بينما يجد المصريون أنفسهم أمام أوضاعا اقتصادية صعبة تصاعدت تدريجيا من العام 2016، وتجلت بشكل حاد في آخر عامين، يبدو أن الحكومة المصرية تحاول إيجاد مخرج للبلاد من هذه الأزمة المستمرة، وهذه المرة عبر محاولتها دعم وتعزيز مناخ الاستثمار وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة وغير المباشرة، من خلال إصدار جملة قرارات، آخرها منح المستثمرين الأجانب إقامة لمدة عام قابلة للتجديد.

حيث أعلنت الحكومة المصرية، عن منح وزارة الداخلية المصرية، المستثمرين الأجانب المتقدمين للهيئة العامة للاستثمار، إقامة لمدة عام لغير غرض السياحة، قابلة للتجديد لمدة 6 أشهر أو عام إضافي خلال فترة تأسيس الشركات والكيانات الاقتصادية، لتسهيل إجراءات تأسيس المشروعات الاستثمارية وجذب الاستثمارات الأجنبية للبلاد.

ذلك جاء في سياق تبني الحكومة المصرية رؤية خاصة لتعظيم مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، إذ اتخذت في سبيل ذلك عددا من المبادرات التحفيزية التي من شأنها تذليل العقبات أمام المستثمرين، كان آخرها موافقة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الثلاثاء الماضي، على قائمة بـ 22 قرار جديد تم اتخاذهم خلال أعمال الاجتماع الأول لـ “المجلس الأعلى للاستثمار” بعد إعادة تشكيله.

قرارات في صالح تعزيز الاستثمار المصري 

إلى ذلك، وأِثناء ما يمر به الاقتصاد المصري من صعوبات ومعوّقات، تعول الحكومة المصرية على تلك القرارات، إلى جانب قرار منح الإقامة للمستثمرين الأجانب، بما تضمنته من إجراءات تشريعية وتنفيذية على أرض الواقع، للمساهمة بشكل فعّال في إنهاء المشكلات التي يواجهها المستثمرون بالقطاع الخاص، لا سيما فيما يتعلق بتأسيس الشركات، وتخصيص الأرض، وتصريح مزاولة النشاط، وكذلك تشغيل المشروعات في ظل بيئة شفافة وأطر قانونية مستقرة.

بناء على ذلك، بيّنت الحكومة المصرية، أن “قرار منح الإقامات يأتي في إطار تيسير الإجراءات المتعلقة بتأسيس المشروعات الاستثمارية وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للبلاد”، وذلك في ظل المعاناة القاهرة من شح العملة الصعبة، الأمر الذي يزيد الضغط على سعر صرف الجنيه المصري، ما يثير تساؤلات عن انعكاس هذه الخطوة على الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، وعلى أسعار صرف الدولار أمام الجنيه المصري الذي فقد الكثير من قيمته أمام الدولار.

تلك الخطوات والإجراءات المصرية في مجال تعزيز الاستثمار، يتوقع لها أن تؤثر في مؤشرات الاقتصاد الكلي كافة، وبما ينعكس على الناتج القومي الإجمالي وعلى سعر صرف العملة لجهة زيادة المعروض من العملات الصعبة، وزيادة الإنتاج، وبالتالي تقليل فاتورة الواردات وزيادة الصادرات، إضافة إلى استيعاب عدد كبير من الوظائف وبما يؤثر إيجابا على معدلات البطالة.

حول نجاعة تلك الخطوات، وتداعياتها، يشرح خبير الاقتصاد أحمد القاروط في حديث لموقع “الحل نت”، أن قرار منح الإقامات للمستثمرين الأجانب، يُفترض أن يساعد بعدة أمور؛ أولا مساهمته في جذب العملة الصعبة لمصر، بما يعزز قوة العملة المحلية ويقلل كلفة الاستيراد للمواد الخامة التي تستوردها مصر، ما يعني تعزيز العجلة الإنتاجية وتنافسية البضائع المصرية لأغراض التصدير أو حتى على مستوى الاستهلاك المحلي.

لذلك، بحسب القاروط، تحاول الحكومة المصرية من خلال قرار منح الإقامة للمستثمرين الأجانب لمدة عام، في استقطاب المستثمرين لمصر، لما يسهّله عليهم الحصول على الجنسية المصرية في تعزيز استثماراتها، في حين يترتب على ذلك مكاسب سياسية واقتصادية للعاصمة المصرية القاهرة.

القاروط لفت إلى أن ذلك، لا يعني بالضرورة نجاح مصر في هذه السياسة، لسبب وجود محددات معينة، لذلك أن هذه الخطوات ليست بالضرورة أن تنتج تدفقات ضخمة على الاقتصاد المصري، وهو ما يفرض على الحكومة المصرية مسؤوليات، بأن تحاول أولا استعادة جزء من استقرارها المالي، لما في ذلك أهمية في التخفيف من المحفزات السلبية.

بدوره، قال خبير الاقتصاد المصري، مجدي عبد الهادي، إن إنعاش الاقتصاد لا علاقة له بمنح المستثمرين إقامات لمدة عام، لأن الإقامة ليست المشكلة حتى بالنسبة لأصغر مستثمر يستهدف مصر، وفي نيّته إنفاق مئات الآلاف من الدولارات في الاقتصاد، لذلك فإن هذه الإجراءات لا تمثل سوى محاولات يائسة للنهوض بواقع الاقتصاد بمحفزات ضعيفة جدا وربما وهمية، خصوصا إذا كانت ضمن سياق غير موات من جهة سمعة الاقتصاد الائتمانية وتوقعاته المستقبلية، فضلا عن مناخه الاستثماري الذي لا يمكن علاجه بمجرد إصدار حزمة قوانين جديدة أو طرح مجموعة مُحفزات أخرى نقدية أو إدارية.

إلى ماذا تحتاج القاهرة للنهوض بقطاع الاستثمار؟ 

عبد الهادي وفي حديث لموقع “الحل نت”، بيّن أن، أهم المحفزات من وجهة نظر المستثمر الخاص والجاد هي؛ أولا استقرار البيئة الاقتصادية والقانونية باستقرار العملة الوطنية والتوقعات الائتمانية، والمؤشرات الاقتصادية الكلية، وتأتي لاحقا قوانين ولوائح الاستثمار، وثانيا وضوح وحياد آليات التعامل من جهة قابليتها للتوقع والعمل على أساسها لسنوات قادمة، وثالثا عدالة السوق بغياب الاحتكار والمحسوبية.

مصر تقر مجموعة قرارات لتحفيز قطاع الاستثمار/ إنترنت + وكالات

كما أردف، أن هذه هي المحددات الأساسية التي تكفل للمستثمر الاطمئنان لتجميد رأسماله في أصول إنتاجية وفي أنشطة عينية حقيقية، وبأعمار افتراضية تتجاوز العقد أو العقدين أو الثلاثة، بدلا من أوضاع التشوش والغموض التي تجذب المضاربين ومستثمري “اخطف واجري” الذين لا يبنون اقتصادا، بل يمثّلون صورا من النهب الأكثر تحضرا، ففي ضوء هذا كله تتضح مدى ضآلة أهمية شيء كالإقامات.

أما فيما يتعلق بجذب العملة الصعبة، أشار خبير الاقتصاد المصري، إلى أنه ربما يكون الهدف من القرار هو كذلك، لكنه سيكون تفكير غير واقعي كونه لن يحل مشكلة مصر بالسرعة المطلوبة، فرفع التدفقات الإيجابية من الاستثمار الأجنبي المباشر هدف متوسط وطويل الأجل، لذلك لا يمكنه معالجة مشكلة قصيرة الأجل وعاجلة كمشكلة العملة الصعبة.

مستدركا في حديثه، بالقول، إن لدى مصر خبرة عقود في محاولة تحقيق هذا الهدف، أي جذب العملة الصعبة، لكنه دونما نجاح كبير، فأقصى ما حققته من استثمار أجنبي مباشر في الأعوام الماضية كان 9 مليارات عام 2019، وحوالي 12 مليار عام 2007، بالتالي لا يتوقع نجاح كبير سريع يعالج ضغط أقساط الديون العاجلة في المدى المنظور، وفي ضوء ذلك، فإنه لا يمكن لمثل هذا الإجراء محدود الأهمية، أن يغيير شيء جوهري في واقع مشكلة الاستثمار المصري بشكل خاص، ولا على مستوى الاقتصاد بشكل عمومي.

سبق ذلك، كانت الحكومة المصرية قد أقرت تسهيلات لمنح الجنسية للأجانب من خلال شراء عقار بقيمة لا تقل عن 300 ألف دولار، أو من خلال إنشاء أو المشاركة في مشروع استثماري بمبلغ لا يقل عن 350 ألف دولار، بالإضافة إلى إيداع 100 ألف دولار في خزينة الدولة أو مقابل وديعة بقيمة 500 ألف دولار من الخارج في أحد البنوك المصرية.

القرارات والإجراءات المصرية المتخذة بشأن القطاع الاستثماري، تأتي في أعقاب إعادة تشكيل الـ “مجلس الأعلى للاستثمار” برئاسة رئيس الجمهورية في نيسان/أبريل الماضي، وفقا للمادة 68 من قانون الاستثمار، والذي صدرت بموجبه هذه القرارات التي اشتملت مسألة إقامات المستثمرين.

بحيث تستهدف هذه القرارات تخفيض تكلفة تأسيس الشركات، والحد من القيود المفروضة على التأسيس والموافقات المطلوبة ومدة الحصول عليها، والتوسع في إصدار الرخص الذهبية، وتعزيز الحوكمة والشفافية والحياد التنافسي في السوق المصرية، وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج.

قرارات إضافة خدمة لاقتصاد القاهرة 

كما تضمنت قرارات “المجلس الأعلى للاستثمار” الذي يضم كلا من رئيسي الجمهورية و”مجلس الوزراء” والوزراء ورؤساء الهيئات المسؤولين عن إدارة الملفات الاقتصادية بالبلاد، بالإضافة إلى رئيس “مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية” ممثلا عن القطاع الخاص، ورئيس “الاتحاد المصري لجمعيات ومؤسسات المستثمرين”، الموافقة على مشروع قرار بإجراء تعديلات على بعض المواد القانونية التي تمنح معاملة تفضيلية للشركات والجهات المملوكة للدولة، بهدف تعزيز الحياد التنافسي في السوق المصرية.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يترأس اجتماع المجلس الأعلى الاستثماري/ إنترنت + وكالات

كذلك تضمنت حزمة القرارات، الموافقة على مشروع قرار يقضي بعدم السماح لأي جهة إصدار قرارات تنظيمية عامة تضيف أعباء مالية أو إجرائية، تتعلق بإنشاء أو تشغيل مشروعات تخضع لأحكام قانون الاستثمار، أو فرض رسوم أو مقابل خدمات عليها أو تعديلها، إلا بعد أخذ رأي
“مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار” وموافقة “مجلس الوزراء” و”المجلس الأعلى للاستثمار”.

جدير بالذكر، أن القرارات التي سبقت قرار منح الإقامة للمستثمرين، قد شملت؛ ترخيص مشروعات الصناعات القائمة على الغاز الطبيعي بنظام المناطق الحرة، وتحديد المدى الزمني لإتمام الموافقات كافة عند تأسيس الشركات، بالإضافة إلى إطلاق منصة إلكترونية موحدة لتأسيس المشروعات، وذلك بموازاة تعديلات تشريعية للتغلب على قيود تملك الأراضي، وتسهيل تملك الأجانب للعقارات.

أيضا، اشتملت على التوسع في إصدار الرخصة الذهبية، ونقل تبعية الأجهزة المنظمة بقطاعات المرافق بما يضمن استقلاليتها، وعدم منح معاملة تفضيلية للشركات والجهات المملوكة للدولة، فضلا عن إنشاء وحدة بـ”مجلس الوزراء” تتولى جمع بيانات الشركات المملوكة للدولة، مع إضافة قيد المستثمر الأجنبي بسجل المستوردين حتى وإن لم يحصل على الجنسية المصرية، بالإضافة إلى عدم إضافة أعباء مالية أو إجرائية تتعلق بإنشاء أو تشغيل مشروعات الاستثمار، مع تحديد ضوابط واضحة بحالات فرض الرسوم.

علاوة على ذلك؛ استحداث نظام مقاصة بين مستحقات المستثمرين وما عليهم من أعباء ضريبية، ورد ضريبة القيمة المضافة وتسريع الإجراءات خلال 45 يوما، كذلك الإعلان سريعا عن وثيقة السياسات الضريبة للدولة خلال الـ 5 سنوات المقبلة، وإنهاء تعديلات قانون تحويل الأرباح للشركات القابضة، مع تحديد ثلاثة أشهر فقط كمدة لصرف تعويض للمستثمرين في حالات نزاع الملكية.

يضاف إلى ذلك، التعاقد مع مكتب استشاري عالمي لوضع استراتيجية واضحة للاستثمار، مع تعديل تسع مواد من قانون المناطق الاقتصادية ومنح مزايا وإعفاءات إضافية، بالإضافة إلى تشكيل وحدة دائمة بـ “مجلس الوزراء” تختص بوضع سياسات وقوانين ولوائح الشركات الناشئة، مع تلقي شكاوى الشركات الناشئة ووضع حلول ملائمة لكل منها، واعتماد حزمة من الحوافز دعما لعدد من القطاعات والمشروعات، فضلا عن تكليف الحكومة بإعداد وتجهيز ما تم اعتماده من قرارات وتنفيذها في أسرع وقت.

جدير بالذكر، أن مصر تستهدف جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 10 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي 2022/2023، من خلال تنويع مجالات وفرص الاستثمار، والتركيز على جذب الاستثمار في قطاعات التكنولوجيا وتوطينها والصحة والتعليم والزراعة والمدفوعات والنقل والطاقة المتجددة والجديدة، وفقا لبيان سابق لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات