منذ تبلور مفاوضات إعادة العلاقات السعودية الإيرانية يجري الحديث عن إمكانية عودة العلاقات المصرية الإيرانية، ومع زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق، إلى إيران، أمس الاثنين، تجدد ربط الكثيرين الزيارة باستئناف علاقات طهران والقاهرة، وبالفعل ما إن انتهت الزيارة، حتى كشف الموقع الإعلامي لمكتب المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، بترحيبه في إعادة العلاقات مع مصر.

لكن مع ذلك، مصر لم تصدر أي بيانات رسمية بشأن مثل هذه المساعي، في ظل علاقات متوترة على مدار العقود الماضية بينها وبين طهران، وبالتحديد منذ آخر سنوات حكم الرئيس المصري الراحل أنور السادات، عندما انقطعت العلاقات عام 1980.

بيد أن تصريحات المرشد الإيراني الأعلى، تأتي في ظل حركة تقاربات في المنطقة، أبرزها الاتفاق الذي رعته الصين بين السعودية وإيران، في العاشر من آذار/مارس الماضي، على استئناف العلاقات الدبلوماسية، بجانب عودة سوريا لـ “جامعة الدول العربية”، وتحركات من أجل تقارب بين تركيا مع مصر، ومع الحكومة السورية أيضا.

إيران وإصرار إعادة العلاقات مع مصر

التطور في الموقف الإيراني تجاه مصر، جاء بعد مباحثات بين سلطان عمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارة الأول للقاهرة، للمرة الأولى منذ تسلّمه السلطة في العام 2020، الأسبوع الماضي، حيث شهد التباحث حول قضايا رئيسية، بينها مسار تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية.

إذ باتت سلطنة عُمان تلعب دور الوساطة بشكل أكثر تأثيرا في المنطقة، لاسيما فيما يخص القضايا المرتبطة بإيران، فطالما أدت هذا الدور وآخر مشاهده صفقة تبادل سجناء بين طهران وبروكسل، وأيضا خلال المفاوضات النووية بين إيران وست دول غربية كبرى.

غير أنه لم يبدو واضحا بعد، إذا ما كانت القاهرة مستعدة في الوقت الحالي إلى استئناف علاقاتها مع طهران، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة تبادل السفراء كما حصل بين الرياض وطهران، والذي حافظت عليه مصر بمستوى رمزي طيلة سنوات القطيعة المستمرة حتى الآن، حيث إن التمثيل الدبلوماسي الحالي يقف عند وجود قائم بالأعمال، بدرجة سفير في كلا البلدين.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها إيران عن علاقاتها مع مصر، بل سابقا ما بعد الاتفاق مع السعودية سرعان ما لوحت طهران إلى القاهرة، على الرغم من عدم إبداء القاهرة حماسا من عودة العلاقات بين الرياض وطهران، قبل أن تعرب في الوقت ذاته، عن تطلعها إلى أن يكون لهذا التطور بين الجانبين مردود إيجابي إزاء سياسات إيران الإقليمية والدولية.

امتدادا لموقف خامنئي، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بـ “مجلس الشورى” الإيراني، عباس كلرو، إن التطور الشامل للتعاون بين إيران ومصر كدولتين إسلاميتين مهمتين يصب في مصلحة المنطقة، وذلك خلال لقائه برئيس مكتب رعاية مصالح مصر في طهران، هيثم جلال، حسبما نقلت وسائل إعلام إيرانية، أمس الاثنين.

المسؤول الإيراني، أشار إلى أن التاريخ الحضاري والثقافي الطويل الأمد، لشعبي إيران ومصر، سيكون منبرا مناسبا لتوطيد العلاقات الودية والشاملة بين البلدين، مضيفا أن طهران تبحث دائما عن التقارب بين المسلمين والدول العربية والإقليمية ودول الجوار، وأنها تسعى جاهدة لتحسين مستوى العلاقات وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، من خلال المبادرة من أجل تنمية التعاون مع الدول العربية والإسلامية.

وسط ذلك، فتحت قضية إعادة العلاقات المصرية الإيرانية، الباب على تساؤلات عدة، منها ما التأثيرات والانعكاسات التي يمكن أن يتركها عودة العلاقات بين الجانبين، وإذا ما كان بالفعل هناك خطوات متسارعة نحو عودة العلاقات، أم أنها لا تزال قاصرة على تصريحات المسؤولين.

هواجس مصرية

تعليقا على ذلك، أوضح الباحث المصري، المهتم بالشأن الإيراني علي رجب، أن جهود إعادة العلاقات المصرية الإيرانية، قد بدأت منذ أشهر، حيث كانت بغداد إبان عهد حكومة مصطفى الكاظمي قد بادرت في ذلك، بالتزامن مع وساطات عربية مثل الأردن وعمان، بالتالي أن كل هذه الجهود قد توجت في أكثر من لقاء بين القيادات المصرية الإيرانية.

سلطان عُمان هيثم بن طارق خلال زيارته إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي/ إنترنت + وكالات

رجب، وفي حديث لموقع “الحل نت”، قال إن المعطيات الحالية تشير إلى قرب استئناف العلاقات المصرية الإيرانية، لكن مع ذلك يبقى ذلك متوقفا على إعلان التوصل إلى اتفاق، مبينا أن ذلك مبني على رغبة متبادلة تحكمها الظروف الإقليمية والدولية، لاسيما بعد عودة العلاقات السعودية الإيرانية.

فيما أشار، إلى إن إيران باتت تعامل بشكل براغماتي في سياستها الخارجية، وأن هناك رغبة من قبل تيار الأصوليين المتشددين الذي ينخرط منه الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي، بالانفتاح على محيطهم، وذلك بغية تخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية الدولية على بلادهم، مشيرا إلى أن نهج الانفتاح الذي تتبناه إيران حاليا، لا يقتصر على الدول العربية فحسب، بل أن طهران تحاول الانفتاح على الجميع، ومثالا على ذلك، اتفاق تبادل الأسرى الذي حصل مؤخرا مع بلجيكا.

الخبير المصري، لفت إلى أنه، على الرغم من تحسّن العلاقات بين إيران ومصر، لكن لا تزال هناك العديد من الملفات والقضايا التي تتطلب اتفاقا حولها، بخاصة فيما يتعلق بتوجس مصر من الأبعاد الأمنية وأنشطة الأذرع الإيرانية في المنطقة مثل العراق وسوريا وغيرها التي تحمل أبعادا أمنية بالنسبة للأمن القومي المصري، وذلك بالإضافة إلى قضية علاقة إيران بجماعة “الإخوان المسلمين” المصنفة إرهابيا في مصر.

إيران، بحسب رجب، تدرك جيدا أن هذه الملفات تشكل توجسا لدى مصر، ولذلك في سياق رغبتها في إعادة تشبيك العلاقات مع محيطها، ستعمل مع مصر على التوصل إلى اتفاق بشأنها، كما حدث بين مصر وتركيا وقطر سابقا، ما يعني أن عودة العلاقات ستكون لها انعكاسات على المنطقة، بغض النظر عن أنها لا تبدو إيجابية أو سلبية بعد، مشيرا إلى أن هذه الهواجس المصرية هي من ستمثّل المسار المحدد للعلاقات بين القاهرة وطهران.

من جهته، قال المختص بالشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن، إن النظام الإيراني يعيش تحت العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية، ولذلك يحاول بكل ما يملك من جهود التقارب مع الدول العربية، والدليل على ذلك، أن مصدر التصريحات حول العلاقات الإيرانية المصرية،  يصدر من جانب واحد فقط، وهو إيران.

عبدالرحمن، لفت في تصريحات لموقع “الحل نت”، إلى أن، الرسائل التي تحملها الرغبة الإيرانية في التقارب مع مصر، هي أن إيران تريد الاستفادة اقتصاديا من الدول التي تبنى معها علاقات، كذلك التمدد بشكل أوسع في المنطقة.

مردفا، أن إسرائيل تمكنت من محاوطة إيران من كل الجهات تقريبا وباتت موجودة على حدودها بشكل تام، لذلك تريد إيران التقرب من الحدود الإسرائيلية من خلال إقامتها علاقات مع مصر، وإن كانت هذه العلاقات لا تعني شيء فعليا على هذا المستوى، لكنها فقط تريد أن تقول إنها موجودة على الحدود الإسرائيلية.

استغلال إيراني

عبدالرحمن، أوضح، أن الدول التي تقيم علاقات مع إيران لا يمكنها الاستفادة من إيران اقتصاديا، وذلك لخضوعها للعقوبات الدولية، لكن إيران ومن خلال الالتفاف على العقوبات تحاول الاستفادة من اقتصاديات الدول العربية، وتعلن من خلال إعادة العلاقات، بأنها تمكنت من فك العزلة الدولية المفروض عليها، مؤكدا أن جميع علاقات الدول العربية مع إيران لم تأتي بنتائج إيجابية، لاسيما في ظل مساعي إيران بالتمدد في الدول العربية.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي/ إنترنت + وكالات

التوتر في العلاقات المصرية الإيرانية يعود إلى أواخر عهد الرئيس السادات، منذ إطاحة “الثورة الإسلامية” بشاه إيران محمد رضا بهلوي، صديق السادات الحميم، ثم اتهامات مصرية لدعم طهران جماعات خارجة عن القانون، بجانب مواقفها المتعارضة مع السياسات المصرية بملفات إقليمية عدة.

بالتالي، عملت إيران مؤخرا على تعزيز علاقاتها مع عواصم خليجية مثل الإمارات والكويت، بعد فتور خلال السنوات الأخيرة، وعلى هذا النحو، أرادت كسر الجمود بينها وبين القاهرة، تجاوز الخلافات العالقة، أملا في خلق محيط اقتصادي وسياسي لها.

نتيجة لتلك الرغبة، والإلحاح الإيراني، كانت مصر أعلنت في نهاية آذار/مارس الماضي، أنها ستسمح للإيرانيين الوافدين ضمن مجموعات سياحية بالحصول على تأشيرات عند الوصول، ولكن إلى جنوب سيناء البعيدة عن القاهرة والمدن الأخرى المكتظة بالسكان فقط، وذلك في خطوة تمهيدية لبحث إمكانية السماح لهم بزيارة أماكن أخرى في البلاد.

على مدار عقود كانت التوترات هي السمة الغالبة للعلاقات بين مصر وإيران، فمع ثورة يوليو 1952 في مصر، سادت علاقة شديدة التوتر بين شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي كان يمتلك علاقة نسب مع الأسرة المالكة في مصر.

كما كانت علاقة النظام الحاكم في إيران آنذاك قوية بالولايات المتحدة الأميركية، وهو ما سبب شقاقا كبيرا في العلاقة مع مصر جمال عبد الناصر على خلفية الصراعات بالمنطقة، وبعد رحيل عبد الناصر عام 1970، تقلصت التوترات مع وصول السادات إلى الحكم وتوجهه إلى المعسكر الغربي، والبدء في التعاون مع الشاه.

لكن، ومع إطاحة ثورة الخميني بشاه إيران عام 1979 ولجوء الأخير إلى مصر، توترت العلاقات بشدة بين القاهرة والنظام الجديد في طهران، لدرجة تسمية شارع في إيران باسم خالد الإسلامبولي، أبرز منفذي اغتيال السادات في أكتوبر 1981، وفي عهد الرئيس حسني مبارك، بدأت العلاقات في التحرك نسبيا إلى الأمام، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، لكن الأمر لم يصل أبدا إلى الاستئناف الكامل حتى الآن.

مع وصول “الإخوان المسلمين” إلى الحكم في مصر في أعقاب ثورة كانون الثاني/يناير 2011، بدا أن طهران والقاهرة في طريقهما إلى نسج علاقات دافئة أخيرا، خصوصا بعد زيارة الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى طهران عام 2013 لحضور القمة الإسلامية، في حين زار الرئيس الإيراني السابق، أحمد نجاد، مصر وتفقد مسجد الحسين في العاصمة المصرية القاهرة، وهو أحد أبرز المزارات التي يقصدها الشيعة في مصر، وواجهت زيارته انتقادات قوية آنذاك من معارضي “الإخوان”، غير أنه سرعان ما انتهت توقعات التقارب الشديد بسقوط نظام الإخوان، ليعود الحذر مرة أخرى إلى العلاقات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة