في الوقت الذي تستعد فيه القوى السياسية العراقية لانتخابات مجالس المحافظات وما يفترض أن يليها من الانتخابات البرلمانية، اختير القاضي عمر أحمد محمد رئيسا جديدا لـ “المفوضية العليا للانتخابات”، خلفا لرئيسها السابق جليل خلف، الذي قدم استقالته الشهر الماضي بسبب ضغوط سياسية.

وفقا لبيان صدر عن “المفوضية العليا للانتخابات”، فقد جرى التصويت، في اجتماع عُقد أول أمس الثلاثاء، على اختيار القاضي عمر أحمد محمد رئيسا لمجلس المفوضين خلفا للقاضي المستقيل جليل عدنان خلف، كما اختير القاضي فياض ياسين حسين نائبا لرئيس المجلس، وحصل كلاهما على ثقة المجلس بإجماع الحاضرين.

ذلك يأتي بعد أن قدم الرئيس السابق للمفوضية، الشهر الفائت، استقالته بحسب المعلومات المتداولة عن مصادر سياسية عراقية، في خطوة استباقية، لمحاولات إقالته من منصبه، عقب تلويح قوى سياسية فاعلة بذلك، والحديث عن إعادة تشكيل مجلس المفوضية قبيل انتخابات مجالس المحافظات المقررة في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

ما وراء استقالة الرئيس السابق

لجوء القاضي خلف الذي تم تعيينه رئيسا لـ “مجلس المفوضين” في عام 2020 إلى الاستقالة، يأتي بعد فترة قصيرة من نجاح تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم جميع القوى الشيعية الموالية لإيران، باستثناء “التيار الصدري”، بتمرير تعديلات أثارت الجدل في قانون الانتخابات، حيث تمكن من إعادة العمل بقانون “سانت ليغو” الذي أُلغي العمل به، واستُبدل بقانون 2020، بضغط من الحراك الاحتجاجي الذي اجتاح البلاد في أواخر العام 2019.

في حين يتزامن اختيار القاضي عمر أحمد محمد رئيسا جديدا للمفوضية، مع دعوات لقوى سياسية مختلفة بضرورة إجراء تغييرات على “المفوضية العليا للانتخابات”، قبل إجراء انتخابات مجالس المحافظات، وجاء الإعلان عن ذلك ضمن حراك سياسي وحكومي واسع في البلاد، الأمر الذي بدى أن تحالف “الإطار التنسيقي” الحاكم والذي يضم جميع القوى الشيعية الموالية لإيران، باستثناء “التيار الصدري”، يحاول استباق انتخابات المحافظات بإجراء تعديلات داخل المفوضية بما يخدم أجنداته، لاسيما بعد تمرير تعديلات أثارت الجدل في قانون الانتخابات.

بعد الانتخابات السابقة، عقب الخسارة الفادحة التي تكبّدتها القوى السياسية المنضوية في تحالف “الإطار التنسيقي”، مقابل الفوز الساحق الذي حققه غريمهم من البيت الشيعي “التيار الصدري” متصدرا نتائج الانتخابات أولا، سرعان ما وجهت تلك القوى أصابع الاتهام إلى المفوضية في التلاعب بنتائج الانتخابات، بعد تحميل قانون الانتخابات جزء من تلك الخسارة، ولذلك وضع “الإطار” ضمن أولوياته في تولي السلطة؛ تعديل قانون الانتخابات ومن ثم إعادة النظر في المفوضية الانتخابية، وهو ما حصل فعليا.

بالتالي، فإن انتخابات مجالس المحافظات تشكّل أهمية كبيرة تناهز أهمية الانتخابات التشريعية، بالنسبة للقوى السياسية، ذلك لأن هذه المجالس هي التي تتولى اختيار المحافظ ونائبيه وإعداد موازنة المحافظة في ضوء ما تخصصه الحكومة المركزية لها من اعتمادات مالية، ولتلك المجالس الحق في إقالة المحافظينَ ورؤساء الدوائر، ويجري اختيار تلك المجالس بناء على حجم التركيبة السكانية لكل محافظة.

لذلك تحرص قوى “الإطار” في هذا التوقيت على إجراء تعديلات بـ “المفوضية العليا للانتخابات”، لضمان السيطرة على هذه المجالس، لاسيما بعد نجاحها في تمرير تعديلات قانون الانتخابات، وهو ما يجعل الساحة مهيأة لها في إعادة ثقلها النيابي والسياسي الذي فقدته في الانتخابات السابقة.

وجهة نظر سياسية

في غضون ذلك، تحدث موقع “الحل نت”، مع الخبير السياسي داود القيسي، وقال إن ما يجري في قضية المفوضية الانتخابية هو جزء من مشروع توافقي بين القوى السياسية؛ يبدأ من الاتفاق حول كسر إرادة العراقيين وتغير القانون الانتخابي الذي اختاره، والعودة إلى قانون “سانت ليغو” الذي يخدم المصالح الحزبية والزبائنية، وصولا إلى إعادة رسم خارطة المفوضية الانتخابية.

مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات/ إنترنت + وكالات

إذ لا يستطيع تحالف “الإطار” وحده، بحسب القيسي، المضي بمثل هذه الخطوات، بل أنه يحتاج إلى ضوء أخضر من باقي القوى السياسية، التي لن توافق على أي خطوة ما لم تضمن مصالحها، وبناء على ذلك فإن هذه القوى السياسية تريد العودة بالمفوضية الانتخابية إلى سابق عدها، وهو العمل بمبدأ المحاصصة، وأن يتشكل مجلس المفوضين من أطراف حزبية تضمن للقوى السياسية تواجدها داخل المفوضية.

بناء على كل ما تقدم؛ أكد القيسي أن استقالة رئيس المفوضية جاءت على هذا الأساس، بيد أن إعادة انتخاب رئيس جديد من داخل المفوضية، يؤشر على عدم نجاح القوى السياسية في التوافق على شخصية معينة لتأتي به لرئاسة المفوضية، ما دفعها كحل وسط اللجوء مرة ثانية لأن يكون الرئيس من داخل المفوضية وبتصويت مجلس المفوضين، مبينا أن ذلك قد يكون بضغط أممي على اعتبار أن المفوضية الحالية كانت قد تلقت دعما كبيرا من البعثة الأممية في العراق.

المحلل السياسي، لفت إلى أن ما يحصل حول المفوضية الانتخابية، بأن القوى السياسية تحاول إحكام قبضتها على المفوضية من خلال المحاصصة لغرض تأمين مستقبلها السياسي وصياغة تعليمات بما يتوافق مع توجهات الناخب، وأيضا فيما يرتبط بتحديد وتعين المراكز الانتخابية وحدود المناطق وبما يرتبط بتخفيف حدة الإجراءات التي يمكن أن تتخذها المفوضية تجاه الأخطاء أو القيام بتزوير معين بمكان معين، ولذلك يمثل هذا الاندفاع للسيطرة على المفوضية محاولة لضبط عملياتها الانتخابية بشكل تام.

يتزامن ذلك مع إعلان مفوضية الانتخابات في العراق، الأحد الماضي، منح إجازات لـ 68 حزبا سياسيا جرى تسجيلها ككيانات سياسية، في إطار الاستعداد للمشاركة في الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في الـ 6 من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

حيثيات الانتخابات و”مجلس المفوضين”

في آذار/مارس الماضي، صوت مجلس النواب على تحديد 6 نوفمبر موعدا لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، وتشمل هذه الانتخابات 15 محافظة من أصل 18 محافظة، إذ إن هناك ثلاث محافظات ضمن إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي غير مشمولة بذلك.

فرق مفوضية الانتخابات تقوم بفرز نتائج التصويت/ إنترنت + وكالات

فيما ستكون هذه أول انتخابات مجالس محافظات محلية تُجرى في العراق منذ نيسان/أبريل 2013 حين تصدّرت القوائم التابعة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي النتائج. وقبل ذلك، أُجريت انتخابات مجالس المحافظات في عام 2009 فقط. 

وسط ذلك الجدير بالذكر، أن “مجلس المفوضين” في “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات”، يتكون من تسعة أعضاء؛ وهم خمسة من قضاة الصنف الأول يختارهم “مجلس القضاء الأعلى” من مجموع المرشحين، واثنان من قضاة الصنف الأول يتم اختيارهما أيضا من قبل “مجلس القضاء الأعلى” من بين مرشحين يرسلهم “مجلس القضاء” في إقليم كردستان، واثنان آخران من أعضاء “مجلس الدولة” من المستشارين يتم ترشيحهم من قبل “مجلس الدولة” واختيارهما من قبل “مجلس القضاء الأعلى”.

“القضاء الأعلى” يقوم باختيار أعضاء “مجلس المفوضين” بالقرعة المباشرة، بحضور منظمة “الأمم المتحدة” ومن يرغب من وسائل الإعلام والمنظمات والنقابات، وتكون ولاية أعضاء “مجلس المفوضين” لمدة أربع سنوات غير قابلة للتمديد، بدءا من تاريخ إصدار المرسوم الجمهوري، ويُعد رئيس “مجلس المفوضين” هو الممثل القانوني للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهو يتولى إدارة أعمال المجلس التنظيمية والإدارية، والدعوة إلى عقد اجتماعات المجلس وترؤسها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات