ما لا يمكن تجاوزه، أن تونس تعيش أزمة خبز خانقة، تسببت في طوابير كبيرة أمام أفران الخبز، حيث بلغت الأزمة مستوى قياسي خلال الأيام القليلة الماضية، بعد أن أغلقت مئات المخابز أبوابها في عدة مناطق، إثر عدم توافر المواد الأساسية لصناعة الخبز الحكومي، لكن الجهات الرسمية في البلاد على رأسها الرئيس قيس سعيّد، تؤكد على أن الأزمة مفتعلة بدفع من أطراف سياسية تريد تقويض مسار الدولة، الأمر الذي أثار الكثير من التكهنات حول طبيعة الأزمة والأطراف في دائرة الاتهام.

الأزمة دفعت بالتونسيين للاصطفاف في طوابير طويلة أمام عدد من المخابز في محاولة للحصول على الخبز، الذي يشكل مكونا أساسيا في وجبات التونسيين اليومية، حيث بات تحصيل خبز كاف لليوم أمرا في غاية الصعوبة، وجاء ذلك بعد أن عمدت الدولة التونسية إلى إعطاء الأولوية للمخابز المنتجة للخبز المدعّم، ما خلق أزمة تزويد لدى المخابز التي تنتج الخبز غير المدعّم وعددها 1500 مخبز تتزود حاليا بنحو 40 بالمئة من مخصصاتها السابقة، بحسب تقارير محلية.

هذا الوضع الذي تعيشه تونس في ظل أزمة سياسية واقتصادية في الأساس، أثار الكثير من الأسئلة حول أسباب نقص الخبز في تونس، بين ما تصفه الرئاسة التونسية بتدخل أطراف سياسية في خلق المشكلة، وبين من يُرجعها إلى أسباب أخرى لا علاقة لها بطرف سياسي.

ما وراء أزمة الخبز بتونس

تعليقا على الأزمة، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد، السبت الماضي؛ إن عدم توافر الخبز في الآونة الأخيرة ببعض الولايات، يرجع إلى سعي البعض لتأجيج الأوضاع الاجتماعية والعمل على افتعال الأزمات في تونس، معتبرا أن، فقدان بعض المواد الأخرى أو ندرتها في بعض الجهات على غرار القهوة والسكر على سبيل المثال بسبب الاحتكار والمضاربة غير المشروعة وسيطرة بعض اللوبيات على مسالك التوزيع بهدف التنكيل بالشعب.

على هذا النحو، تشير أصابع الاتهام إلى وقوف تيارات سياسية خلف الأزمة، في مقدمتها “حركة النهضة” الإخوانية، فيما تشير جهات مختصة إلى أن الأزمة سببها تأخر وصول باخرة محملة بالقمح.

الأمر الذي أدى إلى عدم وصول القمح إلى المخابز في الفترة الأخيرة، بينما كان من المفترض وصول هذه الباخرة في نهاية شهر نيسان/أبريل الماضي، لكن تأخرها تسبّب في شح الخبز، بحسب تلك الجهات النقابية، والتي أشارت إلى أنه سيتم تجاوز صعوبات تزود المخابز بالقمح في غضون أيام قليلة.

بالمقابل، تطالب قوى سياسية بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المتورطين في هذه الأزمة، والتسريع بإيجاد حلول عاجلة، لاسيما في ظل الأزمة المالية التي تعيش على وقعها تونس وتراجع مخزون البلاد من العملة الصعبة، والتي أضحت الدولة بسببها في عديد الأحيان عاجزة عن تسديد ديونها.

ما خلق أزمة نقص في بعض المواد الأساسية في الأسواق التونسية في فترات متواترة على غرار الزيت النباتي، الحليب، السكر، الفرينة، الدقيق، المحروقات، بعض الأدوية، وغيرها من المواد التي تفقد من الأسواق بين فترة وأخرى.

أزمة سياسية وليست اقتصادية

بالتالي، لفهم طبيعة الأزمة وما ورائها، تواصل موقع “الحل نت”، مع المختص بالشؤون التونسية نزار الجليدي، وقال إن للخبز في تونس رمزية مهمة، كما لا يمكن نسيان أن تونس ذات يوم من الأيام قد شهدت “ثورة الخبز”، لكن ما تجدر الأشارة له، إن تلك الثورة قامت على تطاحن سياسي حول مسائل حقيقية والحريات، وليس كما تشهده تونس الآن من مسائل “لاوطنية”.

تونس تعيش تحت أزمة خبز خانقة/ إنترنت + وكالات

معركة الخبز في تونس اليوم، معركة “لاوطنية” بين طرف يريد أن يؤسس لمسار جديد للبلاد، وطرف خرج من الرهان ويريد أن “يفسد ما في الأرض وما في السماء”، كما يريد تجويع التونسيين، بحسب الجليدي، الذي أشار إلى أن الخبز في تونس والقهوة والسميد (القمح الصلب)؛ هي مواد مدعومة تدعمها الدولة، لكن “البنك الدولي” يريد أن يضغط على تونس حتى ترفع هذا الدعم عن الطبقات الهشة.

الجليدي وفي حديثه لموقع “الحل نت”، أكد أن محاولات “البنك الدولي” يواجهها إصرار مسار الـ 25 من تموز/يوليو بأن تبقى آليات دعم الطبقات الضعيفة والهشة مدعومة من الدولة، وغيرها من آليات الدعم الأخرى التي يجب أن تبقى ذاتها، مبيّنا أن الجميع يعرف ماذا ترتّب على فقدان القهوة والسميد، عندما انكشفت خلايا لعبة “جبهة الخلاص وذيول الإخوان المسلمين”، الذين كشفوا في اجتماعاتهم السرية، بأنهم أرادوا أن يزعجوا التونسيين ويحركوا الشارع عن بكرة أبيه بحجة فقدان الخبز.

المختص بالشؤون التونسية، لفت إلى أن “جبهة الخلاص والإخوان المسلمين”، هم من وراء تصاعد الأزمة، إذا أنهم يريدون تحريك الشارع ضد الدولة، غير أنه تم كشف اللعبة الكبيرة المراد تحقيقها من وراء ذلك، والتي تهدف بشكل أو بآخر إلى إضعاف الدولة، لذلك فإن قضية الخبز هي مسألة سياسية وليست اقتصادية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الشارع التونسي أصبح يملك من الذكاء الكثير، ولن ينخرط في هذه اللعبة السياسية الـ “لاوطنية”، والتي تلعبها بعض الأطراف الخاسرة والتي سينكشف مصيرها قريبا، على حد قوله.

ذلك يأتي بينما كانت موازنة 2023 في تونس، تعتزم خفض نفقات الدعم بنسبة 26.4 بالمئة إلى 8.8 مليارات دينار ما يعادل 2.89 مليار دولار، لكن حتى الآن لم ترفع الحكومة أسعار المحروقات هذا العام على عكس ما خُطط سابقا، الأمر الذي فسّره مراقبون بأنه سعي لتجنب الغضب الشعبي.

تونس وشروط “صندوق النقد” الدولي

خطة رفع الدعم في الموازنة التي حددتها الحكومة التونسية، جاءت لتراعي مطالب “صندوق النقد” الدولي، بضمانات حقيقية من قبل تونس لتطبيق حزمة إصلاحات قبل البدء بصرف الشريحة الأولى من اتفاق قرض مع تونس بقيمة 1.9 مليار دولار أميركي، من بينها خفض تدريجي لنظام الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية والتحكم بالأجور.

تونسيون غاضبون من نقص الخبز الحاد/ إنترنت + وكالات

بناء على ذلك، خفّضت حكومة نجلاء بودن التونسية هذا العام، نفقات التدخل المتعلقة بالتحويلات الاجتماعية لفائدة الطبقات الضعيفة بنسبة 8 بالمئة، وفي حين وعدت السلطة بتعويض ما لا يقل عن 8 ملايين تونسي عن رفع الدعم عبر التحويلات المالية المباشرة، فقد قلصت في نفقات التدخل إلى نحو 8 بالمئة، حيث تراجعت قيمة هذه النفقات من 18.7 مليار دينار إلى 17.2 مليار دينار متوقعة في العام الحالي.

إن نفقات التدخل، تشمل التحويلات المالية المخصصة لفائدة الأُسر المحتاجة وضعيفة الدخل، إلى جانب المخصصات التي تُنفق لدعم المؤسسات الحكومية التي تشكو من صعوبات أو تواجه الديون.

كل ذلك، يتزامن مع ازدياد معدلات الفقر في تونس، وغرق الطبقة الوسطى في مستنقع الاحتياج وفقدان القوة الشرائية وضعفها وتدهور الدخل والإيرادات، بحسب ما أظهرته نتائج المسح الوطني للنفقات والاستهلاك ومستويات المعيشة، الذي أشار إلى اتساع معدل الفقر في البلاد إلى 16.6 بالمئة في عام 2021، مقارنة بـ 15.2 بالمئة في عام 2015.

مشهد يضع تونس التي تعاني من تدافع سياسي وأزمة مالية، أمام تحديات كبيرة، ما يتطلب تحركات جدية من قبل الحكومة لتشخيص مكامن الخلل التي أدت إلى نقصان الخبز، ووضع خطط علاجية سريعة، تفاديا لسيناريوهات غير متوقعة، لاسيما في ظل الحديث عن استغلال سياسي للأزمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات