مع استمرار فقدان الليرة السورية لقوتها الشرائية، وتفاقم الأزمات المعيشية في البلاد، ازداد هذا العام غياب كميات “المونة” الغذائية، التي اعتاد السوريون تخزينها خلال فصل الصيف، بهدف استهلاكها في الشتاء، لتنخفض النسبة إلى النصف فيما غابت بشكل كامل عن بعض المنازل.

رغم انخفاض أسعار بعض مواد المونة هذا العام، إلا أن الإقبال على “المونة” في تراجع مستمر، حيث فشلت معظم العائلات في توفير تكلفة المونة هذا السنة، بسبب الارتفاع الحاصل في أسعار مختلف السلع والخدمات، والذي ازدادت وتيرته خلال الأشهر القليلة الماضية.

بعض مواد المونة الصيفية شهدت انخفاضا في أسعارها مقارنة بالعام الماضي، وتحديدا الفول والبازلاء، إلا أن تجار من سوق الهال بدمشق، أكدوا انخفاض الطلب على شراء هذه المواد، بسبب انخفاض القدرة الشرائية وعدم اعتماد كثير من المستهلكين على تفريز المؤونة، بسبب انقطاع الكهرباء الطويل وكذلك وجودها بكثرة في المتاجر الكبيرة وبأي وقت.

أسعار متفاوتة

صحيفة “الوطن” المحلية، أفادت في تقرير نشرته الأحد، أفادت بوجود فروقات في أسعار مواد المونة في أسواق العاصمة دمشق، حيث بلغ سعر كيلو البازلاء بقشرها في سوقي باب سريجة والهال بين 3200- 3500 ليرة، وسعر كيلو الفول بقشره بين 2000 – 2500 ليرة، فيما تقارب سعر الكيلو المقشر من المادتين في السوقين بسعر وسطي بين 10000- 12000 ليرة، أما سعر كيلو الثوم اليابس في السوقين بين 5000-5500 ليرة، والأخضر بين 2000-3000 ليرة، والبصل الفريك بين 1500- 2000 ليرة.

قد يهمك: بدء ترخيص مولدات الأمبير في دمشق.. اعتراف حكومي باستمرار أزمة الكهرباء؟

أما في سوقي الشيخ سعد وسوق ضاحية قدسيا، فقد ارتفعت الأسعار 25 بالمئة تقريبا، في وقت بيّن بعض الباعة أن الموسم هذا العام بدأ بأسعار مرتفعة من قرابة 6 آلاف ليرة لكيلو البازلاء و4 آلاف ليرة لكيلو الفول، ثم انخفضت بعد انقضاء أسبوع على بدء الموسم بشكل ملحوظ.

لكن تجار من سوق الهال، أكدوا للصحيفة المحلية، أن انخفاض الأسعار لم ينعكس أبدا على معدلات الطلب على المواد، فالإقبال ما يزال ضعيفا، ومن المتعارف عليه أن عمر الموسم الزمني لا يتجاوز 20 يوماً على الأكثر.

السوريون اعتادوا في مثل هذه الأيام على تأمين “مونة الشتوية”، وخلال الأسابيع القادمة ستبدأ مونة المكدوس، والجبن، و”الشنكليش”، والمربيات بكافة أنواعها، ثم في شهر تشرين الأول/أكتوبر، يأتي تأمين “مونة” الزيتون، وأيضا الزيت الذي وصل سعره إلى حدود الـ 300 ألف ليرة، لصفيحة الـ 20 ليترا، وذلك كله بالتزامن مع تردي الوضع الاقتصادي.

تُعرف المونة، بأنها ما يدّخره المواطنون من قوت ومواد غذائية، ويسمى المكان الذي يتم حفظ المواد الغذائية بداخله بهدف التخزين، “بيت المونة”. والتموين في المنازل السورية ثقافة قديمة، تتعلق بأنواع من المأكولات المرتبطة بالتراث السوري، وتقوم على تخزين مواد غذائية موسمية بكميات كبيرة بهدف استخدامها خلال فترات أخرى من السنة.

تراجع الإقبال على المونة

التموين في سوريا، تراجع بشكل كبير خلال الأعوام السابقة وهذا العام بشكل أكبر كما رصده “الحل نت”، لارتباطه بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي، وتأثّره بتراجع الإنتاج الزراعي، وضعف الاستيراد والتصدير وحركة التجارة.

تؤشّر معدلات التموين للعائلة السورية، على المستوى الاقتصادي الفردي، الذي تدهور بشكل كبير ليصل بـ 90 بالمئة، من السوريين إلى خط الفقر، وذلك وفق دراسة أعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة “الأسكوا”، ونشرتها في أيلول/سبتمبر الماضي.

“المونة” في سوريا تأخذ أكثر من شكل، الأول هو حفظ المواد الأولية كالرز، والبقوليات، والحبوب، والسكر، والزيت والسمن، لاستخدامها على مدار السنة، لأهداف اقتصادية وكنوع من الأمن الغذائي على مستوى العائلة الواحدة، كما ترتبط بكثرة عدد أفراد العائلة في المنزل الواحد، ما يتطلب توفيرا دائما لهذه المواد.

السوريون يعانون من هوة كبيرة بين الدخل والانفاق، ففي حين لا يزيد الحد الأدنى للأجور عن 92 ألف ليرة، ومتوسط الأجور عن 150 ألف، بلغ متوسط معيشة الأسرة المكوّنة من خمسة أفراد أكثر من 5.6 ملايين ليرة سورية والأدنى نحو 3.5 مليون ليرة سورية، وذلك مع انتهاء الربع الأول من عام 2023، بحسب ما نشره مركز “قاسيون” من دمشق أخيرا.

تحسين الواقع المعيشي للسوريين، يتطلب بحسب مختصين في الاقتصاد وجود رؤية وخطة واضحة لتحسين واقع الإنتاج بمختلف قطاعاته، فضلا عن تحسين البنية التحتية وتأمين الخدمات الأساسية، بما يخدم القطاع الإنتاجي، وبذلك تتحرك العجلة الصناعية ويزداد الطلب على اليد العاملة، بالتالي يمكن الحديث عن تحسن في الواقع المعيشي للسوريين، لكن كل ما سبق فشلت دمشق في تحقيق الأدنى منه.

في تأكيد على عدم جدوى الذهاب إلى فكرة زيادة الأجور، رأى  الخبير الاقتصادي والمصرفي عامر شهدا في تصريحات لصحيفة”تشرين” المحلية، أن أي زيادة للرواتب في ظل التضخم الجامح هي زيادة خُلّبية، لأن التضخم وارتفاع الأسعار سيمتص الزيادة ونعود لنقطة البداية.

الارتفاع في الأسعار لا يكاد يستثني ولا حتى مادة غذائية واحدة، من المواد التي اعتاد السوريون استهلاكها في موائدهم اليومية،  فحتى المادة التي توصف بأنها “قوت الفقراء” بسبب انخفاض ثمنها وهي الزعتر، ارتفع سعر الكيلو منها مؤخرا ليبلغ سعر كيلو الزعتر الحلبي، في أسواق حلب 30 ألف ليرة سورية للنوع الأول و 22 ألف ليرة للنوع التجاري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات