على الرغم من تفجّر الخلاف قبل أكثر من عشرة أعوام بين الجارتين الإفريقيتين، مصر وإثيوبيا، حول الحقوق المائية بين البلدين والمتصارعين على خلفية إصرار أديس أبابا تشييد سد “النهضة” على نهر النيل، والذي تعارضه القاهرة وتعتبره تهديدا لأمنها القومي؛ جاء قرار إدراج الملف على جدول أعمال القمم العربية ليمثل بارقة أمل حول إمكانية إنهاء الخلاف المستعصي بين الجانبين.

حيث كشف الأمين العام المساعد لـ “جامعة الدول العربية” السفير حسام زكي، عن طرح موضوع سد النهضة على القمة العربية لأول مرة؛ ليصبح بندا دائما على جدول أعمال القمم العربية، مؤكدا أنه سيستمر طرح هذه القضية بشكل دائم.

تصريحات زكي جاءت قبيل انعقاد القمة العربية الـ 32 يوم الجمعة الماضي، بمدينة جدة السعودية، خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة، حيث قال إنه سبق ووضع موضوع “سد النهضة”، بندا دائما على أجندة “مجلس وزراء الخارجية العرب”، لكن القمة مسار مختلف.

الأمين العام المساعد لـ “جامعة الدول العربية”، بيّن أن قضية “سد النهضة” ستستمر على طاولة أعمال القمم العربية، كبند دائم لحين أن تقرر الدول المعنية خلاف ذلك، مؤكدا أن هناك دعما عربيا لموقف مصر والسودان في هذه القضية، كما أن الأمانة العامة لـ “جامعة الدول العربية” تؤيد الموقفين المصري والسوداني في هذا الموضوع تأييدا كاملا.

“سد النهضة” ومصلحة الجميع 

بينما غابت قضية “سد النهضة” الإثيوبي، عن كلمات الرؤساء والملوك والأمراء العرب في القمة العربية الـ32، باستثناء بعض الكلمات التي تطرقت لها، وخلال البيان الختامي الذي أعلنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وركز على القضية الفلسطينية والسودانية واليمنية، من دون ذكر أي تفاصيل عن قضية “سد النهضة”؛ كان زكي، قبيل ذلك قد أعرب عن أمله في أن يجد موضوع “سد النهضة”، طريقه إلى الحل؛ بشكل يحقق مصلحة الطرفين، دون أن يفتئت على مصلحة الطرف الثالث.

ملف “سد النهضة” وإدراجه على جدول أعمال القمم العربية، جاء بناء على مشروع قرار تقدمت به مصر إلى القمة، وتم إقراره من المشاركين بالقمة، حيث أكد القرار على أن الأمن المائي لكل من جمهورية السودان وجمهورية مصر العربية، هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، ورفض أي عمل أو إجراء يمسّ بحقهما في مياه النيل.

كما رحب القرار ببيان “مجلس الأمن” الدولي، الصادر في 15 أيلول/سبتمبر 2021، بشأن السد الإثيوبي، الذي يدعو إثيوبيا والسودان ومصر، للانتهاء على نحو سريع من اتفاق مقبول وملزم للأطراف، بشأن ملء السد وتشغيله، وذلك في غضون إطار زمني معقول.

القرار إعراب عن القلق الشديد إزاء استمرار إثيوبيا في الإجراءات الأحادية لملء وتشغيل السد، وهي الإجراءات التي تخالف قواعد القانون الدولي، خصوصا اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم بتاريخ 23 آذار/مارس 2015، والتي من شأنها إلحاق الضرر بالمصالح المائية لمصر والسودان.

ليس ذلك فحسب، بل طالب القرار بالامتناع عن اتخاذ أية إجراءات أحادية من قبل إثيوبيا توقع الضرر بالمصالح المائية لمصر والسودان، بما في ذلك الاستمرار في ملء وتشغيل السد من دون التوصل إلى اتفاق، وعلى الرغم من أنه سبق ووضع موضوع “سد النهضة”، كبند دائم على أجندة “مجلس وزراء الخارجية العرب”، لكنه، بحسب تصريحات صحافية للأمين العام المساعد لـ “جامعة الدول العربية”، أن طرحه في القمة يمثل مسارا مختلفا.

أهمية إدراج ملف “سد النهضة” في القمم العربية

تعليقا على هذه الخطوة العربية، قال أستاذ العلاقات الدولية علاء مصطفى، إن إدراج القضية على جدول الأعمال كبند دائم يؤشر إلى مسألتين، الأولى مدى تعقيد الملف الذي يتطلب مشاورات حثيثة، وجهود كبيرة، والثانية استعادة جامعة الدول العربية لدورها في القضايا الأساسية، مبيّنا أنها في حال تمكنت من حسم هذا الملف فإنها ستؤشر إلى دور كبير وتسوق لدورها بشكل دولي ليس إقليمي فحسب، خصوصا وأن القضية قد كان لـ “مجلس الأمن” الدولي دورا فيها.

من مؤتمر القمة العربية في مدينة جدة/ إنترنت + وكالات

مصطفى وفي حديثه لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن مثل هذه القضايا المحورية يجب أن تكون على رأس جدول أعمال القمم العربية، لما في ذلك من رسالة مهمة إلى جميع الأطراف الإقليمية والدولية بالدور العربي والتناغم حول مصالح المنطقة، وهذا ما يجب أن تفهمه إثيوبيا التي لا تزال متجاهلة للسيناريوهات التي يمكن أن تذهب إليها المنطقة إذا ما تمسكت بموقفها الأحادي.

فيما أشار إلى أن، مصر تعتمد في الزراعات على المياه القادمة من نهر النيل الذي يعد نهرا دوليا وليس إثيوبيا، بالتالي أن إصرار إثيوبيا بالذهاب إلى خيار ملء السد، يعني أن معظم إيرادات النيل سيتم استقطاعها، ما سينعكس على مستقبل الزراعة وحتى السكن الذي قد يتضرر في بعض المناطق التي ربما ستعاني من نقص المياه، وتعتمد على الزراعة.

لذلك، يرى أستاذ العلاقات الدولية، أنه من الضروري جدا احترام القانون الدولي والمصالح المشتركة ضمانا للأمن القومي والإٍقليمي، وهو ما يتطلب من إثيوبيا التشاور والتنسيق وعدم الضرر لأي من الأطراف، لافتا إلى أن تدخل “جامعة الدول العربية” يمكن أن يوفر زخما إيجابيا حول الموضوع مما يشكل ضاغطة دولية وإقليمية على جميع الأطراف، بخاصة إثيوبيا، للتوصل إلى اتفاق ضامن لجميع الأطراف.

في المقابل، وفي آخر تحديث في الموقف الإثيوبي حول “سد النهضة”، فقد أعلنت مجددا أنها انتهت من بناء 90 بالمئة من السد، دون أي مراعاة لتصاعد الأزمة مع دولتي المصب مصر والسودان بسبب عدم التوافق على الملء والتشغيل، حيث اتخذت أديس أبابا قرارا أحاديا منفردا بالتصرف دون مشورة أو تنسيق مع الدولتين.

إثيوبيا والإصرار على “سد النهضة”

في حين تحدث خبراء في المياه والسدود عن أن الطريق باتت مفتوحة على مصراعيه لإثيوبيا لاستكمال الملء والبناء في “سد النهضة” دون أي عائق، إذ بات استكمال بناء السد والانتهاء من التخزين مسألة وقت ولا تحكمه أي اتفاقيات مع دول المصب، حيث من المرجح أن تبدأ عملية الملء الرابع وتكتمل ليتحول السد من مجرد فكرة إلى حقيقة غالبا ستشعل خلافات كبيرة.

إثيوبيا تتمسك بملء سد النهضة/ إنترنت + وكالات

إذ لا تواجه إثيوبيا أي معوق فني لاستكمال الملء، بالتالي سوف تتمكن من رفع منسوب الممر الأوسط الذي يتحكم في زيادة مخزون المياه خلف الخزان في شهر آب/أغسطس المقبل، بحسب التصريحات الأثيوبية، لتنجح في تخزين كمية تقدر بنحو 27 مليار وهي أكثر من الملء الأول والثاني والثالث مجتمعين ليصل إجمالي ما سوف تخزنه نحو 50 مليار متر مكعب، وهو ما يعني بالضرورة الإضرار بالمصالح المصرية السودانية، بحسب الخبراء.

التعنت الإثيوبي بالموقف الأحادي، يأتي بالرغم من تأكيدات مصر المستمرة حول أهمية استمرار العمل المشترك لضمان مصالح كافة الأطراف الثلاثة وفقا لقواعد القانون الدولي والحقوق المشروعة في الموارد المائية والأمن المائي المصري، وبالتالي أن الأمر أصبح رهن حتمية تفعيل الوساطة العربية من خلال القمم العربية، وحتى الوساطة الدولية.

هذا وتخشى مصر من تأثر حصتها في مياه النيل جراء السد، وتطالب ومعها السودان، باتفاق قانوني ملزم ينظّم عمليتي ملء وتشغيل السد، والتشارك حول بيانات السد، فيما تواجه المفاوضات جمودا منذ إجراء آخر جولة تفاوضية في 10 كانون الثاني/يناير 2021.

يشار إلى أن “سد النهضة” الذي كلّف بناؤه أكثر من 4 مليارات دولار، يقع في منطقة بني شنقول قماز، غربي إثيوبيا، وتسبب، منذ الشروع في إنجازه عام 2011 في أزمة بين إثيوبيا ومصر والسودان، حيث تخشى مصر والسودان من أن يخفض المشروع من حصتيهما في مياه النيل، فيما تقول أديس أبابا إن السد يعد مشروع حيوي لنهضة البلد الاقتصادية ومصدر أساسي للطاقة اللازمة لمشروعات التنمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات