على وقع التقارب العربي الذي تشهده المنطقة مؤخرا، وفي خضم استمرار الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، زار رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، أمس الخميس مدينة جدّة السعودية، وذلك لترأس وفدٍ لبناني إلى اجتماعات الدورة الثانية والثلاثين لـ “مجلس جامعة الدول العربية” على مستوى القمة التي عُقدت بعد ظهر اليوم الجمعة.

كما سبقه إلى مدينة جدّة وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الذي انضم إلى اجتماع وزراء الخارجية، المخصص لمناقشة المقترحات والأفكار التي سيتضمنها البيان الختامي للقمة الذي سيُرفع إلى القادة العرب.

على هذا النحو، وفي ضوء محاولات خفض التوتر في المنطقة والتقارب الذي تجلّى في عودة سوريا إلى مقعدها في “جامعة الدول العربية”، يراهن البعض على ما يمكن أن يخرج عن القمة تجاه الملف اللبناني، وفي ظل التقارب السعودي الإيراني مؤخرا، والذي يُتوقع أن ينعكس على مستوى الوضع في لبنان، لاسيما وأن للسعودية خطوات سابقة تجاه محاولات إنهاء حالة الأزمة في لبنان.

أهداف زيارة ميقاتي إلى جدة ومشاركته اجتماع “الجامعة العربية”

إلى القمة العربية في دورتها الـ32 يحمل ميقاتي خمسة ملفات سيطرحها في اللقاءات الثنائية، بحسب مصادر مقربة منه، تحدث لوسائل إعلام، حيث سيشير إليها بشكل مختصر في كلمته الرسمية، إذ سيطلب أولا من “جامعة الدول العربية” المساعدة في عملية انتخاب رئيس للجمهورية، بعيدا عن تدخلات أي جهة في اتخاذ القرار عن اللبنانيين، بل سيطلب ذلك في إطار المساعدة، متفائلا بالتقارب الإيراني السعودي، وما لإيران من تأثير على “حزب الله” اللبناني، الذي يعقّد مسألة استحقاق رئاسة الجمهورية في لبنان منذ أشهر طويلة.

كما سيؤكد ميقاتي سياسة النأي بالنفس وموقف لبنان الرسمي في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية؛ أي سوريا واليمن، وفضلا عن مطالبة الدول العربية وخصوصا الأعضاء في اللجنة المخصصة للبحث بالملف السوري، بتأمين عودة سريعة وآمنة للنازحين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية، بعد أن أعلن في أكثر من مناسبة أن لبنان لم يعد قادرا على تحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المترتبة عنهم.

كذلك يفترض أن يشرح ميقاتي التزام الحكومة اللبنانية بالإصلاحات الضرورية التي أنجزتها حكومته، التي لا تزال تحتاج إلى مصادقة “مجلس النواب” عليها، فيما سيوجه نداء إلى دول “مجلس التعاون الخليجي” لإنهاء سياسة عزل لبنان التي مورست بحقه على أثر عمليات تهريب حبوب “الكبتاغون” إلى دول الخليج عبر مرفأ بيروت ومطار “رفيق الحريري” الدولي.

علاوة على ذلك، يضع رئيس الحكومة اللبنانية في سلّم أولوياته وإن في مرحلة لاحقة، ملف ترسيم الحدود البحرية الشمالية مع سوريا، الذي قد يثيره أيضا خلال لقاءاته الثنائية على هامش القمة، خصوصا أن هذا الملف يخضع حاليا لإدارة روسيا.

هذا وضم الوفد اللبناني إلى القمة وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، ووزير الصناعة جورج بوشيكيان، ووزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، ووزير السياحة وليد نصار، ووزير الزراعة عباس الحاج حسن، والمستشار الدبلوماسي للرئيس ميقاتي السفير بطرس عساكر، بالإضافة إلى سفير لبنان في المملكة العربية السعودية فوزي كبارة، وسفير لبنان لدى “الجامعة العربية” علي الحلبي.

الرئيس ميقاتي كان قد استقبل بمراسيم رسمية في مطار “الملك عبد العزيز”، وكان في استقباله نائب أمير مكة، الأمير بدر بن سلطان، والأمين العام لـ “جامعة الدول العربية” أحمد ابو الغيط، وسفير لبنان في المملكة العربية السعودية فوزي كبارة، وسفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري، ومن المطار انتقل الرئيس ميقاتي إلى مقر إقامته.

ثلاث محاور رئيسية لزيارة رئيس الحكومة اللبنانية إلى السعودية

تعليقا على ما يمكن أن تعكسه مشاركة الرئيس ميقاتي في القمة العربية، وزيارته إلى جدة، يقول المحلل السياسي اللبناني ربيع غصن، إن زيارة الرئيس ميقاتي تأتي لاجتماع “جامعة الدول العربية”، وبالتالي ليست زيارة خاصة للملك سلمان أو لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بل هي زيارة تكمن فيها المشاركة في اجتماعات “جامعة الدول العربية”، لكن يترتب على هذه الزيارة اجتماعات ثنائية، ولعل أحد هذه الاجتماعات سيكون مع ولي العهد محمد بن سلمان للوصول إلى ثلاث نقاط.

وصول رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى السعودية/ إنترنت + وكالات

النقطة الأولى، بحسب غصن الذي تحدث لموقع “الحل نت”؛ هي ملف النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية وكيفية حل هذه المشكلة بحيث تتمكن لبنان من إعادة اللاجئين إلى سوريا كون الواقع السوري اليوم واقع إيجابي ولابد أن يكون هناك في المرحل المقبلة اتجاهات لحل جذري لكل المشاكل في سوريا، مشيرا إلى أن ما صدر عن اجتماعات “جامعة الدول العربية” والتخطيط الذي حصل على هامش اجتماعات الدول العربية، قد تمكّن سوريا من أن تدخل مرحلة من الاستقرار السياسي والأمني، ما يدفع بمحاولة إيجاد حل لمشكلة اللاجئين السوريين بلبنان.

غصن أردف في حديثه، بأن النقطة الثانية هي إيجاد مخرج للأزمة السياسية التي يعاني منها لبنان والمتمثلة بأزمة الفراغ الدستوري في الرئاسة الأولى، بحيث أن ما يحدث في لبنان هو نتاج أزمة سياسية على مستوى التمثيل البرلماني وعلى مستوى التمثيل في الكتل النيابية الحزبية، لذلك أن الوضع الذي يعاني منه لبنان حاليا هو وضع خطر وقد يشكّل في المرحلة المقبلة نوعا من الفراغ الميثاقي في شكل وهيكلية الدولة اللبنانية.

بناء على تلك الحالة، فإن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، سيحاول كما يعتقد المختص بالشأن السياسي اللبناني، طرح هذه الإشكالات كما يعرفونها العرب، وكما تعرفها كلا من السعودية وسوريا؛ بأن هناك مشكلة في لبنان ينبغي عليهم المساعدة في حلها، لافتا إلى أنه ما قبل اجتماع “جامعة الدول العربية”، كان الحديث متزايدا عن تلك القضايا، ولعل هذا قد يدفع بالسعودية وسوريا للدخول بشكل مزدوج لإيجاد حلّ من هذا النوع على الساحة اللبنانية.

أما بشأن النقطة الثالثة، أوضح غصن، أن لبنان يعاني منذ عام 2019، من أزمة اقتصادية خانقة، بيد أن هذه الأزمة سببها خارجي، ونوعا ما هذه الأزمة تشكلت عبر سياسات اقتصادية خارجية منذ العقد الأخير في الألفية السابقة، ولم تكن هناك حتى اليوم مساع جدّية للحكومات المتعاقبة لحل هذه الأزمة أو لترتيب نوع من الحلول الاستشرافية لواقع الأزمة الاقتصادية اللبنانية.

بالتالي، بحسب غصن، فإنه في ظل هذه الأزمة والحراك على المستوى الإقليمي والدولي، لا يجد لبنان من يقف إلى جانبه لمحاولة حل هذه الأزمة، مشيرا إلى أن السعودية تمتلك نقاط قوة كثيرة لمساعدة لبنان على الخروج من هذه الأزمة، وهو ما قد لا يوفر رئيس الحكومة اللبناني جهدا بشأن مناقشة السعوديين في هذا الشأن، الأمر الذي قد يدفع لمساعدة عربية شاملة، خصوصا في ظل وجود إرادة ونيّة عربية وخاصة سعودية جادة، في أن يكون هناك حلا لهذه المشكلات على الساحة اللبنانية.

مخرجات القمة العربية

هذا واختُتمت في مدينة جدّة السعودية، اليوم الجمعة، أعمال القمة العربية الـ32 بإعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان موافقة المشاركين على البيان الختامي للقمة، التي بحثت القضية الفلسطينية والأزمة السودانية إلى جانب ملفات اقتصادية، وذلك بمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الأولى منذ 12 عاما، علاوة على إيجاد حلّ للأزمة اللبنانية.

قادة الدول المشاركة في أعمال القمة العربية الـ 32 في السعودية/ إنترنت + وكالات

مما جاء في نص الإعلان الذي أعلنه محمد بن سلمان، الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وتشكيل الحكومة في أسرع وقت، كما تم التأكيد على “تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا.

أيضا تم التأكيد على أهمية تكثيف الجهود للتوصل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، ووقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، واحترام قيم وثقافات الآخرين، واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها، كما رفض دعم تشكيل الجماعات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة.

فيما رحب الإعلان باستئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات “مجلس الجامعة”، وشدد على تكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها، بالإضافة على التأكيد في دعم كل ما يضمن أمن واستقرار اليمن، ويحقق تطلعات شعبه، ودعم الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى التوصل لحل سياسي شامل للأزمة اليمنية.

كما دعم مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، لإحلال الأمن والاستقرار، فضلا عن التأكيد على اعتبار اجتماعات الفرقاء السودانيين بجدّة، خطوة يمكن البناء عليها لإنهاء الأزمة، ورفض أي تدخل خارجي في الشأن السوداني، لتفادي تأجيج الصراع، والتأكيد على ضرورة التهدئة في السودان وتغليب لغة الحوار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات