بعد قطيعة امتدت لخمس سنوات، شملت طرد الممثلين الدبلوماسيين، بدأت كلا من السعودية وكندا بفتح صفحة جديدة، مع إعلان الرياض عودة علاقاتها مع أوتاوا رسميا، حيث نشرت وزارة الخارجية السعودية، في 25 من الشهر الجاري بيانا على حسابها في “تويتر”، إنه في ضوء ما تم بحثه بين ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو “فقد تقرر إعادة مستوى العلاقات الدبلوماسية مع كندا إلى وضعها السابق”.

المباحثات بين ولي العهد السعودي ورئيس وزراء كندا، وفقا للبيان، أجريت على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ “أي بي إي سي” في بانكوك بتاريخ 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، كما أشار البيان إلى أن إعادة العلاقات لطبيعتها تأتي بناء على رغبة من الجانبين في عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

إذ شهدت العلاقات السعودية الكندية أزمة دبلوماسية حادة، على أثر انتقادات حقوقية وجهتها الخارجية الكندية، وسفارة كندا في الرياض، بسبب حملة اعتقالات شملت ناشطين وناشطات في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، ليأتي الرد بإجراءات عقابية من السعودية، بحسب ما نقله موقع “الخليج أونلاين”.

لعل الخطوة تأتي في سياق سلسلة من التحركات الدبلوماسية السعودية في الآونة الأخيرة، لتصفير الخلافات والمشاكل، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت العلاقات ستعود لسابق عهدها، أم أنها ستكون بشكل محدود، وفقا لمراقبين.

بداية الأزمة

أزمة الخلاف بين البلدين تعود إلى آب/أغسطس 2018، حينما أعربت وزارة الخارجية الكندية، عبر تغريدة على حسابها في “تويتر”، عن قلقها بشأن حالة حقوق الإنسان في السعودية، جاء فيها “تشعر كندا بقلق بالغ إزاء الاعتقالات الجديدة لناشطي المجتمع المدني وحقوق المرأة في المملكة العربية السعودية”، داعية إلى إطلاق سراحهم.

محمدبن سلمان/Credit: MANDEL NGAN/AFP via Getty Image
محمدبن سلمان/Credit: MANDEL NGAN/AFP via Getty Image

عقب ذلك أعادت كندا نشر الموقف نفسه باللغة العربية على حساب سفارتها في الرياض، في 5 آب/أغسطس 2018، ما أدى إلى تفجر الأزمة.

لكن الرياض لم تسكت عن ذلك، فقد أصدرت خارجيتها بيانا اعتبرت فيه الموقف الكندي تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للمملكة، “مما يستدعي ردا مناسبا”، تمثل في استدعاء سفيرها في كندا، واعتبار سفير الأخيرة “شخصا غير مرغوب فيه”، وإمهاله أربعا وعشرين ساعة لمغادرة البلاد.

بل ووصل الأمر إلى إعلان شركة الخطوط الجوية السعودية، وقف رحلاتها من وإلى مدينة تورنتو الكندية، وأوقفت المملكة برامج التدريب والابتعاث والزمالة إلى كندا.

كلا من الإمارات والبحرين أيدتا موقف الرياض آنذاك، ورفضتا ما وصفتاه بالتدخل الكندي في الشؤون السعودية، وفقا لما نقله موقع قناة “الحرة” الأميركية.

آثارها الاقتصادية

إلى جانب قطع العلاقات الدبلوماسية، فإن الإجراءات السعودية تسببت بتجميد رحلات الطيران السعودي إلى مدينة تورنتو الكندية، كما أعلنت تجميد التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة بينها وكندا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ثلاث مليارات دولار في عام 2017، بحسب إحصاءات الحكومة الكندية، كما توقفت السعودية عن شراء القمح والشعير من كندا.

كذلك أوقفت الرياض التدريب والابتعاث والزمالة إلى كندا، ونقلت المبتعثين إلى دول أخرى، والذين يبلغ عددهم 12 ألف سعودي، بينهم سبعة آلاف طالب وطالبة، والبقية مرافقون أو أفراد أسر المبتعثين، بحسب ما نقلته حينها  جريدة “عكاظ” السعودية.

المملكة كانت قد أعلنت رفضها المطلق والقاطع لموقف الحكومة الكندية، وأكدت الرياض حرصها على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بما فيها كندا، ورفضها تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية وعلاقاتها بأبنائها المواطنين.

لكن ذلك لم يؤثر في إمدادات النفط السعودية نحو كندا؛ فقد أعلن وزير الطاقة السعودي السابق خالد الفالح في آب/أغسطس 2018، أن السياسة النفطية الحالية للمملكة تهدف إلى عدم تعريض الإمدادات النفطية التي توفرها الرياض لدول العالم لأي أزمات سياسية.

حول هذا الجانب يشير الباحث في العلاقات الدولية رعد العزاوي خلال حديثه لـ”الحل نت” إلى أن البلدين تأثرا نسبيا نتيجة توقف العلاقات بينهم، لكنه استثنى بعض الاتفاقيات التي بقيت كما هي دون حدوث أي تأثير، كحال النفط الذي تبيعه السعودية لكندا، وعودة اتفاقيات بيع الأسلحة للسعودية كما حدث في عام 2020، ولفت العزاوي إلى تعدد أوجه العلاقات بين كندا ومنطقة الخليج، بدءا من التعاون في مكافحة الإرهاب، إلى التعليم، ثم التبادل التجاري، وحتى الحلف السياسي.

مرتكزات العلاقة

مرتكزات العلاقات السعودية الكندية كثيرة بحسب العزاوي، منها ترابط البلدين في مجموعة الدول العشرين الغنية، وأيضا الترابط الاقتصادي ما بين السعودية ومنظمة “نافتا” للتجارة الحرة التي تضم كندا والولايات المتحدة الأميركية. كذلك من ضمن المرتكزات الأساسية هو أن كندا عضو فاعل في حلف شمال الأطلسي وهذا الحلف لديه اتفاقيات أمنية متعددة مع السعودية لاسيما بعد حرب الخليج الأولى.

العزاوي  يضيف بأن هناك مرتكز آخر وهو أن العلاقة بين كندا والولايات المتحدة الأميركية هي علاقة عضوية، إذ أنهم يشكلون القوة المهيمنة التي تدير السلطة الإقليمية على القارتين الأميركية الشمالية والجنوبية ولا يمكن الاستغناء عن هذا التحالف الكندي الأميركي من قبل دول مجلس التعاون الخليجي ولا سيما السعودية.

إذ يرى العزاوي، بأن عودة العلاقات بين الرياض وأتاوا تحتاج إلى مزيد من الوقت لتعود لما كانت عليه سابقا قبل أزمة 2018، فالمملكة تحاول الوصول إلى صفر مشاكل مع المحيط وبقية دول العالم تماشيا مع التغيرات الإقليمية والدولية الأخيرة و”رؤية السعودية 2030″.

عودة العلاقات مع أي بلد وفقا للعزاوي، تحتاج إلى مزيد من الوقت لكسب الثقة بين الجانبين، للحفاظ عل طبيعة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهذا يتطلب ترتيبات مختلفة والتزام بكافة التفاهمات المطلوبة لمنع عودة أي توتر.

حضور إقليمي لافت

عودة العلاقات السعودية الكندية تأتي في سياق سلسلة من التحركات الدبلوماسية السعودية في الآونة الأخيرة، ووفقا لمتابعون للشأن الخليجي، فأن هذه الخطوة تعكس طموحات الرياض في تعزيز حضورها على الساحة العالمية.

 كان أبرز هذه التحركات خلال الأشهر الماضية، الاتفاق مع إيران برعاية صينية على استئناف العلاقة الدبلوماسية بين الخصمين الإقليميين بعد قطيعة لأعوام.

كذلك، أعادت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق بعد انقطاعها على إثر اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، وهي دعت الرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة العربية التي استضافتها في مدينة جدة قبل أيام.

أيضا فتحت الرياض قنوات اتصال مع المتمردين “الحوثيين” سعيا لإنهاء الحرب التي تقودها ضدهم في اليمن. وتستضيف السعودية ممثلين لطرفي النزاع السوداني، وأعلنت بالتعاون مع الولايات المتحدة اتفاقهما على هدنة لسبعة مؤخرا، بحسب ما نقله موقع “فرانس 24”.

محللون يرون بأن أجندة الرياض راهنا واضحة، وتقوم على تقليل الاضطرابات في الخارج، والانصراف إلى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، خصوصا “رؤية 2030” التي تهدف بشكل أساسي إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على إيرادات النفط.

التبادل التجاري الخليجي الكندي

من هذه الناحية تتفاوت نسبة التبادلات التجارية والاستثمارية بين كندا ودول مجلس التعاون الخليجي، لكنها في العموم تتجه نحو مزيد من النمو والازدهار خلال السنوات القادمة، حيث بلغت الصادرات الكندية إلى السعودية عام 2021 أكثر من 2.2 مليار دولار والواردات 2.4 مليار دولار، وكانت الواردات الكندية مصنوعة بالكامل تقريبا من النفط والبتروكيماويات، في حين كانت 81 بالمئة من صادراتها من معدات النقل، وتنوعت باقي الصادرات بين الآلات والمعدات الإلكترونية والكهربائية والأدوات البصرية والطبية والدقيقة وغيرها، بحسب موقع “الخليج أونلاين”.

بن سلمان وترودو/ الاناضول
بن سلمان وترودو/ الاناضول

الإمارات كانت ثاني أهم شريك تجاري لكندا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2021، بعد السعودية، إذ بلغت التجارة الثنائية في السلع بينهما 2.5 مليار دولار، في حين بلغت صادرات البضائع الكندية إلى الإمارات قرابة ملياري دولار، وبلغت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر لدولة الإمارات في كندا 1.3 مليار دولار في عام 2021، وفقا لإحصاءات كندا.

بينما بلغت قيمة صادرات البضائع الكندية إلى الكويت عام 2020 أكثر من 96.4 مليون دولار، في حين بلغت الواردات ما يزيد قليلا على 277 ألف دولار، وتضمنت صادرات كندا من البضائع للدولة الخليجية السلع الاستهلاكية والمنتجات الغذائية الزراعية والآلات والسيارات وقطع الغيار. فيما بلغت قيمة الاستثمار الكويتي المباشر في كندا ما يقرب من 2.3 مليار دولار أميركي، والاستثمار الكندي المباشر في الكويت 118 مليون دولار.

في عام 2021 سجل التبادل التجاري بين كندا وعُمان 138.6 مليون دولار، حيث تستورد السلطنة مجموعة متنوعة من البضائع الكندية، أبرزها الحبوب والمركبات والآلات الكهربائية وغيرها، فيما تصدّر البلاستيك والأسمدة ومنتجات الألمنيوم والحديد والصلب.

رغم تواضع التبادل التجاري بين البحرين وكندا، فإنه يشهد تصاعدا مستمرا، وبلغت تجارة البضائع الثنائية في عام 2021 نحو 275.8 مليون دولار، وضمن ذلك 217.6 مليون دولار في الواردات البحرينية، و58.2 مليون دولار صادرات إلى كندا.

أخيرا، يرى مراقبون بأن عودة العلاقات بين السعودية وكندا بعد تجميدها لسنوات، سيسهم في رفع مستوى العلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية بين البلدين، إذ يعد السوق السعودي أكبر سوق للاستثمار في المنطقة ووجهة لكثير من الدول الكبرى مؤخرا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات