في الوقت الذي يتابع فيه العالم قمة مجموعة دول السبع التي عُقدت اليوم الجمعة، في مدينة هيروشيما باليابان، حيث أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المجموعة عقوبات جديدة للحد من قدرة روسيا على مواصلة حربها في أوكرانيا، كما برز أثناء الحديث أيضا اعتماد المجموعة لآلية جديدة لوضع حد “لابتزاز” الصين الاقتصادي واستمرار تمدد نفوذها.

إذ اجتمع رؤساء 7 من أغنى ديمقراطيات العالم لمناقشة تشديد الخناق على الاقتصاد الروسي والبحث في سبل مواجهة القوة العسكرية والاقتصادية المتنامية للصين، حيث تعتزم واشنطن فرض عقوبات جديدة على روسيا خلال قمة مجموعة السبع، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية.

لكن قبل ذلك، وبينما تطرق المسؤول الأميركي إلى أن العقوبات الجديدة تهدف إلى تقييد وصول روسيا إلى المنتجات الضرورية لتعزيز قدراتها القتالية في ساحات المعارك، اتفقت دول المجموعة السبت الماضي، على اعتماد آلية جديدة بحلول نهاية 2023، على أبعد تقدير لتنويع شبكات الإمداد الدولية، سعيا للحد من تبعيتها للصين في هذا المجال الاستراتيجي.

على ماذا تنص آلية مجموعة السبع؟

هذه الآلية تنص على منح مساعدات مالية للدول ذات الدخل المتوسط والمتدني وتبادل مهارات وإقامة شراكات معها لمساعدتها على تولي دور متزايد الأهمية في هذه الآلية الأساسية للصناعة العالمية، وفق ما جاء في بيان صدر عن وزراء مالية الدول السبع في ختام اجتماع استمر ثلاثة أيام في نيغاتا بوسط اليابان.

كما تهدف الآلية إلى تعزيز “شبكة إمداد مقاومة وجامعة”، أو “رايز” بحسب الأحرف الأولى لاسمها بالإنكليزية، إلى مساعدة الدول على عدم الاكتفاء باستخراج المواد الأولية للصناعة؛ بل منحها القدرة على تحويلها محليا، ما سيجنّب إلى حد ما اللجوء إلى الصين لتأدية مثل هذه الخدمات.

بيد أن وزراء المالية في مجموعة دول السبع، لم يقدّموا هذه الآلية على أنها خطة معادية للصين، بل لم يذكروا الصين في بيانهم، لكنهم أشاروا إلى أن تنويع شبكات الإمداد يمكن أن يساهم في حماية أمن الطاقة ومساعدتنا في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وذلك في الوقت الذي جددوا فيه دعمهم لأوكرانيا، منددين بـ “حرب العدوان غير المشروعة وغير المبررة” التي تشنها موسكو، منذ أكثر من عام.

على هذا النحو، شكّل الاجتماع منتدى لتبادل الآراء قبل قمة قادة مجموعة السبع التي انطلقت أعمالها اليوم الجمعة، كما مثّلت أرضية للاتفاق على الملفات التي ستناقشها دول المجموعة والخطوات التي تتخذها في القمة؛ فبينما أكد اجتماع وزراء مالية مجموعة السبع الأسبوع الماضي، على تصميمها التصدي لأي محاولة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها المجموعة على روسيا، سرعان ما جاء الإعلان عن فرض عقوبات جديدة للحد من قدرة روسيا خلال القمة التي حضرها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

حول ذلك، أوضح المهتم بالشأن الاقتصادي صالح الجبوري، أن مساعي مجموعة دول السبع بهذه السرعة والتكافل، يعني إدراك لغزو الصين الاقتصادي الذي باتت تمارسه من سنوات ليست بالقليلة لكل العالم، حيث تسعى بكين التي باتت صناعاتها في كل مكان في العالم لا أن تصنع المواد الرديئة فحسب، بل تريد السيطرة على سلاسل التوريد العالمي، وذلك من خلال عدة مجريات، أبرزها “مبادرة الحزام والطريق”.

الجبوري وفي حديث لموقع “الحل نت”، قال إن الصين التي تجاوزت كل الأعراف الصناعية والتطويرية في العالم من خلال سرقة الأفكار واستنساخ التجارب والصناعات، من دون أي احترام أو مراعاة لأنظمة وقوانين الحقوق المُلكية والفكرية، يبدو أن ذلك أوهمها بأنها قادرة أن تكون مرتكز صناعي واقتصادي محوري في العالم، غير أن ذلك مستبعد تماما، لعدة أسباب من بينها أولا عدم القدرة على الابتكار، أو مجاراة الابتكارات الرصينة في العالم، ولذلك هي تلجأ للتقليد.

ما فائدة آلية مجموعة دول السبع؟

بالتالي أن دولة من هذا النوع، بحسب الجبوري، من الصعب تحولها إلى محور اقتصادي بمواجهة اقتصاديات كبرى مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، لكن أن صناعاتها الرديئة هذه باتت تشكل خطرا عالميا، بخاصة وأنها تعتمد على قلة تكاليف الإنتاج، والأسعار الرخيصة، لذلك يبدو أن مجموعة دول السبع تعتقد أن الوقت قد حان لوضع حد لهذه الأنشطة التي تحاول بكين من خلالها التوسع سياسيا حول العالم.

قادة دول مجموعة السبع/ (AP)

المهتم بالشأن الاقتصادي لفت، إلى أن الصين والنظام الصيني باتوا يراهنون على أن بضائعهم هذه التي يحاولون من خلالها استقطاب العالم الاستهلاكي، بإمكانها أن تسمح لهم في التوسع عبر دول العالم استنادا إلى الحاجة العالمية لهذه البضائع، وهو ما تحاول بكين ترجمته من خلال “مبادرة الحزام والطريق” التي تسعى من خلالها تكريس نفوذها على نطاق واسع من شرق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.

كما بين، أن الحزب “الشيوعي” الحاكم في الصين يحاول جاهدا فرض الوجود الصيني على أنه قطب عالمي، لكنه يعي جيدا أن ذلك غير صحيح، لذلك هو يحاول تعزيز قوة الصين الاقتصادية بكل الطرق غير الشرعية، وهذا ما بات لا يحتمل على مستوى الدول الصناعية الأخرى مثل مجموعة دول السبع التي عبرت عن موقفها بضرورة إيجاد حل نهائي لذلك.

كذلك أوضح الجبوري، أن آلية مجموعة دول السبع، تضرب المخطط الصيني في الصميم، إذ إنها تعالج الثغرة التي تستغلها الصين، وهي الحاجة العالمية للسلع الاستهلاكية، بالتالي أن هكذا آلية تعمل على تمكين هذه الدول يعني أنه سيقطع الطريق على البضائع الصينية، ومن ثم سينعكس ذلك على مستوى حركة الاقتصاد الصيني بشكل مباشر. 

هذا وبالعودة إلى المسؤول الأميركي الذي تحدث لوكالة الصحافة الفرنسية، فقد أشار إلى أن العقوبات المتخذة حديثا ستمنع نحو 70 كيانا من روسيا ودول أخرى من الحصول على الصادرات الأميركية عبر إدراجها في اللائحة التجارية السوداء، إضافة إلى نحو 300 عقوبة جديدة ضد أفراد وكيانات وسفن وطائرات.

في السياق، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك على هامش قمة مجموعة السبع حزمة عقوبات جديدة على قطاع التعدين في روسيا، لتضييق قدرة موسكو، على تمويل الحرب بأوكرانيا، في حين أكد رئيس “المجلس الأوروبي” شارل ميشال، السعي لتشديد العقوبات على روسيا لتشمل قطاع تصدير الألماس، وذلك بالتنسيق بين “الاتحاد الأوروبي” والدول الصناعية السبع.

مجموعة السبع تفرض عقوبات جديدة على روسيا

ميشال قال إن، من مصلحة “الاتحاد الأوروبي” الحفاظ على تعاون مستقر وبنّاء مع الصين، مشيرا على هامش القمة، إلى أن “الاتحاد الأوروبي” سيدعو الصين لتكثيف الضغط على روسيا لوقف عدوانها العسكري في أوكرانيا.

من وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى اليابان لحضور قمة مجموعة السبع/ إنترنت + وكالات

جاء ذلك عقب افتتاح محادثات القمة رسميا بعد ظهر الجمعة، عقب اصطحاب رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، قادة المجموعة في زيارة إلى “حديقة السلام” في هيروشيما لوضع أكاليل على النصب التذكاري لضحايا القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية عام 1948.

وسط ذلك، يجري الحديث عن أن رئيس الوزراء الياباني كيشيدا، الذي يتحدر من هيروشيما، حاول إدراج قضية نزع السلاح النووي في جدول الأعمال، حيث أصرّ على أن يزور القادة أيضا المتحف الذي يوثّق المعاناة والدمار الناجمين من القنبلة الذرية التي استهدفت مسقط رأسه.

لكن يبدو أن القمة لم تحتمل الخروج عن التركيز في ملف الصين، وكيفية تنويع سلاسل التوريد الحيوية بعيدا عن الصين وحماية القطاعات من “الإكراه الاقتصادي”، وذلك في الوقت الذي تصرّ فيه الدول الأوروبية على أن ذلك يجب ألا يعني قطع العلاقات مع الصين التي تُعد أحد أكبر الأسواق في العالم.

حيث قال المستشار الألماني أولاف شولتز، في حديث للصحافيين في هيروشيما؛ نريد تنظيم علاقات التوريد العالمية والعلاقات التجارية والاستثمارية بطريقة لا تزداد فيها المخاطر بالاعتماد على دول بعينها، في حين أكدت فرنسا أن قمة مجموعة السبع هذه لن تكون “قمة مواجهة” بل قمة للتعاون والبحث في المتطلبات لمواجهة الصين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة