في انعكاس لتحسن العلاقات التي تربط تركيا بالعراق وإقليم كردستان رغم التوترات المرحلية، افتتح الجانبان معبرا حدوديا جديدا شمالي محافظة أربيل ضمن منطقة سوران الحدودية مع تركيا، الأمر الذي يمهد إلى زيادة التبادل التجاري البيني والنشاط السياحي، ويخدم مشروع طريق النقل البري (طريق التنمية) من ميناء الفاو على الخليج العربي إلى أوروبا الذي يطمح الجانبان للاستفادة منه.

المعبر الجديد الذي جرى افتتاحه رسميا في 10 أيار/مايو الحالي يعد الثالث الذي يربط إقليم كردستان العراق بجارته الشمالية تركيا، تأخر تنفيذه نحو عقد من الزمن، بسبب الأحداث التي عاشتها المنطقة بعد ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي والأزمات الاقتصادية التي ضربت الإقليم، حيث وقعت أربيل وأنقرة اتفاق افتتاح بوابة “زيت/كرانة” في العام 2014.

في المرحلة الأولى، سيتم تخصيص المعبر الجديد لحركة المسافرين فقط، على أن يخدم في المرحلة اللاحقة حركة الشاحنات التجارية.

من الجانب العراقي قال قائممقام منطقة سوران الحدودية العراقية، غفور أحمد، في مراسيم الافتتاح إن “إقليم كردستان سيشهد انتعاشا اقتصاديا وسياحيا، كما سيوفر فرص عمل لمواطني الإقليم، خاصة بالنسبة لأبناء المناطق القريبة من المعبر”.

أما عن الجانب التركي فقال مدير بلدية منطقة سوران هلكورد شيخ نجيب، إن “المنفذ سيخصص في البداية للحركة السياحية وسيتم توسيعه فيما بعد، وتحويله للاستخدام كمنفذ تجاري أيضا، ما يعزز حركة التنقل بين الجانبين، والعلاقات الاجتماعية”.

أنقرة وبغداد أعلنتا في آذار/مارس الماضي عن الاتفاق على مشروع لربط ميناء الفاو العراقي على الخليج العربي بالأراضي التركية عبر طريق بري لتسهيل حركة التجارة، تحت مسمى “طريق التنمية”.

طول الطريق المستهدف في المشروع المعلن  يبلغ نحو ألف كيلومتر يبدأ من موانئ البصرة أقصى جنوبي العراق المطلة على مياه الخليج العربي، وصولا إلى المثلث العراقي التركي السوري من جهة منطقة فيش خابور، ويبلغ الوقت المتوقع لقطعه في حال أنجز الطريق بين 12 و16 ساعة للسيارات، وأقل من ذلك للقطار في حال تم إنجاز سكة الحديد فعلا، والتي يوجد جزء كبير منها ويمكن أن يدخل ضمن خط الطريق بعد عمليات تأهيل تخضع لها.

عضو غرفة تجارة العاصمة بغداد، سلام العبيدي، قال في تقرير نشره موقع “العربي الجديد”، إن “الطريق في حال إتمامه يمكن أن يعود بإيرادات مالية ضخمة على العراق سنويا، على نحو مماثل لقناة السويس المصرية”، مضيفا أنه “فضلا عن تحول العراق لمنطقة نقل رئيسة بين آسيا وأوروبا، فإن السوق العراقية ستنتعش وسيكون هناك تنوع مهم يحتاج العراق له”.


بحسب مدير مركز “رامان للبحوث والاستشارات” الباحث الكردي بدر ملا رشيد، فإن افتتاح معبر زيت/كرانة من شأنه تخفيف الازدحام الشديد “التجاري” في معبر “إبراهيم الخليل”، مضيفا لـ”الحل نت” أن من المتوقع أن يتناقص الضغط الحاصل في معبر “إبراهيم الخليل” الذي كان يتسبب بتأخير الحركة التجارية وحركة المسافرين.

“للمعبر تأثيرات إيجابية على اقتصاد الجانبين، فجغرافيا من المتوقع أن تنشط الحركة السياحية والتجارية في المحافظات التركية الشرقية من جهة، ومن جهة أخرى مناطق إقليم كردستان في أقصى شرقه”، كما يؤكد الباحث، الذي يتوقع أن يقلل المعبر الجديد من الحركة المرورية بالنسبة للبضائع التي تستورد أو تصدر بين محافظات إيران الغربية والجنوبية وتركيا. 

أهداف اقتصادية


ملا رشيد يؤكد أن افتتاح المعبر يأتي لمواجهة محاولات سابقة لفتح معبر”أوفاكوي” ضمن محاولات الجيش العراقي و”الحشد الشعبي” في الوصول للحدود التركية دون المرور بالإقليم.


بلغة الاقتصاد، يرجح الباحث والخبير بالاقتصاد التركي يحيى السيد عمر، أن يزيد افتتاح المعبر حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي بلغ في الربع الأول من العام 2023 ، 3 مليارات دولار.

رئيس مجلس الأعمال التركي العراقي خالد أجار، كشف في تصريح أواخر العام 2022 أن بلاده والعراق يعملان على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى أكثر من 20 مليار دولار، مبينا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في الوقت الحالي يبلغ نحو 20 مليار دولار، فيما يواصل البلدان العمل على رفعه أكثر من ذلك.


“على الرغم من العلاقات السياسية المتذبذبة بين العراق وتركيا، وعلى وجه الخصوص حكومة إقليم كردستان، إلا أن للاقتصاد دور في تهدئة الخلافات السياسية، فخلال هذا العام وقعت الحكومة التركية مع نظيرتها الاتحادية في العراق على مشروع طريق التنمية، والذي يبدأ من البصرة وينتهي في تركيا مرورا بإقليم كردستان، وهذا المشروع يهدف لنقل البضائع من الخليج العربي برا عبر تركيا إلى أوروبا، فهو يعزز من موقع كل من العراق وتركيا كمحطات تجارية إقليمية رئيسة، وافتتاح المعبر الحدودي الحالي يصب في خانة هذا المشروع”، كما يؤكد السيد عمر لـ”الحل نت”.

بعد توقف لأكثر من شهر، جرى قبل أيام استئناف تصدير النفط من إقليم كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي، إثر توصل بغداد وأربيل إلى تسوية بشأن هذا الملف الشائك الذي سمم العلاقات بين الطرفين لسنوات.


إقليم كردستان أعلن عن التوصل لاتفاق مع بغداد بشأن “استئناف تصدير نفط الإقليم” عبر ميناء “جيهان” التركي، وإرسال طلب رسمي لتركيا بهذا الشأن، وكان الطرفان بانتظار “الرد التركي لاستئناف صادرات النفط”.


وكالة “فرانس برس” نقلت عن مسؤول كبير في وزارة النفط العراقية فضل عدم الكشف عن هويته، تأكيده أن مبلغ الغرامات التي ينبغي على تركيا دفعها قد يتخطى 1,8 مليار دولار، لكن ينبغي في المقابل أن توافق تركيا على هذا المبلغ.

لكن في أواخر آذار/مارس، نفى وزير الطاقة التركي فاتح دونميز أن يكون على بلاده دفع تعويضات بقيمة 1,4 مليار دولار للعراق.


حسابات متعلقة بإيران

بجانب الملفات الشائكة، تتزامن الخطوة مع تصاعد النفوذ الإيراني في العراق، حيث تسعى طهران، لدعم نفوذها السياسي بآخر اقتصادي، وهذا ما دفع تركيا لتعزيز حضورها الاقتصادي في العراق، خاصة أن العراق تحول لممر اقتصادي بري رئيس بين تركيا ودول الخليج بعد الحرب في سوريا.

لذلك فإن هذا المعبر يشكل بوابة جديدة لتركيا باتجاه العراق وباتجاه دول الخليج العربي، كما يشمل بوابة اقتصادية للعراق باتجاه تركيا وأوروبا، وهذا المعبر يعزز من التوجه الدولي الحالي باتجاه سلاسل التوريد الإقليمية، والتقليل من الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية، وفق تفسير السيد عمر.

على ذكر الحسابات المتعلقة بإيران، يتفق الأمين العام للتجمع العراقي الرافض للتوسع الإيراني عبد الرزاق الشمري، مع الرأي الذي يتحدث عن رغبة تركية بتعزيز الحضور الاقتصادي والسياسي في العراق عموما، وإقليم كردستان خصوصا، بمواجهة النفوذ الإيراني.

في حديثه لـ”الحل نت” يقول: إن “افتتاح المعبر هو محاولة تركية لكسب الإقليم وإبعاده عن النظام الإيراني”.

المعبر الجديد يخدم جملة أهداف للجانبين التركي والعراقي، ويبدو أن التحديات الاقتصادية التي فرضتها جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، قد زادت من أهمية التبادل التجاري المجاور، وخاصة في ظل تعطل سلاسل التوريد العالمي، دون إغفال الحسابات المتعلقة بإيران، التي دفعت أنقرة وأربيل إلى افتتاح المعبر الجديد.
    

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات