في تصريحات مفاجئة، اتُهمت الحكومة السورية من قبل أعضاء في مجلس الشعب بشرعنة الفساد لمواطنيها، ففي حين أنه قد يكون هناك بعض الحقيقة في هذا الادعاء، إلا أن العقلية الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة واقع وخير دليل على هذه الفرضية.

الفساد كان ولا يزال مشكلة رئيسية في سوريا منذ سنوات عديدة. وقد غذا ذلك، الافتقار إلى الشفافية وضعف المؤسسات وثقافة الإفلات من العقاب. كما اتُهمت الحكومة في بعض الأوقات بغض الطرف عن الفساد بل وتشجيعه من خلال إنشاء نظام المحسوبية والواسطة، حيث يُكافأ البعض بالوظائف والمزايا الأخرى، بغض النظر عن مؤهلاتهم.

كان لذلك تأثير مدمر على الاقتصاد وحياة السوريين العاديين. أدى الفساد إلى تراجع الخدمات العامة، ونقص الاستثمار، وفقدان الثقة في المؤسسات الحكومية، وقد ساهم أيضا في عدم المساواة الاجتماعية، حيث ازداد الأغنياء ثراءً وازداد الفقراء فقرا.

المعادلة الاقتصادية لا تتناسب

بحسب ما صرح به عضو مجلس الشعب بسيم يوسف الناعمة، أمس الاثنين، للعديد من الوسائل الإعلامية المحلية، فإن الحكومة دفعت عجلة الإنتاج دون خلق بيئة مناسبة وخلق مناخ استثماري آمن، مبيّنا بأن المعادلة الاقتصادية التي تعمل بها الحكومة الحالية لا تتناسب مع الواقع أبدا ولا تتواكب مع الانفتاح السياسي الأخير ولا ترتقي إلى مستواه.

مواطنون ينتظرون النقل الداخلي في دمشق - إنترنت
مواطنون ينتظرون النقل الداخلي في دمشق – إنترنت

الناعمة أشار إلى أنه يجب على الحكومة استبدال هذه العقلية الاقتصادية التي فشلت؛ لأن الواقع هو خير دليل، وقال إنه “عندما نقبل أن يكون راتب الموظف لا يكفيه لمدة يومين نكون قد شرعنا له الفساد والتّسيب”.

المعادلة الاقتصادية في سوريا التي لفت لها الناعمة، كانت موضع قلق خلال السنوات الماضية، فمن الواضح أن الوضع الحالي في البلاد لا يتوافق مع الواقع، حيث يشهد الاقتصاد السوري حالة من التدهور منذ فترة طويلة، وتواجه البلاد عدة تحديات تتطلب اهتماما فوريا.

البلاد تواجه أزمة اقتصادية حادة منذ عدة سنوات، والوضع يزداد سوءا، إذ فقدت الليرة السورية قيمتها، وارتفع معدل التضخم بشكل كبير، وأصبحت تكلفة المعيشة لا تطاق بالنسبة لمعظم السوريين، وازداد معدل الفقر بشكل كبير.

رفع الدعم زاد الفقر

في هذا السياق، بيّن عضو مجلس الشعب، أن الحكومة رفعت الدعم عن 60 بالمئة من الشعب السوري أو أكثر تحت عنوان إيصال الدعم إلى مستحقيه، لكن حسب تعبيره بسبب هذا الإجراء الفقير ازداد فقرا، كما أن كل الإجراءات الاقتصادية لتقليل الفجوة بين مستوى الدخل وارتفاع الأسعار لم تثبت أي نجاح.

حواجز عسكرية تمنع مرور سيارات المصانع - إنترنت
حواجز عسكرية تمنع مرور سيارات المصانع – إنترنت

منذ شباط/فبراير الفائت، بدأت الحكومة السورية بتطبيق قرار رفع الدعم عن المواد الأساسية على رأسها المحروقات والغاز والخبز ومواد غذائية أخرى أساسية، واستبعاد فئات محددة من الدعم، بحجة “إيصاله إلى مستحقيه من الشرائح الأكثر احتياجا في المجتمع ومنع استغلاله وإيقاف الهدر”.

بلغت أعداد العائلات المستبعدة من الدعم داخل البلاد حوالي مليون عائلة، فيما كشف المدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء وأستاذ كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” شفيق عربش، في نهاية عام 2022 عن بلوغ نسبة الفقر 93 بالمئة، مشيرا إلى أن قرارات الحكومة تساهم في رفع هذه النسبة.

الحكومة السورية حاولت معالجة التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، لكن جهودها وقراراتها غير المدروسة لم تكن كافية. نفذت الحكومة عدة سياسات لمحاولة استقرار الاقتصاد، لكنها لم تسفر عن النتائج المرجوة، حيث لا تزال البلاد تعاني من ارتفاع معدل التضخم، وضعف العملة، وانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي.

الفساد والوضع المعيشي

طبقا لما تحدث به بسيم الناعمة، فإن كل الجهود الاستثنائية التي تبذلها الحكومة حسب تصريحها لتحسين الوضع المعيشي لم يلتمس منها المواطن سوى ازدياد الفقر واتساع الفجوة الطبقية.

أزمة البنزين في سوريا - إنترنت
أزمة البنزين في سوريا – إنترنت

كل الإجراءات الحكومية بحسب تصريحات الناعمة، لم تسهم في دفع عجلة الإنتاج بل أعاقت عمليات الإنتاج، وأدت إلى إغلاق العديد من الفعاليات الاقتصادية و التجارة، إما بسبب ارتفاع سعر المحروقات الخيالي أو بسبب قانون الضرائب ذي المفعول الرجعي أو التموين.

فطبقا للقرارات الحكومية الأخيرة، ارتفع سعر اسطوانة الغاز المنزلي والصناعي من قبل “محافظة دمشق” الأسبوع الفائت، سواء كانت عبر البطاقة “الذكية” وبدونها، أي بالسعر الحر، ليصبح سعر الاسطوانة عبر البطاقة 16 ألفا و500 ليرة سورية بوزن 10 كيلوغرامات، واسطوانة “الحر” من داخل وخارج البطاقة للوزن نفسه بقيمة 51500 ألف.

كما تم تحديد سعر مبيع الطن الواحد من الفيول بـ 3.335 ملايين ليرة للقطاع الخاص، متضمنة أجور النقل، ومليوني ليرة للقطاع العام. أيضا للمرة الثالثة في هذا العام، قامت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية”، برفع سعر البنزين، حيث رفعت الوزارة سعر المادة من 6600 ليرة سورية، إلى 7600 ليرة سورية، للتر الواحد من بنزين “أوكتان 95”. كما تم رفع سعر اسطوانات الغاز المنزلي المدعوم وغير المدعوم، أي  بالسعر الحر.

هذه الارتفاعات في الأسعار فضلا عن مماطلة الحكومة بتحسين الرواتب والأجور أدت إلى زيادة معدلات استقالة العمالة في القطاع الحكومي السوري، والتوجه إلى القطاع الخاص أو الهجرة إلى خارج البلاد،  حيث لا يزيد متوسط الأجر الشهري عن مئة ألف ليرة، فيما زاد إنفاق الأسرة على 6.5 ملايين ليرة.

عدم استدامة المعادلة الاقتصادية في سوريا التي انتهجتها الحكومة خلال السنوات السابقة فتح الباب أمام المواطنين للفساد، حيث بات البعض يعتقد أن هذه العقلية الاقتصادية خذلتهم، وهذا أدى إلى ظهور شريحة تتبنى رأيا وهو، حان الوقت لكي تستبدل الحكومة بأخرى جديدة تعطي الأولوية للشفافية والمساءلة، وتحسين حياة السوريين العاديين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات