للمرة الأولى منذ توليه مقاليد الحكم قبل أكثر من ثلاثة أعوام، زار سلطان عُمان هيثم بن طارق، القاهرة على مدى يومين متتالين 21 و22 من الشهر الجاري، في زيارة اعتبرها محللون أنها تحمل أهمية كبيرة بالنسبة لكلا البلدين في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الكبيرة مؤخرا.

 خلال الزيارة عقدت مباحثات رسميّة جمعت بن طارق والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حضرها مسؤولون من الجانبين، تلتها جلسة مباحثات ثنائية مُغلقة اقتصرت على الرئيس المصري والسلطان العُماني.

القائدان بحثا أوجه التعاون الثنائي القائم بين البلدين في كافة المجالات، بما يُعزّز المصالح المشتركة بينهما، ويعود على شعبيهما بالمنفعة، كما تبادل بن طارق والسيسي، وجهات النظر حول مستجدات الأوضاع التي تشهدها المنطقة، ومُجمل التطورات الحاصلة فيها، بحسب ما نقلته “وكالة الأنباء الرسمية العمانية”.

مسار الزيارة

سفير سلطنة عمان بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية عبد الله الرحبي، أكد خلال مؤتمر صحفي عقده قبيل زيارة بن طارق إلى مصر، بأن الزيارة تؤكد اهتمام الحكومة العمانية البالغ بمصر، وتعد نقطة تحول كبيرة ومهمّة في مسار العلاقات العُمانيّة المصرية، حيث تأتي بعد أقل من عام من زيارة الرئيس المصري إلى سلطنة عُمان في حزيران/يونيو العام الماضي.

سلطان عمان يتوجه لمصر/سي إن إن عربية
سلطان عمان يتوجه لمصر/سي إن إن عربية

الرحبي أشار إلى أهمية المباحثات التي سيجريها السلطان العماني مع الرئيس المصري، والتي ستركز على دفع التعاون الثنائي في مختلف المجالات وتبادل وجهات النظر حول أبرز القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، مؤكدا أنها ستعطي دفعة لمسيرة التعاون الثنائي، وتعزز التنسيق بين مصر والسلطنة في المحافل المختلفة.

السفير العماني أوضح أيضا بأن كلا من مصر وعمان قد وقعتا على مذكرة تفاهم سياسية تتضمن عددا من البنود التي تسمح بالتحرك في مساحات الحوار السياسي والتشاور بينهما، مضيفا أن سلطنة عمان تؤمن بتعظيم مساحة الحوار بين الأطراف المتنازعة وهذا أيضا ما تفعله مصر المشهود لمواقفها في القضايا العربية.

كما تطرق  إلى الاتفاقيتين ومذكرات التعاون الست التي تم توقيعها خلال زيارة الرئيس السيسي  الأخيرة إلى سلطنة عمان، في مجالات تعزيز المنافسة ومكافحة الممارسات الاحتكارية، وأيضا ترويج الاستثمار وتنمية الصادرات والنقل البحري والموانئ، إضافة إلى الابتكار والمجال الأكاديمي، إلى جانب إنشاء وإدارة المناطق الصناعية وحماية البيئة والاعتراف المتبادل بالشهادات الأهلية البحرية للملاحين، بحسب صحيفة “العرب” اللندنية.

الجانبان المصري والعماني، بحسب الرحبي، يدرسان حاليّا سبع اتفاقيات لها علاقة بالاقتصاد والثقافة والتعاون في مجال الوثائق والتراث من حيث الترميم والآثار إضافة إلى التعاون الأكاديمي بين الجامعات العمانية والجامعات المصرية.

“الدبلوماسية الصامتة”

الباحثة في الشؤون الاقتصادية سنية عبد القادر نايل ترى في حديثها لموقع “الحل نت” بأنه يوجد عدد من الملفات التي تمثل محور الاهتمام خلال الزيارة الأولى لسلطان عُمان إلى القاهرة، تأتي على أولوياتها العلاقات بين البلدين، لزيادة التبادل التجاري والاستثمارات بينهما، بالإضافة إلى مناقشة شؤون الجالية المصرية في السلطنة التي تساهم في التنمية وتلقى معاملة طيبة.

ملف العلاقات الاقتصادية بين القاهرة ومسقط أيضا يأتي كأحد الملفات الهامة، بحسب نايل، حيث يحظى بأهمية كبيرة في العلاقات المصرية العمانية، وذلك في ضوء التطور الكبير الذي يتسم به التعاون الاقتصادي بين البلدين، وحاجتهما إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية في مواجهة الضغوط والتحديات الراهنة.

على هامش الزيارة قامت مصر وسلطنة عمان، بتوقيع اتفاقية بشأن منع الازدواج الضريبي، وأخرى بشأن التعاون في المجالات المتعلقة بالسياسات والتطورات المالية، وفي ختام الزيارة تم عقد فعاليات منتدى الأعمال المصري العماني.

نايل تضيف أيضا، بأن الزيارة جاءت عقب عقد “القمة العربية” في جدة مباشرة، وهو ما يعني أنها استهدفت محادثات متعلقة بشأن مخرجات القمة الأخيرة والتباحث حولها. فضلا عن تطرق المباحثات بين البلدين إلى تطورات الملف الليبي والأزمة اليمنية، والعلاقات العربية مع إيران بالنظر إلى العلاقة الوثيقة بين طهران والسلطنة.

ملف التقارب المصري الإيراني أيضا تعتقد نايل بأنه من الموضوعات التي شملتها أجندة المباحثات الثنائية بين مصر وعمان، لاسيما أن طهران تبدي عن رغبتها في بناء علاقات بناءة وإيجابية مع القاهرة، خاصة في ظل استئناف العلاقات بين السعودية وإيران والذي تم برعاية صينية، حيث تسعى طهران جاهدة لاستغلال التقارب مع الرياض لتقارب العلاقات مع الدول العربية.

نايل ترى بأن يكون للعراق وسلطنة عمان دور وساطة لإعادة العلاقات بين مصر وإيران، ولكن يبدو أن العراق هي التي تستحوذ على الدور الأكبر في الوساطة، حيث تحتضن بغداد مفاوضات إيرانية مصرية تمهيدا للتحضير للقاء يجمع الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والإيراني إبراهيم رئيسي.

ركيزة النظام الإقليمي

دول الخليج العربي تعهدت لتقديم الاستثمارات لمصر لأنها تراها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان في الشرق الأوسط، وأيضا تشكل ركيزة أساسية لدعم النظام الإقليمي، فضلا عن أهميتها الحيوية لمسارات الطاقة والتجارة.

وكالة “بلومبيرغ” الدولية صرحت، في تقرير لها خلال شباط/فبراير 2022، أن هناك ترقبا وحذرا لدى بعض دول الخليج قبل الدعم المالي لإنقاذ اقتصاد مصر، مشيرة إلى أن هذه الدول تنتظر لمعرفة وضع العملة المصرية، وإثبات بأن القاهرة تُجري إصلاحات اقتصادية عميقة، قبل استثمار مليارات الدولارات.

الوكالة قالت إن الحلفاء الأثرياء بالطاقة، ومن بينهم السعودية وقطر، خصصوا أكثر من 10 مليارات دولار لمصر التي تحتاج إلى النقد الأجنبي، والتي طرحت حصصا في سلسلة من الشركات المملوكة للدولة للبيع، وأضافت بأنه مع ذلك، لم يتحقق سوى جزء ضئيل من التمويل حتى الآن، حيث يراقب المسؤولون الخليجيون عن كثب الجنيه في أعقاب ثلاث تخفيضات لقيمته في العام الماضي.

في موازاة ذلك شهدت الفترة الماضية توقف بعض عمليات الاستحواذ التي كانت متوقعة؛ حيث توقف الحديث عن استحواذ قطر على 25 بالمئة من حصة الشركة المصرية للاتصالات “الحكومية” وفي شركة “فودافون مصر”، أكبر مشغل للهاتف المحمول في البلاد.

عملية استحواذ السعودية على “المصرف المتحد”، فشلت أيضا والتي كانت قاب قوسين، وقد نقلت “بلومبيرغ” أن كلتا الصفقتين فشلتا بسبب عدم التوصل لاتفاق بشأن قيمة الجنيه المصري، وتمتلك السعودية والإمارات والكويت وقطر ما يصل إلى 30 مليار دولار كودائع طويلة الأجل وقصيرة الأجل لدى البنك المركزي المصري، إلا أن عُمان لم تسجل استثمارات ضخمة بهذا الحجم.

فوائد مالية

زيارة بن طارق إلى مصر تساهم في توطيد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، لاسيما في ظل سعي كلا منهما إلى جذب المستثمرين الأجانب؛ إذ أن الفترة الأخيرة شهدت العديد من الزيارات المتبادلة بين الطرفين؛ حيث قام عدد من الوفود العُمانية بزيارة مصر لاستكشاف الفرص الاستثمارية، وجاءت أخر تلك الزيارات وفد من رجال الأعمال العُمانيين أعضاء غرفتي تجارة سُحار وعُمان، لعقد لقاءات مع رجال أعمال مصريين، والاطلاع على الفرص والإمكانيات التي توفرها العاصمة الإدارية الجديدة.

السلطان العماني في مصر لأول مرة/ وكالات
السلطان العماني في مصر لأول مرة/ وكالات

 بحسب نايل تمثل تلك الزيارة لمصر أهمية كبرى في ظل محاولات الحكومة المصرية جذب الاستثمارات الأجنبية، لا سيما في ظل تقديم عدد كبير من الحوافز الاستثمارية لتمكين القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب؛ بما ينعكس على زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتعزيز تدفقات النقد الأجنبي.

تتابع نايل حديثها، قائلة بأن “المجلس الأعلى للاستثمار” في مصر برئاسة رئيس الجمهورية، والذي تم إعادة تشكيله في نيسان/أبريل2022، أصدر 22 قرارا منها ما يستهدف تخفيض تكلفة تأسيس الشركات، والحد من القيود المفروضة على التأسيس والموافقات المطلوبة ومدة الحصول عليها، وأيضا التوسع في إصدار الرخص الذهبية، وتعزيز الحوكمة والشفافية والحياد التنافسي في السوق المصرية، إلى جانب تسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج.

إلى ذلك أشارت الإحصائيات الصادرة عن “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء” المصري في 21 من الشهر الجاري إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر وسلطنة عُمان شهد زيادة ملحوظة لتصل إلى 1.1 مليار دولار خلال عام 2022، مقارنة بـ 651 مليون دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 7 -764.5 بالمئة.

قيمة الصادرات المصرية إلى سلطنة عمان زادت لتصل إلى 202 مليون دولار عام 2022 مقابل 163 مليون دولار عام 2021 بنسبة زيادة 24 بالمئة، وبلغت قيمة الواردات المصرية من سلطنة عُمان 869 مليون دولار خلال عام 2022 مقابل 488 مليون دولار خلال عام 2021 بزيادة قدرها 78.2 مليون دولار.

وفقا للإحصائيات ذاتها، فأن أهم المجموعات السلمية المصدرة إلى عُمان خلال عام 2022، هي خضار وفواكه بقيمة 60 مليون دولار، وأيضا أدوات وأجهزة البصريات بقيمة 18 مليون دولار، إضافة لأثاث خشبي بقيمة 12 مليون دولار، وآلات وأجهزة كهربائية وأجزائها بقيمة 12 مليون دولار، إلى جانب الألبان ومنتجاتها بقيمة 11 مليون دولار.

في ذات السياق، بلغت قيمة الاستثمارات العمانية في مصر بلغت 7.9 مليون دولار خلال العام المالي 2022/2021 مقابل 68.8 مليون دولار خلال العام المالي 2020 /2021 بنسبة انخفاض قدرها 88.5 بالمئة، وسجلت قيمة تحويلات المصريين العاملين بعمان 145,7 مليون دولار خلال العام المالي 2021 / 2022 مقابل 161.9 مليون دولار خلال العام المالي 2020 / 2021 بنسبة انخفاض قدرها 10 بالمئة.

 أيضا بلغت قيمة تحويلات العمانيين العاملين في مصر 2.5 مليون دولار خلال العام المالي 2022/2021 مقابل 2.6 مليون دولار خلال العام المالي 2020 / 2021 بنسبة انخفاض قدرها 0.2 بالمئة كما بلغ عدد المصريين المتواجدين بسلطنة عُمان طبقا لتقديرات البعثة 65.4 ألف مصري حتى نهاية 2021.

مصر تحاول جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في ظل أزمة تراجع الدولار الأميركي عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في شباط/فبراير 2022، وما يترتب على الأزمات التي يمر بها العالم حاليا من تداعيات اقتصادية سلبية على مستويات النمو والإنتاج تؤكد ضرورة تحقيق تدفق الاستثمارات بين الدول العربية وتفعيل دور القطاع الخاص باعتباره شريكا رئيسيا في تنفيذ خطط الازدهار لشعوب المنطقة العربية، بحسب الباحثة الاقتصادية سنية عبد القادر نايل.

أخيرا، تسعى القاهرة إلى جذب استثمارات دول الخليج العربي؛ باعتبار أن مصر أكبر دولة من حيث عدد السكان في الشرق الأوسط، مما يؤهلها لأن تصبح بوابة لسوق إفريقي يتمتع بقوة شرائية هائلة، فضلا عن أهميتها الحيوية لمسارات الطاقة والتجارة، لا سيما أيضا في ظل تعهد السلطات المصرية بالالتزام بتطبيق سعر صرف مرن للعملة المحلية، بعد الانخفاضات الحادة التي شهدها الجنيه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
2 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات