ما تزال الدبلوماسية العُمانية الهادئة تلعب أدوارا مهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث حققت من خلالها إنجازات سياسية عدة، ولعل موضوع الاتفاق النووي الإيراني كان من أهم الملفات التي لعبت فيها سلطنة عُمان دورا مهما والذي انتهى باتفاق تاريخي بين إيران والقوى الكبرى في العالم عام 2015.

التحركات الأخيرة للسلطنة على صعيد عملية السلام في الشرق الأوسط تلقى التقدير من دول العالم، ولعل ذلك يعود إلى القبول الدولي الواسع النطاق بالدور العماني، ونجاحه في العديد من الوساطات الإقليمية، حيث بذلت الدبلوماسية العُمانية دورا مهما في حرب اليمن من خلال الحوار مع الفرقاء اليمنيين والوقوف على نفس المسافة من كل منها.

الأنظار تتجه مؤخرا نحو سلطنة عمان ودورها المحتمل بتحريك جولة مفاوضات جديدة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، مع الركود الذي تشهده مباحثات السلام في الشرق الأوسط بشأن القضية الفلسطينية، وتأتي زيارة الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط، سفن كوبمانس، إلى سلطنة عمان قبل أيام قليلة، لتثير التساؤلات حول إمكانية دور عماني مرتقب في مفاوضات السلام القادمة.

دور عُماني

الباحث في العلاقات الدولية محمود أبو حوش يرى بأن هدف زيارة كوبمانس للسلطنة هو محاولة معرفة رؤية مسقط تجاه الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي، وكيفية التوصل إلى تسوية وحل للموقف الفلسطيني الإسرائيلي.

محمد بن ناصر الوهيبي وسفن كومبانس/ عُمان
محمد بن ناصر الوهيبي وسفن كومبانس/ عُمان

أبو حوش يضيف خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن الزيارة تأتي في سياق ما يحدث في المنطقة مؤخرا سواء كان عل صعيد العلاقات الإيرانية السعودية ومحاولة الوصول إلى تسوية في إطار الخلافات التي سبقت عملية التقارب ما بين الرياض وطهران، وأيضا في سياق التحرك العربي باتجاه سوريا، وأيضا على صعيد ما يحدث في الساحة الفلسطينية من تصعيد، ومحاولة التوصل إلى صيغة تفاهمية بين الطرف الفلسطيني والإسرائيلي على وقف العنف المتبادل.

مهمة سفن كوبمانس، تتمثل في تقديم مساهمة فعالة للتسوية النهائية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين، بحسب ما أعلن الاتحاد الأوروبي في بيان رسمي عام 2021، وقال إنه “سيواصل الاتصالات الوثيقة مع جميع الأطراف في عملية السلام، وكذلك مع الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى ذات الصلة، مثل جامعة الدول العربية”. بحسب ما نقله موقع “الخليج أونلاين”.

زيارة المبعوث الأوروبي إلى مسقط، تلفت الانتباه حول احتمالية حصول دور عماني في عملية السلام، علما بأن مصر تمسك بملف المفاوضات من الجانب العربي، قبل دخول قطر على الخط خلال السنوات الأخيرة، وخصوصا باتفاقات التهدئة ووقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي.

في موازاة ذلك التقى وكيل وزارة الخارجية للشؤون الإدارية والمالية العُماني، محمد بن ناصر الوهيبي في 18 أيار/مايو الحالي، بالعاصمة مسقط، مع كوبمانس، لبحث تطورات الأوضاع في المنطقة، وفق بيان أوردته الخارجية العُمانية، إذ أفادت بأن الجانبين ناقشا الموقف الراهن بشأن عملية السلام بالمنطقة وآفاقها المستقبلية والتعاون بين الجانبين.

في سياق ذلك، أبلغت مسقط في آذار/مارس 2021، الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي دعمها لمفاوضات سلام مباشرة بينهما، وذلك خلال اتصالين هاتفيين أجراهما آنذاك وزير الخارجية العماني، بدر بن حمد البوسعيدي، مع نظيريه الفلسطيني رياض المالكي، والإسرائيلي غابي أشكنازي، بحسب بيان للخارجية العمانية حينها.

الوزير العُماني شدد على مواقف بلاده “الداعمة لتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط عبر المفاوضات المباشرة وحل الدولتين بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة”، وفي 8 شباط/فبراير من العام ذاته، طالب مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، في بيان ختامي إسرائيل بالاستئناف الفوري لعملية السلام مع فلسطين، بحسب ما نقلته جريدة “الشرق الأوسط”.

إلا أن مفاوضات السلام توقفت منذ نيسان/أبريل 2014، بعد أن رفضت تل أبيب وقف الاستيطان، والإفراج عن أسرى قدامى، وتنصلها من خيار حل الدولتين، المستند إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

محاولات سابقة

سلطنة عمان قامت في عدة مناسبات سابقة بدور التوسط وتعزيز عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث تعمل السلطنة على توفير منصة للحوار والتفاهم بين الجانبيين وتعزيز التوافق المشترك بينهما من أجل السلام. إذ تهدف من خلال هذه المحاولات إلى تعزيز الحوار وبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة، وتعزيز فرص التوصل إلى حل سلمي يضمن السلام والاستقرار في المنطقة.

مسقط استقبلت، في تشرين الأول/أكتوبر 2018، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتقى سلطانها الراحل قابوس بن سعيد، لبحث سبل دفع عملية السلام، وذلك بعد ستة أيام من زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للسلطنة، بحسب موقع “الخليج أونلاين”.

زيارة نتنياهو تعتبر الثالثة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مسقط، إذ زارها كل من إسحاق رابين عام 1994، وشمعون بيرس عام 1996 لتوقيع اتفاقية لفتح مكاتب تمثيل تجارية بين البلدين قبل أن تغلق بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000.

مراقبون أشاروا آنذاك إلى أن الهدف من هذه الزيارات هو محاولة إحياء قناة الوساطة العُمانية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بهدف استئناف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي.

تعقيبا على زيارة نتنياهو للسلطنة، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الراحل صائب عريقات، إن “سلطنة عمان لم تطبع مع اسرائيل، ولكنها حاولت فتح آفاق جديدة لعملية السلام”.

من جانبها أشارت صحيفة “القدس العربي” آنذاك إلى أن وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، صرّح في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2018، بأن “الزمن أصبح مناسبا للتفكير بجدية في التخلص من المشكلات التي لا تسمح لدول المنطقة بالتطور الذي تستحقه”، مؤكدا أن بلاده تساعد على تقارب الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.

لكن وزير التخطيط الفلسطينيّ السابق في رام الله، غسّان الخطيب، استبعد في حديثه لموقع “المونيتور”، في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، إمكانية نجاح المساعي العمانية، مشيرا إلى أن آفاق نجاح وساطتها منخفضة جدّا، والسلطة الفلسطينيّة تعلم ذلك، لكن يصعب عليها رفض مساعي السلطنة، لأنّها قد تخسرها، ولذلك تتعاطى مع طروحاتها من دون وجود تفاؤل بنجاحها، على حد قوله.

وساطات عُمانية

مسقط لعبت دورا هاما في الوساطة في عدة نزاعات إقليمية ودولية على مر العقود، إذ لعبت الوساطة العُمانية دورا خلال الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين دول الخليج العربية في عام 2017، إذ قامت سلطنة عمان بدور الوساطة بين الدول المتنازعة، من خلال استضافتها لعدة اجتماعات ومحادثات بين الأطراف المعنية بهدف التوصل إلى حل سلمي وإعادة تعزيز العلاقات بين الدول الخليجية، وفقا لموقع “بي بي سي” عربية.

السلطان العماني هيثم بن طارق/ رويترز
السلطان العماني هيثم بن طارق/ رويترز

عُمان شاركت أيضا في الجهود الدولية لحل الأزمة اليمنية، حيث استضافت مسقط محادثات سلام بين الأطراف المتنازعة في اليمن وعملت على تسهيل الحوار وتعزيز فرص التوافق بينهم، وكان للوساطة العُمانية دورا في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، إذ قامت السلطنة بمحاولات عدة للوساطة فيما يسهم بتقدم سير عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

بجانب ذلك شاركت مسقط في مؤتمر ميونيخ الأمني في 2020، بدورته الـ 56 بمشاركة عدد من رؤساء الدول والحكومات، وبحسب وكالة الأنباء العُمانية “وانا”، فإن مشاركة السلطنة في هذا المؤتمر كانت حرصا منها على تحقيق الأمن والسلام في المنطقة.

في سياق آخر، يرى الباحث محمود أبو حوش بأن نجاح المبادرة العُمانية حول استئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل متوقفة عل عدة اعتبارات أولها، جدية الطرف الإسرائيلي في التوصل لتسوية حقيقية وهذا عامل أساسي للحل، وأيضا وجود موقف فلسطيني موحد تجاه العملية، وبالتالي الدفع بالمبادرة إلى الأمام، إضافة لذلك الالتفاف الإقليمي باتجاه التسوية عامل مهم في نجاح المبادرة.

 بمعنى أن الإقليم لا بد أن يكون لديه صيغة تفاهمية موحدة حول استئناف التفاوض والتوصل لحل بين السطلة الفلسطينية وإسرائيل، وهذا ما تضح في القمة العربية الأخيرة في الرياض وهو التأكيد على حدود 67 والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، بحسب أبو حوش.

من جانبه يرى رئيس مركز “أبابيل الدولي للدراسات الاستراتيجية” الدكتور فارس إبراهيم الكاتب، خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن السياسة الخارجية العمانية امتازت بتطبيق ما يسمى بالسياسة الناعمة، حيث حققت نجاحا كبيرا في تقارب وجهات النظر بين  إيران ودول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، إلى الدرجة التي أصبحت بموجبها سلطنة عمان، تشكل رقما صعبا في المنطقة، الأمر الذي جعل “البيت الأبيض” الأميركي يرسل مبعوثا إلى السلطنة للعمل على تقارب وجهات النظر بين إيران واسرائيل من جهة وبين القيادة الفلسطينية واسرائيل من جهة اخرى، لتهدئة الأوضاع من خلال توقيع اتفاقية سلام شامل بالمنطقة.

أخيرا، الدبلوماسية العمانية هي في موضع متميز جدا في الإقليم العربي ويطلق عليها في أدبيات العلاقات الدولية “سويسرا الشرق الأوسط”، هي دولة وسيط معتمد ما بين كافة الأطراف التي يحدث بينها خلافات في المنطقة. إذ تعتمد على سياسية الحياد الإيجابي لحل الأزمات والصراعات والدفع بها تجاه التسوية والتوافق

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات