مع تجدد مستمر للوجوه النيابية في ثلاثة مجالس تشريعية في الكويت خلال السنوات الأربع الأخيرة، دون تحقيق لأي تقدم أو إنجاز يذكر، أدى هذا الواقع المربك إلى تراجع حماسة التغير عند جزء كبير من الناخب الكويتي الشاب الذي فقد ثقته بالمرشحين للانتخابات الكويتية.

آمال الشباب في إيصال صوتهم عبر المجلس وحل قضاياهم العالقة يبدو أنها أصيبت بانتكاسة، فتطلّعاتهم خاصة بالنسبة لدعم التوظيف وقطاعات التعليم والترفيه فضلا عن طلب معلن منذ سنوات لإنقاذ مبادرات الشباب في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لا يبدو أن هذه التطلعات تحققت رغم وعود عشرات المرشحين السابقين بذلك.

إذ إن الطريق نحو “مجلس الأمة” الكويتي لطالما سلكه أغلب المرشحين عبر التنافس على طرح وإثارة مشاكل المواطن لكن مع محدودية تقديم الحلول البديلة، أو برامج عمل واضحة تتضمن آليات تحقيق الوعود الانتخابية التي عادة ما تكون شعبوية وتنقصها الواقعية والقدرة على التطبيق، وهو ما سمح برصد أزمة ثقة بين جمهور الناخبين خاصة الشباب والمرشحين سواء المستجدين أو المعروفين، وذلك حسب ما نقله مركز “الخليج العربي للدراسات والبحوث”.

أزمة تلد أخرى

كانت هناك إرادة في الكويت للخروج من النفق السياسي المعتم، خصوصا أن البلاد شهدت مشادات سياسية جمّدت الإصلاحات الاقتصادية وأضرّت بالعملية السياسية برمتها، وعلى وقع تلك الأزمة أعلن ولي العهد مشعل الأحمد الصباح، يوم 22 حزيران/يونيو 2022، حل “مجلس الأمة”، وأطلق على الفترة المقبلة “تصحيح المسار”، وأشار إلى أن المشهد السياسي تمزّقه الاختلافات، وتدمّره الصراعات، وتسيّره المصالح والأهواء الشخصية على حساب استقرار الوطن وتقدمه وازدهاره، ملقيا باللوم على السلطتين التشريعية والتنفيذية في هذا الوضع. وفقا لما نقلته جريدة “الشرق الأوسط”.

انتخابات الكويت/رويترز
انتخابات الكويت/رويترز

في 24 تموز/يوليو 2022، أصدر أمير الكويت نواف الأحمد الصباح، أمرا بتعيين أحمد نواف الأحمد الصباح رئيسا جديدا للوزراء، ليحلّ محل رئيس وزراء الحكومة المستقيلة صباح الخالد، الذي واجه خلافات مستحكمة مع المعارضة في المجلس، أدت لتقديم استقالته 4 مرات، منذ تشكيله أول حكومة في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

إلا أنه بعد تشكيل الحكومة الجديدة، مطلع آب/أغسطس 2022، وعقدها اجتماعها الأول، رفعت مرسوم حل “مجلس الأمة”، في الثاني من الشهر ذاته، بعد ساعات من أداء الحكومة الجديدة القسم الدستوري؛ ما أوقعها في معضلة دستورية، وهي انتفاء سبب حل المجلس لكون رئيس الحكومة للتو قد تم تكليفه تشكيل الحكومة.

 من جانبه صرح رئيس “مجلس الأمة” السابق مرزوق الغانم، في 5 نيسان/أبريل الماضي، بأن “مَن يفقه أبجديات التشريع والدستور والقوانين يعلم تماما أن الخلاف وعدم التعاون بين مجلس الأمة والحكومة ينتهي أمره ويزول أثره بمجرد تكليف رئيس وزراء جديد”.

تراجع سقف الطموحات

وسط توقع تراجع سقف طموحات الشباب الكويتي من إمكانية التغيير وتحقيق تطلعات الشعب عبر المجلس الجديد، لا يتم استبعاد فرضية أن يكون أساس خيار جزء من الكويتيين للنواب حسب العاطفة وليس القناعة، فهناك خشية أن يندفع جزء من الناخبين وسط ضبابية شعارات المرشحين إلى خيار التصويت لا على حسب القدرة على تحقيق الوعود الإصلاحية والطموحات، وإنما حسب الولاءات الضيقة في ظل اصطدام الشباب بحقيقة استمرار الصراع المزمن بين السلطتين بسبب تهميش الإصلاح الهيكلي الذي يضمن التوافق بين الحكومة والمجلس لخدمة الصالح العام، وفقا لمركز “الخليج العربي للدراسات والبحوث”.

اندفاع الشباب للتصويت قد يتوقف على قدرة آلة الدعاية التي يعتمدها بتباين المرشحين في الاستقطاب الانتخابي وحسب الرمزية الكاريزمية لكل مرشح القادرة على حشد الأنصار واقناعهم. لكن ذلك لا ينفي وجود خشية من العزوف رغم الدعوات التي تحث على المشاركة.

المحلل السياسي ناصر المطيري يرى بأن ظاهرة التصويت حسب الولاءات الضيقة موجودة لأن الانتخابات تجري وفقا للصوت الواحد، يعني هناك ممثلون لقبائل في الكويت وهناك ممثلون لتيارات سياسية وهناك ممثلون لطوائف دينية.

أي هنالك عنصر ارتكاز رئيسي في تحديد خيارات الكثير من المرشحين، وفق المطيري، وإن كان هناك حالة من الوعي ترتفع قليلا في المرحلة الحالية تجاه التصويت للمرشح الذي يقدم برنامج وطني، أو الذي ينتهي نهج إصلاحي يكسب من خلاله ثقة الناخبين، ومن لديه طرح سياسي متميز، إلا إنه لا يزال موضوع المصالح الضيقة والانتماءات القبلية والطائفية والفئوية وغيرها، مؤثر كبير في عملية الاختيار بالنسبة للناخبين لـ “مجلس الأمة”.

المطيري يُرجع خلال حديثه لـ”الحل نت” بتراجع ثقة الناخب الكويتي الشاب بالمرشحين لعضوية المجلس، لأمور منها الطرح الشخصاني وأيضا الصراع السياسي الذي يقوم على الاستقطاب السياسي بين الشخصيات المتنفذة، إضافة لوجود حالة من عدم الثقة ببعض النواب وبعض الشخصيات السياسية التي بدأت تنقلب على مواقفها ومبادئها السابقة، وتتغير مع تغير المصالح، وهذا أصبح شيء ملحوظ لدى الجميع خصوصا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وكشف تناقص التصريحات بين فترة وأخرى.

المطيري يشير أيضا إلى أن عدم وجود برنامج وطني يُطرح حاليا في الانتخابات، هو أحد الأسباب المهمة لتراجع ثقة الشباب والمواطنين بالمرشحين ونواب “مجلس الأمة”، كل ما يطرح هو محاولة استقطاب الناخبين عبر مصالح ضيقة قبلية طائفية وفئوية وغيرها.

تعمق المشكلة

شخصنة المنافسة زادت من ضبابية خيارات الناخبين حول المرشح الأصلح والأنجع. كما أن أزمة تكرار حل “مجلس الأمة” أو إبطاله من شأنها أن تؤثر سلبا على حافز التصويت. حيث بدأت تسود حالة من عدم اليقين باستقرار المجلس الجديد من عدمه، لتظهر حالة من الخشية الشعبية إزاء التعود على فكرة المجلس المؤقت والنائب المؤقت، ما يعني عدم القدرة على الإيفاء بالوعود الانتخابية.

الخطاب الانتخابي لعدد كبير من المرشحين طغى عليه مضمون التشكيك والانتقاد المسترسل الذي استهدف الأشخاص أكثر من السياسات. كما غاب عنصر الابتكار والأفكار الجديدة في البرامج الانتخابية المعروضة مع تكرار التركيز على إثارة القضايا العالقة دون حلول واقعية لحسمها، وفقا لمركز “الخليج العربي للدراسات والبحوث”.

هاجس حل “مجلس الأمة” بات فرضية يخشى تكرارها الكويتيون. لكن يبدو أن الغالبية منهم بدأت في التعود عليها مع ظهور سلوك غير مكترث بالانتخابات. الا أن مثل هذه الفرضية قد تمنح أيضا تبريرا لبعض المرشحين للتنافس على عضوية المجلس فقط من أجل جني مصالح فردية مؤقتة في ظل اعتقاد سائد بمحدودية مدتهم النيابية وعدم استقرار المؤسسة التشريعية.

على صعيد آخر، شكّل غياب الأحزاب والائتلافات البرلمانية التقليدية واقعا لا يمنح للنواب قدرة كبيرة على تحقيق الوعود الانتخابية خاصة في ظل استمرار علاقة السلطتين القائمة على التنافس بدل التوافق ورغبة حكومية مزمنة لتطويع المجلس لتحقيق أهدافها وليس العكس. 

في موازاة ذلك يرى المحلل السياسي ناصر المطيري بأن تكرار حل “مجلس الأمة” تنعكس آثاره على إقبال الناخبين على التصويت في المرحلة القادمة، إذ إن تكرار حل المجلس خلال الثلاث سنوات الماضية، شكل إرهاق سياسي للناخب الكويتي، وحالة من عدم الاستقرار السياسي ما أدى لإحداث حالة من الإحباط والتململ تجاه التعاطي السياسي والتفاعل مع الحدث الانتخابي، وهذا له عواقب سلبية على التجربة الديمقراطية والانتخابية في الكويت.

من جهة أخرى، يقول المطيري بأن الدعاية الانتخابية اليوم لها دور أساسي في العملية الانتخابية، إذ تغيرت الأدوات الدعائية مع تطور التقنيات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح المرشحون يواكبون هذه التطورات من خلال اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي وربما الابتعاد قليلا عن الوسائل الإعلامية التقليدية من الصحف والمحطات التلفزيونية وغيرها.

شروط الترشح

“إدارة شؤون الانتخابات” التابعة لوزارة الداخلية الكويتية، بعد صدور مرسوم أميري، مطلع الشهر الجاري، بدأت بالدعوة إلى الانتخابات التشريعية، وتحديد موعد الاقتراع في 6 حزيران/يونيو المقبل، في استقبال المرشحين لـ “مجلس الأمة” ممن تنطبق عليهم الشروط التي ينص عليها القانون الكويتي، ضمن مدة محددة في مقرها بمنطقة الشويخ السكنية.

انتخابات مجلس الأمة الكويتي/AFP via Getty
انتخابات مجلس الأمة الكويتي/AFP via Getty

بحسب القانون الكويتي، يجب أن تتوافر لدى الراغبين في الترشح لعضوية المجلس شروط عدة أبرزها أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقا للقانون، وأن يكون اسمه مدرجا في أحد جداول الانتخاب، وألا يقل سنّه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية، وأن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها، وألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو بالأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره”. ويحرم القانون من الترشح كل من “أُدين بحكم نهائي في جريمة المساس بالذات الإلهية والأنبياء والذات الأميرية”، بحسب جريدة “القبس” الكويتية.

في ذات السياق يتكون “مجلس الأمة” الكويتي من 50 عضوا يُنتخبون عبر الاقتراع السري المُباشر، وتنقسم الدوائر الانتخابية في الكويت إلى خمس، تنتخب كل دائرة منها عشرة أعضاء، ويحق للناخب الإدلاء بصوت واحد فقط لمرشح واحد.

فحيث استمرت برامج الإصلاح هامشية وليست هيكلية، فإن دور النواب علاوة على المساهمة سواء في اقتراح قوانين كثير منها لا يطبق أو المسائلة والاستجوابات وكثير منها ينتهي باستقالات الحكومات وتقديم وثيقة عدم التعاون،

أخيرا، يرى مراقبون للشأن الكويتي بأنه في حال استمرت برامج البرلمانيين الإصلاحية هامشية وغير هيكلية، سواء كانت باقتراح قوانين لا يطبق كثير منها أو بالاستقالات المتكررة لبعضهم أحيانا وغيرها من الأمور الأخرى، كل ذلك يجعلهم غير قادرين على تلبية تطلعات الكويتيين في وجود مجلس للأمة مبني على هيكلية تحقق هذه التطلعات وبالتالي يؤدي ذلك إلى عدم استقرار سياسي للبلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات