في الشرق الأوسط، ليس من غير المألوف أن تُدبلج المسلسلات من منطقة الخليج أو المغاربية باللهجة السورية؛ ففي حين أن هذا يسمح للعديد من الجماهير العربية بفهم الدراما والنص والارتباط بها بشكل أفضل، فقد تسبب أيضا في درجات متفاوتة من الجدل.

الدبلجة تعد طريقة فعالة لزيادة جمهور العرض، حيث إنها تزيل حواجز اللغة وتسمح للمشاهدين الذين ليسوا على دراية بلغة معينة بمتابعة عرض ما. ونظرا لارتفاع الطلب على البرامج من البلدان العربية الأخرى، تبنت بعض مؤسسات الإنتاج نهج دبلجة وترجمة المسلسلات التلفزيونية في المنطقة المغاربية. كان لهذا تأثير كبير من حيث جذب المشاهدين، حيث تم متابعة  بعض الأعمال وازدادت رواجا، لكن هذا جلب معه جدلا أيضا.

التفاعلات السلبية

بعد صحوة الدراما المغربية خلال المواسم الأخيرة ولا سيما من رمضان 2021 إلى العام الحالي، توجت هذه الخطوة من خلال عرض مسلسل “بنات العساس” حيث حقق إبان عرضه نسبة مشاهدة مرتفعة، كما أعاد للمغاربة دفء الفرجة من خلال قصة بسيطة لكن حبكتها الدرامية وأدوات الاشتغال عليها بالنسبة للمخرج احترمت المشاهد المغربي وأعطته ما كان يبحث عنه في دراما عربية مثل المصرية والسورية أو في الدراما التركية.

المسلسل المغربي والذي عرض على قناة “الشارقة”، تمت دبلجته باللهجة السورية من أجل تحقيق تواصل المشاهد العربي مع المسلسل، خاصة وأن اللهجة المغربية غير مفهومة كثيرا بالنسبة لباقي الدول العربية.

هذه النقطة أثارت بعض الجدل وفقا لصحيفة “القدس العربي”، حيث أعادت مسألة الدفاع عن اللهجة المغربية إلى الواجهة وكان هذا الموضوع محور تدوينات نشرها بعض المتتبعين الذين شكلوا أقلية أمام الأغلبية التي اعتبرت دبلجة المسلسل المغربي إلى السورية بداية انتشار للدراما المغربية عربيا.

صفحة “تلي بلس” تساءلت حول دبلجة مسلسل “بنات العساس” إلى اللهجة السورية، بأنه ضياع للهوية أم اكتساح للعالم العربي. بينما بعض المدونين اعتبروها “تدميرا وتضييعا للهوية والثقافة المغربية، على أساس أن اللهجة المغربية هي لهجة عربية ومن الممكن استيعابها من طرف الجمهور العربي ولا تحتاج الترجمة أو الدبلجة”.

مشهد من مسلسل بنات العساس - إنترنت
مشهد من مسلسل بنات العساس – إنترنت

مسلسل “بنات العساس” هو دراما إنسانية تفتح جراح العائلة المغربية، حيث يسرد العمل قصة اجتماعية لعائلة تتكون من ثلاث شقيقات يصارعن من أجل الحياة بعد أن وجدن أنفسهن في الشارع، بسبب إدمان والدهما وإفلاسه، وتحمل الأخت الكبرى مسؤولية أختها الصغرى بعد وفاة والدتها لحظة إنجابها.

تحديات الدبلجة

الجدل حول دبلجة الأعمال المغربية باللهجة السورية يتمحور حول الردود الناتجة، حيث يشعر بعض النقاد المغاربة أن لهجتهم قد تضاءلت، بينما يرى آخرون أن الدبلجة ضرورية لتعزيز الثقافة، مبينين أن الدبلجة تطرح أيضا تحديات في ترجمة العبارات الاصطلاحية الخاصة بمناطق مختلفة لتناسب اللغة السورية، مما يؤدي في النهاية إلى ظهور آراء متضاربة حول ما إذا كانت النتيجة النهائية ستبقى حقيقية ثقافيا أم لا.

إحدى الحجج ضد المسلسلات المدبلجة تدور حول عواقب توحيد الدراما بلهجة معينة لدى التليفزيونات العربية، وقد أدى ذلك إلى إحباط الممثلين في منطقتي الخليج والمغرب لأن لهجتهم الخاصة تفقد تمثيلها في المسلسلات التليفزيونية، كما يعتقد منتقدو الدبلجة أنها تضعف خصوصية اللهجات العربية وتحولها إلى خطاب أكثر تجانسا، وتعمل ضد جهودهم في تعزيز تنوع اللهجات في اللغة.

أبطال مسلسل بنات العساس - إنترنت
أبطال مسلسل بنات العساس – إنترنت

المدون المغربي، راشيد آشك، قال في مقال مطول “صحيح أن الدارجة المغربية لا تزال تفتقد إلى الكثير من مقومات الصفاء المعجمي والمرونة التركيبية والسلاسة الإيقاعية التي تؤهلها للتداول والانتشار عربيا على غرار أخواتها المصرية والسورية واللبنانية. لكن الأمر لا يحتاج سوى إلى مزيد من العمل الإبداعي الجاد على مستوى الكتابة الأدبية والسينارية”.

في حين احتفى مخرج المسلسل إدريس الروخ، بحدث الدبلجة وقال في تدوينة نشرها على صفحته في “فيسبوك” مرفقة مع الفيديو الإعلاني للعمل، قائلا “المسلسل المغربي بنات العساس لأول مرة في قناة خليجية الدراما المغربية تحلق عاليا”.

شعبية اللهجة السورية تزداد

شعبية اللهجة السورية ازدادت بين السكان الناطقين بالعربية، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى شعبية المسلسلات السورية وخصوصا في المسلسلات غير الناطقة باللغة العربية، حيث تم دوبلاج هذه المسلسلات التلفزيونية باللهجة السورية، مما جعلها مستساغة لآذان المشاهدين في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه.

دبلجة المسلسلات باللهجة السورية أصبحت ممارسة شائعة في العالم العربي، لأنها أثبتت نقلها لمحتوى بشكل مفهوم للجمهور أوسع، مع الحفاظ أيضا على اللغة الأصلية والفروق الثقافية الدقيقة للإنتاج.

بحسب آراء المتابعين فإن دبلجة المسلسلات باللهجة السورية ساعدت على كسر الحواجز اللغوية بين مختلف البلدان الناطقة بالعربية وغير العربية. كما ساعدت في الترويج للهجة السورية كلغة إقليمية مميزة ومهمة، إلى جانب اللهجات الأخرى مثل اللهجات المصرية واللبنانية والخليجية.

أيضا هناك العديد من الأسباب التي جعلت اللهجة السورية تحظى بشعبية كبيرة، منها سهولة فهمها للمتحدثين باللهجات العربية الأخرى، بسبب نطقها الواضح وعدم وجود قواعد نحوية معقدة. وهي معروفة أيضا بالدفء والتعبير، مما يجعلها مناسبة بشكل طبيعي لسرد القصص الدرامية.

عملية الدوبلاج في الأستوديوهات - إنترنت
عملية الدوبلاج في الأستوديوهات – إنترنت

شعبية المسلسلات السورية ودبلجة المسلسلات الأجنبية باللهجة السورية أثرت بشكل إيجابي على صناعة الفن والدراما في العالم العربي. اكتسب العديد من الممثلين والمنتجين السوريين الموهوبين اعترافا دوليا بفضل نجاح هذه الأعمال الدرامية، واستفادت الصناعة ككل من زيادة الاستثمار والعرض.

دوبلاج المسلسلات باللهجة السورية أصبح جزءا مهما من صناعة الدراما، وقد ساعد على كسر الحواجز اللغوية وتعزيز اللهجة السورية كلغة إقليمية مميزة ومهمة. ولا تُعدّ استعانة قنوات التلفزيون العربية بالدوبلاج أمرا غريبا، إذ إن قنوات العرض الأوروبية والتركية تعتمد الأمر ذاته في كثير من الأحيان لدى عرضها لأعمال غير ناطقة بلغة هذه القنوات، لذا فإن الدوبلاج يلعب دورا هاما كذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة