بعد مرور نصف عام على شغور منصب الرئاسة في لبنان، تبدو حظوظ رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية؛ في الوصول إلى منصب الرئاسة الأولى مرتفعة، في ظل أنباء عن مراجعة السعودية موقفها الرافض لترشيح فرنجية المدعوم من قبل “حزب الله”، بعد اتفاق الرياض- طهران على استئناف العلاقات.

حتى الآن لا معلومات مؤكدة عن إعطاء الرياض الضوء الأخضر لفرنجية الذي يعارض ترشيحه أكبر حزبين مسيحيين في لبنان أي “التيار الوطني الحر” و”حزب القوات”، لكن المداولات تُشير إلى أن البرلمان اللبناني بات قريبا من انتخاب خلف للرئيس ميشال عون؛ الذي انتهت ولايته في تشرين الأول/أكتوبر 2022، وذلك بعد أن فشل البرلمان للمرة الحادية عشر في ذلك، بسبب الانقسامات السياسية الداخلية والتشابك الخارجي، وهو ما يعمق من حجم الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها البلاد.

الخارجية الأميركية دعت مؤخرا إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد، وقال المتحدث باسمها ماثيو ميلر، في بيان نشر على الموقع الرسمي للوزارة تحت عنوان “الوضع في لبنان” إن “الولايات المتحدة تدعو القيادات السياسية في لبنان للتحرك بشكل عاجل لانتخاب رئيس لتوحيد البلاد وإقرار الإصلاحات المطلوبة على وجه السرعة لإنقاذ الاقتصاد من أزمته”.

البيان أكد أن “على قادة لبنان عدم وضع مصالحهم وطموحاتهم الشخصية فوق مصالح بلدهم وشعبهم”، مضيفا أن “الولايات المتحدة لديها اعتقاد بأن لبنان يحتاج إلى رئيس متحرر من الفساد وقادر على توحيد البلاد، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية أساسية على رأسها تلك المطلوبة لتأمين اتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي”، معتبرا أن “الحلول لأزمات لبنان السياسية والاقتصادية يمكن أن تأتي فقط من داخل لبنان وليس من المجتمع الدولي”.

موقع “هنا بيروت” نقل عن مصادر إعلامية لبنانية تأكيدها أن فرنجية أصبح الأوفر حظا بعد الاتفاق السعودي الإيراني.

أما فرنجية فقال إنه أكثر شخص مطروح للرئاسة وإذا لزم الأمر سأعلن ترشيحي، وأضاف في ظهور له على قناة “الجديد” اللبنانية أواخر نيسان/أبريل الماضي، أن “موضوع الرئاسة لبناني ومحلي، وموقفنا من السعودية تاريخي ومعروف ولم يمر بأي مرحلة سيئة، كما أن التفاهمات في المنطقة ستنعكس إيجابا على لبنان”، واعتبر أن الاتفاق السعودي الإيراني بأنه “سني-شيعي ويريح لبنان”، وقال “نراهن على هذا التفاهم إلى جانب الاتفاق السعودي السوري وعندما نتمنى أن لا يتم هذا الاتفاق كي لا ينعكس لمصلحة فريق في الداخل على آخر فهناك مشكلة”.

لكن في المقابل، تؤكد مصادر أخرى أن السعودية لم تعط بعد موقفها من ترشيح فرنجية، ويقول عضو “اللقاء الديمقراطي” اللبناني النائب وائل أبو فاعور: “لم نتبلغ أي موقف جديد من السعودية لا سلبا ولا إيجابا، والمملكة العربية السعودية تعيد قراءة موقفها من ترشيح سليمان فرنجية، ويؤكد ذلك الكاتب والمحلل السياسي اللبناني منير الربيع، الذي أشار في حديثه لـ”الحل نت” إلى عدم توفر المعلومات عن موافقة السعودية على ترشيح فرنجية.  

ماذا يعني وصول فرنجية للرئاسة؟

وصول فرنجية إلى سدة الحكم في لبنان، يعني عمليا تسليم لبنان إلى إيران، على حد تأكيد الكاتب اللبناني جيرار ديب، معتبرا في مقال له نشر على موقع “العربي الجديد” أن انتخاب فرنجية يعني تسليم لبنان إلى إيران، أي دخوله تحت مظلة النفوذ الإيراني في المنطقة.


الكاتب اللبناني يتطرق لوجهة نظر الفريق اللبناني المعارض، الذي يرى أن “فرنجية من ضمن المنظومة الفاسدة التي نهبت لبنان، وأن وصوله إلى الرئاسة مطلب من حليفه حركة أمل لمنع تطبيق قانون “التدقيق الجنائي” الذي أقره المجلس النيابي، لأن فرنجية كان مشاركا في أغلبية الحكومات منذ اتفاق الطائف في 1989، وأن على فريقه، شبهات فساد في ملفات كثيرة، ولديه وزراء عليهم عقوبات أمريكية بتهمة الفساد وهدر المال العام”.

على النسق ذاته يرى الكاتب اللبناني يوسف دياب، في حديثه لـ”الحل نت” أن وصول فرنجية التابع للمحور الإيراني الذي يقوده “حزب الله” في المنطقة، أي انتصار فريق على فريق لبناني آخر، وهو ما يتعارض مع الاتفاق السعودي-الإيراني الأخير، ودخول لبنان في معترك سياسي جديد.

بكل الأحوال، يقلل دياب من أهمية موافقة السعودية –إن تمت- على ترشيح فرنجية، لأن هناك قوى مسيحية تعارض ذلك، ويقول: “بتقديري لا يمكن أن تتراجع القوات اللبنانية عن سقفها المرتفع الذي رفعته بمواجهة فرنجية، وكذلك عن جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر”.

طبقا للكاتب اللبناني، فإن حظوظ فرنجية تكاد تكون ضعيفة، إلا في حال ضغط “حزب الله” بشكل غير متوقع على باسيل، وعند ذلك يكون “حزب الله” قد نجح في توفير الأكثرية النيابية لعقد جلسة في البرلمان (86 صوتاً)، وتأمين الغطاء المسيحي لفرنجية في مرحلة ما بعد الانتخاب، مقابل إعطاء فرنجية المكاسب لباسيل.

مهما كان الحال، يعتقد الكاتب اللبناني أن لبنان ماض نحو مزيد من التخبط والأزمات في المرحلة المقبلة.

المشاورات “المسيحية- المسيحية” مستمرة

موقع “المدن” اللبناني، كشف في وقت سابق، أن الاتصالات المسيحية -المسيحية قائمة، وآخرها ما يقوم به نائب رئيس مجلس النواب، إلياس بو صعب، الذي زار الضاحية الجنوبية مؤخرا. مضيفا أن “بعض المعلومات تقول إنه يستعد لزيارة معراب أيضا”.

“لا يقتصر التحرك على بو صعب وحده، فالتواصل بين نواب مسيحيين من الأحزاب وآخرين مستقلين مستمر” على حد تأكيد الموقع، الذي أشار إلى أن عددا من النواب أيضا يعمل على إجراء اتصالاته للوصول إلى قواسم مشتركة، مرتكزها الأساسي في ذلك يبقى بما يمكن أن يتفق عليه “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” وهذا لا يزال يحتاج إلى جهد كبير.


الكواليس اللبنانية تضج بالكثير من القراءات التي تشير إلى أن المعركة الرئاسية في ملعب المسيحيين، والذين بحال اتفقوا على مرشح يمكن أن يعملوا على إيصاله، لا سيما في حال كان مرشحا يحظى بمقبولية الأطراف الأخرى، لكن هذه المعادلة، يضيف الموقع: “ما سبق له نتائج سلبية أيضا-حتى الآن- على ترشيح سليمان فرنجية، والذي يتم الرد عليه سريعا بأنه لا يحظى بالغطاء المسيحي، وأن مقاطعة جلسات انتخابه ستبقي النصاب مفتقدا”.
 

حاجة لبنانية لتشكيل حكومة جديدة ورئيس جديد

رغم الحديث المتكرر عن جهود دولية وإقليمية لاحتواء الأزمة في لبنان والحاجة الملحة لذلك، إلا أن كل هذه الجهود فشلت حتى الآن.

الاقتصاد اللبناني في حالة من الفوضى والليرة مستمرة في التدهور بعد أن انخفضت قيمتها بأكثر من 200 في المئة، في حين بلغت نسبة البطالة 30 بالمئة ومؤشر التضخم في ارتفاع مستمر، في حين يقبع أكثر من 75 بالمئة من المقيمين على الأراضي اللبنانية في الفقر، في وقت تكاد تنعدم فيه برامج الحماية والمساعدة الاجتماعية وتتزايد نسب التفاوت في الثروات وترتفع معدلات الهجرة.

بمواجهة هذا الواقع، اقترحت الحكومة الحالية تدويل الأسعار أي اعتماد الدولار كعملة تسعير السلع الاستهلاكية، للتخفيف من التضخم، لكنه قرار من المرجح أن يرفع نسب الفقر، وفق تقرير نشرته قناة “فرانس 24” أواخر نيسان/أبريل الماضي.

“البنك الدولي” وصف الأزمة اللبنانية بأنها واحدة من أكبر ثلاثة انهيارات اقتصادية على مستوى العالم منذ خمسينيات القرن الماضي، وكلما طال أمدها اشتدت الخلافات السياسية وزادت صعوبة معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الملحة.

من خلال المؤشرات السابقة، يبدو أن الأزمة اللبنانية الاقتصادية والسياسية بدون أفق، ما يجعل من لبنان عرضة للمزيد من الانهيار الاقتصادي، في الوقت الذي تبقى فيه حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي مستمرة على رأس عملها، لكن بصلاحيات محدودة.   

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة