في شوارع سوريا حيث أصبح البقاء على قيد الحياة معركة يومية، ظهر عدو جديد يعيث فسادا في أحلام الكثيرين. حيث تحولت السيارة، رمز الحرية والتنقل الذي كان يمكن بلوغه في يوم من الأيام، إلى ترف قاسي لا يمكن  الوصول إليه بسبب ما آل إليه جنون الأسعار. 

الواقع المحير للارتفاع الجنوني في أسعار السيارات، أثار موجة من السخط والاستياء عند أولئك الذين يبحثون عن وسيلة للهروب من أزمات النقل والمواصلات التي ابتلي بها المواطنون على مدى الأعوام السابقة، خصوصا عندما تفقد الحكومة القدرة على تأمين المحروقات للمركبات العمومية بشكل خاص.

أسعار السيارات في سوريا باتت تخالف أي منطق فهي مستمرة في الارتفاع رغم أن تاريخ تصنيعها يعود إلى ما قبل عام 2011، فقط في سوريا تُعمّر السيارات، وترى في شوارعها سيارات يعود تاريخ صنعها إلى عام 1970، ما زالت تُخدم أصحابها، وهي ليست رخيصة الثمن.

الأسعار ترتفع بدل أن تنخفض

لقد ولّت الأيام التي كان امتلاك السيارة فيها بمثابة طموح معقول للمواطن السوري العادي، ففي بلد يعاني من اضطرابات النقل المتكرر وانقطاع الاتصالات، انتقلت السيارة من الرغبة إلى الضرورة. ومع ذلك، فقد تحوّل هذا الحلم الذي كان من الممكن تحقيقه في يوم من الأيام إلى سراب بعيد المنال، حيث أدى الارتفاع الفلكي في أسعار السيارات إلى تحطيم آمال الكثيرين، وتركهم عالقين في عالم يُعتبر فيه حرية الحركة امتيازا مخصّصا للقلّة المحظوظة.

صالة لبيع السيارات المستعملة في سوريا - إنترنت
صالة لبيع السيارات المستعملة في سوريا – إنترنت

بحسب ما ذكره موقع “أثر برس” المحلي، أمس الاثنين، فإن سعر “كيا ريو” موديل 2010 – 2011 يصل إلى 130 مليون ليرة سورية، وسعر “هيونداي أفانتي” و”كيا سيراتو” موديل 2007-2008-2009 يتراوح سعرها بين 125 – 150 مليون ليرة، وسعر “لانسر” موديل 83 هو 30 مليون ليرة.

أما سعر “المازدا 926″ موديل 83 يصل سعرها إلى 40 مليون، و”مازدا جوهرة 323” يصل سعرها إلى 50 – 60 مليون، أما سعر السيارة نوع “بيجو 405” هو 50 مليون ليرة، بينما سعر “هوندا سوناتا” و”كيا سيراتو” موديل 2020 وصل إلى 800 مليون، منوّها إلى أن موديلات 2010 – 2008 – 2011 هي الأكثر طلبا.

حديث التجار أشار إلى أمور مخفية، حيث إن سيارة من نوع “غولف” موديل 76 سعرها 30 مليون ليرة سورية والتي تعد في الدول المجاورة غير قابلة للاستخدام لكنها موجودة بالسوق بسعر مرتفع ولا يوجد لها قطع غيار وفي حال تعرضت لأي عطل، سيضطر المالك لشراء القطع بسعر مرتفع.

تغيير الديناميكيات في سوق السيارات

الأرقام الفلكية المرتبطة بأسعار السيارات في السوق السورية أشعلت عاصفة نارية من السخط والاستياء بين السكان. حيث بات أصحاب السيارات أنفسهم يتصارعون مع واقع يبدو أنه يتحدى المنطق والعقل. 

سوق تصليح السيارات بمنطقة القدم في دمشق ـ "نورث برس"
سوق تصليح السيارات بمنطقة القدم في دمشق ـ “نورث برس”

بالنسبة للسوريين المحاصرين في مخاض الأرض التي دمرتها الحرب، يُنظر إلى القدرة على امتلاك سيارة على أنها بارقة أمل وسط الفوضى. فالحالة في سوق السيارات تغيرت فلا يمكن لشخص واحد أن يشتري سيارة ليتاجر بها، بل كل شخصين أو ثلاثة يشتركون لشراء سيارة وبيعها مرة أخرى وهكذا.

أيضا فيما يتعلق بالسيارات العمومية، فقد توقف سوقها لسببين الأول صدور قرار تحويل السـيارات الخصوصي إلى العمومي، والثاني قرار وضع جهاز التتبع الإلكتروني “جي بي إس” لسيارات التكسي. فعلى سبيل المثال كان سعر سيارة نوع “سابا” إيرانية المنشأ وتجميع سوري 40 مليون ليرة، أما اليوم فسعرها 85 مليون ليرة، ويعتبر سعرها مرتفعا بالنسبة لنوعها.

رئيس “جمعية السيارات في دمشق”، يوسف جزائرلي، قال إن حركة البيع والشراء جيدة ولكن لو كان باب الاستيراد مفتوحا لانخفضت أسعار السيارات إلى النصف، مبينا أن الأسعار تتغير كل يوم وخصوصا أسعار قطع غيار السيارات.

في المقابل، وطبقا للبيانات الرسمية فإن انعدام القدرة الشرائية لأغلب السوريين وارتفاع نسبة الجمارك على السيارات إلى 300 بالمئة، تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بمجرد أن تدخل السيارة إلى البلد، فالدولة السورية تربح أكثر من الشركة المصنعة للسيارة منذ عشرات السنين، وهذا ليس نتيجة الحرب إذ إن هذه الضريبة موجودة قبل ذلك.

العوامل الاقتصادية تساهم في تضخم الأسعار؟

سابقا، كان أصحاب المهن والأعمال الحرة يميلون إلى شراء السيارات المستعملة، لاستخدامها وسيلة لتجميد بعض الأموال الفائضة لديهم ليتم بيعها واستثمارها وقت الحاجة، وغالباً فإن الإقبال على السيارات الصينية والكورية أكثر من السيارات الفارهة لتوفر قطع الغيار الخاصة بها.

سيارات قديمة على أطراف الشوارع في سوريا - إنترنت
سيارات قديمة على أطراف الشوارع في سوريا – إنترنت

انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي يُعد سببا، وهو ما يمكن شرحه من خلال معادلة أن سيارة “هيونداي آفانتي” موديل 2009 ثمنها كان 600 ألف ليرة سورية حين كان الدولار يعادل نحو 50 ليرة نحو 12 ألف دولار، ولكن قيمة السيارة ذاتها حاليا أصبحت نحو 150 مليون ليرة، أي ما يقارب 17 ألف دولار، وهي معادلة غير منطقية ومخالفة لأي منطق تجاري؛ لأن السيارة أصبحت قديمة ومستعملة طيلة 15 عاما، ومن المفترض أن يكون ثمنها أقل مما كان عليه في سنة 2009.

تضخيم التكلفة المعقولة لامتلاك سيارة تم بشكل غير مفهوم. في سوق السيارات السوري، ترسخت حقيقة غير منطقة حيث ارتفع سعر السيارة الكورية بسبب توافر قطع غيارها وليس لأمر آخر، ولذلك تحول حلم امتلاك السيارة، بمجرد الوصول إليه، إلى خيال بعيد المنال على ما يبدو.

الخبير الاقتصادي علاء الأصفري، في حديثه للموقع المحلي يرى أن الخوف من تسريب الدولار لخارج سوريا هو السبب الرئيسي لمنع الاستيراد، ولكن ما يجري حاليا في السوق بسبب استخدام السـيارات القديمة وكونها بحاجة لتصليح بين الحين والآخر، والقطع غير موجودة بالسوق وتصل بالتهريب وتسعّر بقيمة الدولار، يجعل أسعارها مرتفعة وبالتالي يتم صرف الدولار بطريقة غير مباشرة لشراء تلك القطع للسيارات القديمة.

أسعار قطع غيار السـيارات ارتفعت بنسبة 60 بالمئة، وهناك قطع شبه مفقودة من السوق ويتحكم بالأسعار صعود الدولار وهبوطه كون القطع جميعها مستوردة.

الارتفاع السريالي في أسعار السيارات داخل سوريا زاد من تفاقم التحديات التي يواجهها شعبها. ما كان يعتبر في يوم من الأيام رمزا للحرية والتقدم والرفاهية أصبح الآن يذكّر بالفوارق الاقتصادية والأحلام المحطمة. مع زيادة الأسعار إلى ارتفاعات لا يمكن تصوّرها، سيظل الازدحام الشديد على وسائل النقل القليلة السمة العامة في المحافظات السورية، لتصبح المواصلات عبئا جديدا يضاف إلى أعباء المواطن المعيشية والاقتصادية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات