ضربة كبيرة كادت أن تحل بلبنان الغارق في إحدى أشد الأزمات العالمية، بعد أن تداولت أخبار وتقارير صحفية خلال اليومين الماضيين اقتراب وقوعه في محظور “القائمة الرمادية”، وما يستتبعها من تعقيدات في التحويلات عبر الحدود. إلى أنّ تحدثت المعلومات الأوليّة لمضمون توصيات مجموعة العمل المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “المينافاتف” التي اختتمت أعمالها الخميس الفائت في مملكة البحرين، عن منح لبنان فترةَ سماح لمدّة سنة، بغية استكمال الاستجابة لمتطلبات ماليّة ونقديّة ومصرفيّة، لتفادي إدراجه على “القائمة الرمادية”.

مصادر مطلعة رجحت لوكالة “رويترز” أن تدرج مجموعة العمل المالي “المينافاتف” وهي هيئة حكومية دولية أنشأتها “مجموعة السبع” لتحديد البلدان المتورطة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى وضع لبنان على “القائمة الرمادية” للدول الخاضعة لرقابة خاصة، بسبب ممارسات غير مرضية لمنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

المصادر أشارت إلى أن القرار يبقى حاليا في دائرة الترجيح، إلا أنه يعطي مؤشرات غير محمودة. أما في حال اتخاذه، فسيكون بمثابة ضربة كبيرة أخرى لدولة تعاني تدهورا ماليا منذ عام 2019 وتكافح للتوصل إلى اتفاق مع “صندوق النقد الدولي”، لافتتا أن “العملة الوطنية فقدت أكثر من 98 في المئة من قيمتها، مما أدى إلى إغراق معظم السكان في براثن الفقر”، وذلك بحسب ما نقله موقع “إندبندنت عربية”.

المصادر ذاتها ذكرت بأن “المينافاتف”، أجرى تقييما أوليا لاقتصاد لبنان، وبأن الدول الأعضاء ستطلع عليه خلال هذا الأسبوع في البحرين.

فترة سماح

معلومات أوردتها محطة “إل بي سي” اللبنانية، بأن “المينافاتف” وبعد دراسة الأوضاع المالية والنقدية والمصرفية للبنان، وجدت أن هناك إيجابيات تحققت في 7 مجالات، بينما يحتاج أمران إلى استمرار المعالجة، ولم تتضح الأمور الإيجابية والسلبية بانتظار صدور بيان رسمي عن المنظمة، وبناء على هذا التقييم قررت المنظمة منح لبنان فترة سماح لمدة سنة، لإنجاز ما هو مطلوب منه تفاديا لوضع اسمه على “القائمة الرمادية”.

مصرف لبنان المركزي/رويترز
مصرف لبنان المركزي/رويترز

من جهته يعتقد الخبير الاقتصادي بلال علامة بأن التوصيات التي صدرت عن مجموعة العمل المالي، بإعطاء مهلة سنة للبنان، هي لضبط الدورة المالية والعمليات المالية والتحويلات، وإعادة الأمور إلى سكة العمل المصرفي بشكل طبيعي بعد تحرير القيود المفروضة على هذه العمليات، وفي الوقت نفسه الدفع باتجاه توحيد سعر الصرف ليصبح متوازن في السوق لوحده بدون تدخل من هنا أو فرض من هناك.

علامة يضيف خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن هذه العمليات والتوصيات، قد يكون لبنان قادر على تنفيذ أجزاء منها أما الأجزاء الأكبر فهي رهن بالقرارات السياسية التي لا يُعلم حقيقة كيف ستقارب هذا الموضوع وبأي شكل من الأشكال، وفق تعبيره.

في موازاة ذلك، أصدرت هيئة التحقيق الخاصة في وحدة الإخبار المالي، في مصرف لبنان، بيانا في 26 من الشهر الجاري، قالت فيه إنه بالإشارة إلى البيانات والتحليلات غير المبنية على الوقائع التي صدرت أخيرا، بأن لبنان ربما يدرج هذا الأسبوع على “القائمة الرمادية”، نفيد بأنه تمت مناقشة واعتماد تقرير التقييم المتبادل للجمهورية اللبنانية خلال اجتماعات فرق العمل والاجتماع العام الـ36 لمجموعة “المينافاتف” التي اختتمت أعمالها في 25 من الشهر الجاري في المنامة.

إذ إن اعتماد هذا التقرير يأتي نتيجة عملية طويلة امتدت 16 شهرا، تم خلالها وفي ظل ظروف صعبة، تقييم نظام مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب اللبناني وفقا لمنهجية مجموعة العمل المالي “فاتف” المعتمدة لتقييم كل البلدان، وسيحدد تقرير لبنان الثغرات التي يجب معالجتها. كذلك، سيبين الجوانب الإيجابية في نظام مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في لبنان، والتقييم خطوة حاسمة في استعادة الثقة بالنظام المالي اللبناني الذي يمر بحال فوضى منذ عام 2019.

بدورها تكافح السلطات اللبنانية من أجل تنفيذ إصلاحات لتأمين اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة إنقاذ، وقالت الهيئة إن التقرير المعتمد سينشر في حزيران/يونيو المقبل من دون الإشارة إلى أي تعديلات على المسودة، وفقا لجريدة “النهار” اللبنانية.

انفراجه اقتصادية؟

بتقدير علامة أن إي انفراجات على صعيد التعاطي الدولي مع الوضع المالي اللبناني ستنعكس على الاقتصاد بشكل إيجابي، لأن مشكلة الاقتصاد اللبناني اليوم أنه ذهب نحو الانحدار بطريقة دراماتيكية، انطلاقا من الشروط والقيود التي وضعت فكبلت الدورة المالية والسيولة، وقيدت أيضا العمليات التجارية وأثرت بشكل أو بآخر على هذا الموضوع، ويرى علامة بأن كل حلحلة في هذا الموضوع باتجاه عودة الأمور إلى المسارات الطبيعية، يعني ذلك انعكاس إيجابي على الاقتصاد اللبناني.

علامة يجزم هنا بأن لبنان كان يسير في هذا الاتجاه انطلاقا من التعميم 165 الذي عمله حاكم مصرف لبنان في بداية الشهر الجاري، وأعطى فيه المصارف مهلة حتى 10 من الشهر، لإنشاء ما يسمى حسابات “فرش” لزبائنها، حيث تستطيع هذه الحسابات ممارسة الأعمال المصرفية والتحويلات دون قيود وبمعزل عن الودائع السابقة بمعنى أوضح، فتح من خلال التعميم 165 دورة اقتصادية جديدة تخدم المفاوضات التي كانت تحصل مع مجموعة “المينافاتف” والهدف أن يتم ضبط إيقاع الدورة المالية وإبعادها عن “اقتصاد الكاش” باتجاه عودتها إلى النظام المصرفي.

أما بما يتعلق بملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وخاصة بعد أن وضع القضاء اللبناني يده على الملف، يرى الخبير الاقتصادي بلال علامة بأن ملف سلامة هو ملف سياسي بامتياز ومعالجته اليوم هي رهن بالقضاء اللبناني والقرار للسلطة السياسية اللبنانية، فيما يتعلق بالشروط التي تفرضها الدول الأوربية لناحية ضرورة استدعاء الحاكم وأخذ اعترافات منه حول العمليات التي جرت ومرت بالبنوك الأوروبية وغيره.

علامة يشير هنا إلى أنه توجد مشكلة جدية في هذا الموضوع وهو أن حاكم مصرف لبنان هو في ذات الوقت رئيسا لهيئة التحقيق، وهيئة التحقيق الخاصة هي التي تدقق بالعمليات المالية، إذا الأمور لها أبعاد أكثر من حد اتهامه الشخصي، وهذه الشروط التي تفرضها الدول الاوربية تذهب باتجاه اتهام النظام المالي والمصرفي اللبناني كله بتبيض الأموال وربما العلميات غير القانونية وغير المشروعة، لذلك عملية معالجته يجب أن تكون بالسياسية وعبر القضاء اللبناني الذي وضع يده الآن على الملف لتولي اتخاذ القرارات القضائية اللازمة.

هذا وتحيط اتهامات الفساد بحاكم مصرف لبنان، الذي خضع لاستجواب الأسبوع الفائت، على خلفية مذكرة دولية صادرة بحقه، إذ يأتي استجوابه على خلفية “النشرة الحمراء” التي أصدرها “الإنتربول” في حقه بناء على طلب القضاء الفرنسي، وذلك بعد يومين من إبلاغ ألمانيا السلطات اللبنانية شفهيا بصدور مذكرة اعتقال بحق حاكم مصرف لبنان وذلك على وقع جرائم غسيل أموال واختلاس.

من جهته عزم رياض سلامة على الطعن بالقرار بدعوى عدم قانونيته، وحسب بيان صادر عن مكتب سلامة، أصدرت قاضية التحقيق الفرنسية، أود بوروزي، قرارا بإصدار مذكرة توقيف دولية ضده، وأكد البيان أن القرار يشكل خرقا لأبسط القوانين، كون القاضية لم تراع المهلة القانونية المنصوص عليها في القانون الفرنسي بالرغم من تبلغها وتيقنها من ذلك.

“المينافاتف” و”القائمة الرمادية”

مهمات مجموعة “المينافاتف” تتمثل في وضع المعايير الدولية التي تهدف إلى منع الأنشطة غير المشروعة والأضرار التي قد تلحق بالمجتمع بصفتها الهيئة المسؤولة عن صنع السياسات، وتعمل المجموعة على توليد الإرادة السياسية اللازمة لإحداث الإصلاحات التشريعية والتنظيمية الوطنية في هذا المجالات.

صورة للعملة اللبنانية/ وكالات
صورة للعملة اللبنانية/ وكالات

 “المينافاتف” وضعت سلسلة توصيات تعد بمثابة المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، كما أنها تشكل الأساس لاستجابة عالمية منسقة لمنع الجريمة المنظمة والفساد والإرهاب، وتعمل المجموعة على وقف تمويل أسلحة الدمار الشامل. كما تراقب التقدم الذي تحرزه الدول الأعضاء في تنفيذ التدابير اللازمة للمكافحة وتراجع وسائل غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتقنيات مكافحتها وتدابيرها وتشجع على اعتماد وتنفيذ التدابير المناسبة على الصعيد العالمي بالتعاون مع الجهات الدولية الأخرى المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفقا لموقع “إندبندنت عربية”.

بحسب مراقبين فإن التلويح بالتصنيف الرمادي هو بمثابة تحذير من عقوبات غير مباشرة تفرض على شكل مقاطعة من المستثمرين ومؤسسات التمويل الدولية، نظرا إلى ارتفاع أخطار التعامل مع لبنان، خصوصا مع المصارف، وهذا ينعكس على عمليات الاستيراد والتصدير، أي إن لبنان ربما يجد نفسه في عزلة دولية ومزيد من الانغلاق، مما يؤثر سلبا في الوضع الاقتصادي وسعر صرف الليرة.

إذا، ينبغي على لبنان أن يتخذ إجراءات فعلية ومفيدة فيما يتعلق بالواقع النقدي والمصرفي، لإنقاذ البلد من الهوة التي يعيش فيها، سيما وأنه لا يستطيع أن يتحمل المزيد من الفساد السياسي خاصة وأنه كانت هنالك شراكة كبيرة بين حاكم مصرف لبنان والطبقة السياسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات