على نحو متصاعد، تتنامى الخلافات بين روسيا والسعودية، إذ لم تخفِ الأخيرة انزعاجها من المواقف الروسية حول مواصلة موسكو ضخ كميات ضخمة من النفط الخام الأرخص ثمنا في السوق، ما يقوض جهود الرياض لتعزيز أسعار الطاقة، وذلك قبل أيام من اجتماع تحالف منظمة “أوبك بلس” النفطي الذي يُعقد في الرابع من حزيران/يونيو الجاري، الذي يمثّل فيه الطرفان أبرز أعضائه.

الخلاف سببه، عدم التزام روسيا بقرار خفض إنتاج النفط كما تعهدت في السابق، مما يعقّد الجهود السعودية لرفع أسعار النفط إلى المستويات المطلوبة التي تنشدها حول 81 دولارا للبرميل، بحسب ما ذكرته تقارير مختصة نُشرت خلال اليومين الماضيين، ما يعكس هشاشة التقارب الأخير بين الدولتين.

على هذا الأساس، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، وموقع “أويل برايس” الأميركي، أن مسؤولين سعوديين قد أعربوا عن عدم الرضا على روسيا بشأن مستوى إنتاجها النفطي، وطلبوا من المسؤولين الروس أن تلتزم موسكو بتعهدها بخفض إنتاج النفط بمقدار 500 ألف برميل يوميا حتى نهاية العام الجاري.

محاولات روسيا بالتغلب على العقوبات الدولية

ذلك يأتي بينما، عمدت روسيا إلى زيادة حصتها السوقية بقوة في أكبر سوقين في آسيا، وهما السوق الصيني والهندي، حيث أظهرت التقارير، أن أحدث البيانات المتعلقة بسوق النفط تشير إلى أن روسيا تواصل ضخ كميات كبيرة من النفط في السوق، مما ساعد على زيادة مواردها المالية لأقصى حد، في محاولة للتغلب على العقوبات الدولية المفروضة عليها نتيجة غزوها لأوكرانيا.

نتيجة لذلك، تتعرض الرياض لضغوط كبيرة للحفاظ على أسعار النفط المرتفعة، حيث تتطلب ميزانيتها أن يبقى سعر البرميل الواحد نحو 81 دولارا للبرميل، أي حوالي 5 دولارات أكثر من المستويات الحالية، ويعود السبب في ذلك إلى حاجتها لدفع تكاليف مشاريع التنمية الضخمة التي تخطط للشروع بها أو بدأت بها فعليا، ضمن “رؤية السعودية 2030” التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان، التي تتضمن 80 مشروعا حكوميا عملاقا، تبلغ كلفة الواحد منها ما لا يقل عن 3.7 مليار ريال وتصل إلى 20 مليار ريال.

في الأثناء، تراجعت أسعار النفط بنحو 10 بالمئة عما كانت عليه في أوائل نيسان/أبريل الماضي، حيث انخفضت كثيرا مقارنة بالمستويات المرتفعة التي سجلتها في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا أوائل العام الماضي، وذلك بينما ارتفعت أسعار خام برنت، يوم الجمعة الماضي، 69 سنتا أو 0.9 بالمئة إلى 76.95 دولار للبرميل عند التسوية، كما زاد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 84 سنتا أو 1.2 بالمئة إلى 72.67 دولار للبرميل.

على الرغم من تصاعد الخلافات التي يمكن أن تنعكس على مستقبل علاقات البلدين، يرجّح أن روسيا لن تلتزم بالتعليمات السعودية، لاسيما وأنها قد أوقفت أية تقارير رسمية عن مستويات إنتاجها من الخامات البترولية في الشهور الأخيرة، وهو ما يفنّد ادعائها خفض الإنتاج كما هو مخطط له من قبل تحالف “أوبك بلس”، بل حتى في حال التزام روسيا بخفض الإنتاج، إلا أن إمداداتها من النفط للأسواق الدولية آخذة في الازدياد، بحسب التقارير.

التفكير الروسي الأحادي، الذي تجلى في انتهازية إنتاج النفط من دون مراعاة مصالح الأخرين، كلّف السعودية خسارة حصتها في السوق الآسيوية، كما أفقد خطة تخفيضاتها البالغة 500 ألف برميل يوميا مفعولها في رفع أسعار النفط، والتي تراجعت الآن تقريبا إلى المستوى الذي كانت عليه قبل التخفيضات

السعودية التي كانت تحتل المركز الأول حتى وقت سابق من هذا العام، في أسواق الصين النفطية، تراجعت حصتها في الهند بسبب توجه المصافي الهندية لشراء الخامات الروسية، حيث ارتفعت حصة روسيا الآن في السوق الهندي إلى أكثر من حصتي العراق والسعودية مجتمعين، حسب بيانات شركة “فورتيكسا” الأميركية، التي تراقب شحنات النفط العالمية.

تداعيات الخلاف بين روسيا والسعودية

هذا الخلاف حمل أبعادا عدة، منها ما يمكن أن يتركه من تأثيرات على سوق النفط العالمي، وتماسك الحلف الطاقي داخل منظمة “أوبك بلس” بشكل عام، وبين السعودية وروسيا على وجه التحديد، لاسيما في الوقت الذي لم يمضِ الكثير على إظهار الجانبين تقارب متنامي.

تهديد روسي لاستقرار منظمة “أوبك بلس”/ إنترنت + وكالات

لذلك، يرى خبير الاقتصاد السياسي بيار خوري، أن الخلاف الحالي بين روسيا والسعودية حول الالتزام بسقف إنتاج “أوبك بلاس” يُعدّ أمرا مهما، ربما يكون له تأثيرات كبيرة على أسعار النفط العالمية، ذلك لأن روسيا والسعودية هما أكبر منتجين في “أوبك بلاس”، ولقراراتهما الإنتاجية تأثيرات كبيرة على سوق النفط العالمية.

خوري وفي تصريحات لموقع “الحل نت”، قال إنه، إذا لم تتمكن روسيا والسعودية من الالتزام بسقف الإنتاج، فقد يؤدي ذلك إلى عدم يقين كبير في أسعار النفط، بالتالي سيكون لهذا تأثيرٌ سلبي على الاقتصاد العالمي، حيث سيزيد من تكلفة النقل والطاقة والسلع والخدمات الأخرى، مشيرا إلى أن هذا الخلاف يمكن أن يؤدي أيضا إلى تفعيل التضخم المفعّل في الوقت الحالي أساسا، حيث تقوم الشركات بتمرير تكاليف أعلى للمستهلكين.

يضاف إلى هذه التأثيرات الاقتصادية، أن ما يحدث بين موسكو والرياض حول كميات إنتاج النفط، بحسب خبير الاقتصاد السياسي، يمكن أن يكون له تداعيات سياسية على مستوى علاقات البلدين، لاسيما في ظل لعب السعودية بـ “مهارة بين فكي الكماشة الأميركي والروسي”، فقد ينسحب الموضوع على مستوى تحالف أمن الطاقة بين السعودية وروسيا، وكذلك على مستوى التحالف الأميركي السعودي المهم للأمن في منطقة الشرق الأوسط.

خوري لفت إلى أن، ما يحدث يسلط الضوء على تحديات إدارة “كارتل” النفط العالمي، مبينا أن “أوبك بلس” التي نجحت في تثبيت أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، قد ظهرت في الوقت الحالي بفعل الخلاف بين الرياض وموسكو؛ بأنها لا تزال عرضة لعوامل سياسية واقتصادية، لذلك أن هذا الخلاف يمثّل تذكيرا بأن “أوبك بلاس” ليست حلا مثاليا لمشكلة أسعار النفط المتقلبة، لاسيما بالنسبة للسعودية التي تناور ضمن معادلة صعبة بين روسيا التي تريد أسعار مرتفعة بأي ثمن، والغرب الذي يريد أسعار منخفضة بأي ثمن.

هذا وتستفيد الشركات الروسية من “الأسطول المظلم”، أو الناقلات النفطية التي تتفادى الالتزام بالعقوبات وتبيع الخام بأسعار تتجاوز 60 دولارا للبرميل، فبحسب تقارير مختصة، أشارت إلى أن “الأساطيل المظلمة” هو مصطلح يُستخدم لوصف استخدام الشحن الدولي كوسيلة لنقل البضائع؛ كإجراء لتجاوز العقوبات عبر تشغيل سفن غير شرعية، والتلاعب بأوراقها الرسمية من أجل السعي إلى تحقيق النتائج المرجوة دون عقاب، وضرب إرادة الدول العظمى.

موسكو تلمح السعودية تسارع

في خضم ذلك، قالت “وكالة الطاقة الدولية”، وفي وقت سابق من هذا الشهر، إن روسيا فشلت حتى الآن في خفض إنتاجها النفطي بمقدار 500 ألف برميل يوميا، بل عوضا عن ذلك تتطلع إلى زيادة الإنتاج لتعويض الإيرادات المفقودة، في حين تلمّح روسيا أيضا إلى أنها تفضل أن يترك شركاؤها في مجموعة “أوبك بلس” إنتاج النفط على وضعه الحالي، ذلك لأنها تبدو مرتاحة مع أسعار النفط الحالية وحصص الإنتاج.

السعودية منزعة من عدم التزام روسيا بقرار خفض إنتاج النفط/ إنترنت + وكالات

في السياق، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن أسعار الطاقة تقترب من مستويات مبررة اقتصاديا، بيد أن ذلك بالنسبة للسعودية؛ لا يبدو أن النفط الذي يقل سعره عن 80 دولارا له مبررا اقتصاديا، وهو ما يعكس عدم رضا الرياض عن موسكو، وما قد يتمظهر بشكل أكبر في اجتماع “أوبك بلس” المقبل.

على هذا النحو، وقبل أن تطلق روسيا تلميحات إلى أنها تفضل أن تترك “أوبك بلس” مستويات الإنتاج كما هي؛ حذر وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، التجار من بيع عقود النفط الآجلة على المكشوف، الأمر الذي فسره، كريج إيرلام، كبير محللي السوق في شركة “أوندا”، وهي وسيط خدمات مالية متعددة الأوجه، في أواخر الأسبوع الماضي، بأنه ربما تريد السعودية إبقاء المتداولين في حالة تأهّب لاحتمال ارتفاع الأسعار.

جديرٌ بالذكر أن “صندوق النقد” الدولي قد ذكر في وقت سابق من هذا الشهر، أن السعودية بحاجة إلى أسعار النفط عند 80.90 دولارا للبرميل، وذلك لتغطية نفقات ميزانيتها هذا العام، في حين تم تداول النفط هذا الأسبوع عند حوالي 77 دولارا للبرميل.

كل ذلك يوحي، بأن الشراكة بين السعودية وروسيا، التي تحاول تعويض خسارتها جراء غزوها لأوكرانيا بأي ثمن، قد تتعرض لهزة كبيرة، لاسيما في ظل التهديد الذي باتت تشكله موسكو على أسعار النفط العالمية، وانعكاساته على استقرار السعودية، الأمر الذي قد يمتد إلى أبعد من ذلك ليهدّد مستقبل تماسك منظمة “أوبك بلس”

.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات