كان يتضور جوعا بالفعل قبل اندلاع الاشتباكات، الآن هناك نقص في كل شيء كما ارتفعت أسعار الغذاء بصورة كبيرة. كما تم تسجيل زيادات مماثلة في الأسعار في تشاد وجنوب السودان.

فريك أردف أنه في جنوب  السودان، التي تواجه فيضانات في بعض المناطق وجفاف في مناطق أخرى بسبب أزمة المناخ، ارتفعت أسعار الغذاء بنسبة 28 بالمئة خلال فترة قصيرة. ومما يفاقم الأزمة توتر الوضع في القرن الإفريقي، حيث ارتفع الضغط على إمدادات الأغذية بسبب مواسم الأمطار الستة السيئة.

التداعيات على تشاد والملاحة الدولية

العديد من المراقبين يرون أن الصراع السوداني إن طال فيمكن له أن يؤثر على دول الجوار من تنامي الإرهاب والأصولية والتطرف أو تزايد الصراعات الإثنية والعرقية القائمة في مجموعة من الدول المجاورة التي لا تزال تشهد حالة من عدم الاستقرار الداخلي، مثل جنوب السودان و جمهورية إفريقيا الوسطى التي تشهد أزمات عرقية ودينية بجانب وجود مجموعات “فاغنر” فيها.

مجلة “فورين بوليسي” الأميركية اعتبرت في تقرير لها نُشر مؤخرا، أن الصراع الدائر في السودان منذ أكثر من أسبوعين، قد يؤدي إلى زعزعة استقرار دولة تشاد المجاورة والتأثير على منطقة الساحل بأكملها. وقالت المجلة أنه مثلا في تشاد، التي عانت على مدار العقد الماضي، بسبب الأنشطة المدمرة للتنظيمات المتطرفة، مثل “بوكو حرام” والجماعات المنشقة عن تنظيم “داعش”، كما شهدت جمهورية إفريقيا الوسطى قتالا داخليا بين جماعات مسلحة، مشيرة إلى أن الصراع السوداني له عواقب وخيمة على السلام والأمن الإقليميين.

السودان “رويترز”

إلى جانب كل ذلك، تتمثل إحدى تداعيات الصراع الحالي في السودان في الانتشار المتوقع للأسلحة الصغيرة والخفيفة بين الأطراف المتحاربة في أنحاء المنطقة. وبالتالي قد يؤدي هذا الأمر أيضا إلى اتساع تجارة الأسلحة غير المشروعة، بسبب ظهور ممرات تهريب جديدة، بما في ذلك في ليبيا وبوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر، والمشكلة ستزداد تعقيدا حين تقع هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ، مثل أيدي المتطرفين.

إضافة إلى احتمالية تسلل مقاتلين إرهابيين أجانب إلى السودان، مثلما حدث في دارفور غربي البلاد، التي شهدت معارك ضارية أدت إلى مقتل نحو 300 ألف شخص ونزوح حوالي مليونين.

بالعودة إلى حسين بحر الدين، فإنه لا يعتقد أن الصراع سوف يطول أو يمتد بشكل كبير إلى دول الجوار أو يصل إلى البحر الأحمر، لأن الحكومة الوطنية نقلت معظم مهامها إلى البحر الأحمر، وبالتالي لا يوجد آثار سلبية على الملاحة الدولية، بالنظر إلى أن هناك قراصنة يعملون في الصومال وجيبوتي، والتي تشهد تفلت أمني بالفعل، ومع ذلك لم يتمكنوا حتى الآن من الإضرار بالملاحة الدولية.

قد يهمك: “فاغنر” الروسية بحضور علني في السودان.. ما الأبعاد والدلالات؟

إلا إن دولة تشاد مهددة بتوجه المزيد اللاجئين إليها، ولن تؤدي إلى تفاقمها إلا إذا كانت مدعومة من قبل المنظمات الدولية، ولا يستبعد أن يتورط بعض هؤلاء اللاجئين في عصابات أو عمليات إجرامية، لكنها تبقى تهديد طفيف، والحرب في السودان إذا طال أمدها فستكون أهلية فقط ولا يعتقد حسين بحر الدين أنها ستصل إلى تشاد، بالنظر إلى أن هناك التزاما بين حكومة السودان وتشاد والقوات المشتركة بين البلدين وهناك بروتوكول دولي أيضا، وبالتالي من غير المرجح أن يتم خرق الوضع الأمني في تشاد.

تأثر الأقاليم

تحليل لموقع “اندبندنت” يقول إن إثيوبيا وإريتريا فستتأثران بأحداث شرق السودان التي طغى عليها صوت معركة الخرطوم، فقد ظلت “مجموعة الأزمات الدولية” تحذر من تجدد المواجهات في الإقليم الذي يعاني التهميش الاقتصادي والسياسي، ووقعت مواجهات عدة بينه وبين الحكومة المركزية في الخرطوم في كل عهود النظم الحاكمة، خصوصا نظام عمر البشير السابق.

دولة جنوب السودان ستتأثر أيضا بامتداد الصراع من الخرطوم إلى منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة، وهو إقليم هش أمنيا ويشكل الحدود الجديدة بين الدولتين بعد الانفصال، ولم تخمد الحرب فيه تماما على رغم توقيع اتفاق سلام جوبا عام 2020. كما يلعب النفط في منطقة أبيي الحدودية المتنازع عليها دورا آخر في التأثير في دولة الجنوب يزيد من معاناتها مع صراعاتها الداخلية.

لكن التأثير الأكبر للصراع على السودان يظل على السودانيين أنفسهم. فحاليا تتزايد ظاهرة الإرهاب، مثل اختطاف حوالي  سيدات من قبل مسلحين مجهولين، بالإضافة إلى تهديد العديد من تجار السوق المركزي وأخذ أموالهم، مما يعني أن هناك حالة من الفوضى الأمنية، وبالتالي إذا لم يهدأ الصراع فستنمو ظاهرة الإرهاب والإجرام من دخول جماعات مثل “بوكو حرام” أو الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل “داعش”، مما يعني أن البيئة ستكون خصبة لتنامي الأعمال الإرهابية هناك، وفق حسين بحر الدين.

مما لا شك فيه أن الصراع سيترتب عليه آثار اجتماعية ايضا من تفكك وتشتيت الأسر نتيجة فقدان العديد من والديهم أو أبناءهم، وكذلك الآثار النفسية نتيجة الصراع الدائر والمستمر، وبالتالي سيخلق جيل ضائع في البلاد. وفي المحصلة فإن هذا الصراع هو العائق الأساسي أمام عجلة العملية السياسية الديمقراطية في السودان، ومن ثم من ينتصر في النهاية بالصراع الدائر حاليا هو من سيحكم البلاد يبدو.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة