منذ الإعلان مطلع العام الجاري عن الموازنة في الأردن، التي كشفت زيادة اعتماد البلاد على الضرائب والديون لتمويل النفقات، ظهرت العديد من المشاكل في الاقتصاد الأردني، والتي بدأت تنعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين، لا سيما فيما يتعلق بارتفاع الأسعار وانخفاض مستويات المعيشة.

كذلك انعكست مؤخرا مشاكل النمو الاقتصادي، على معدلات البطالة التي سجّلت مستويات تاريخية في البلاد، في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة من الحكومة الأردنية، لمواجهة ارتفاع هذه النسب، وزيادة إنتاجية القطاع العام بما يسمح بتقليل الاعتماد على الديون، فما هي حقيقة مشهد ارتفاع الطلب على الوظائف وعجز الحكومة عن تحقيق التوازن.

الاقتصاد الأردني عجز عن خلق فرص جديدة للباحثين عن عمل، في ظل الأزمة الاقتصادية التي دفعت بمؤسسات القطاع العام إلى تقليل نفقاتها والابتعاد عن سياسة التوظيف، ما جعل الباحثون عن وظائف عمل يتجهون بشكل مباشر إلى البحث عن فرصة عمل في القطاع العام، المتخم بالكم لكنه يفتقد إلى استراتيجيات تعظم نوعية الإنتاج.

إقبال تاريخي على التوظيف الحكومي

في إحصائية غير مسبوقة للإقبال على الوظائف الحكومية، أكد رئيس “ديوان الخدمة المدنية” في الأردن سامح الناصر، أن نحو نصف مليون أردني من خريجي الجامعات يبحثون عن وظائف في المؤسسات الحكومية، في مؤشر على أن مخزون طلبات التوظيف لدى الديوان المسؤول عن التعيينات الحكومية يدق ناقوس الخطر، أي أن هناك فجوة متسعة بين مخرجات التعليم الحالي وحاجات سوق العمل في البلاد.

الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الأردن، متأثرة كذلك بالأزمة العالمية، جعلت الشباب يقبلون على وظائف القطاع العام، وذلك بسبب الأمان الوظيفي الذي يشعر به الموظف في المؤسسات الحكومية، خاصة بعد تأثر مؤسسات القطاع الخاص بالأزمات الاقتصادية المختلفة واتجاهها إلى التخلي بشكل جزئي عن نسبة من موظفيها لتوفير نفقاتها.

القطاع الخاص يعاني كذلك من إغلاقات، لأسباب عديدة أبرزها الأعباء الضريبية المرتفعة، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع القدرة الشرائية، ما دفع الشركات للاستغناء عن فئة واسعة من موظفيها، وبالتالي تخوف الباحثين عن عمل من التوجه إلى مؤسسات القطاع الخاص، لعدم وجود بيئة عمل تضمن الاستمرارية.

قد يهمك: “العنف الجسدي والتمييز” ضد المهاجرين.. سجال بين تونس ومالي ما دوافعه؟

رئيس الديوان، أكد كذلك في تصريحات صحفية أن عدد طلبات التوظيف التراكمية لهذا العام بلغ 486 ألفا بزيادة بلغت نسبتها 6.7 بالمئة عن العام الماضي، الأمر الذي يشير إلى اتساع دائرة البطالة بين خريجي الجامعات في الأردن بسبب عدم قدرة الاقتصاد على خلق فرص جديدة تناسب الطلب على الوظائف.

هل من حلول؟

الخبير الاقتصادي حسام عايش، أوضح أن عجز الاقتصاد الأردني عن توفير فرص عمل كافية، يتعلق بضعف النمو الاقتصادي وتراجع الاستثمار وعدم وجود سياسات اقتصادية، تعمل على زيادة المشاريع الاستثمارية، وتطوير النموذج الاقتصادي القائم في البلاد، مشيرا إلى أن الإجراءات الحكومية غير كافية لحد الآن لإدارة قطاع التوظيف ومواجهة مختلف الأزمات الاقتصادية.

عايش قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “عجز الاقتصاد الأردني عن خلق فرص جديدة للباحثين عن عمل سببه أن النمو الاقتصادي أقل أو مساوي للنمو السكاني، وهذا النمو في قطاعات غير منتجة لفرص العمل، بالتالي عرض قليل لفرص العمل في السوق في حين أن الطلب واسع، بالتالي معدلات بطالة وصلت إلى حوالي 23 بالمئة وهي أعلى المعدلات العالمية قياسا على دول مثل الأردن”.

وجود الضمان الاجتماعي ومصدر الدخل الثابت، ساهم كذلك في زيادة الإقبال على وظائف القطاع العام، هذا فضلا عن أن الوظيفة الحكومية توفر مصدر دخل آمن، بمعنى أن الموظف الذي يحصل على وظيفة حكومية لا يمكن الاستغناء عنه أو إخراجه من الوظيفة كما يحصل في كثير من مؤسسات القطاع العام.

هذا الارتفاع في معدلات البطالة، يتطلب وفق رؤية عايش، إلى تغيير في سلّم أولويات الإنفاق بالنسبة للحكومة، وتطوير النموذج الاقتصادي لتحويله من نموذج استهلاكي إلى نموذج إنتاجي، إضافة إلى استراتيجيات تسمح باستقطاب استثمارات مولّدة لفرص العمل، ربما مشاريع متعلقة بالبنية التحتية بشرط ألا تكون تكون هذه المشاريع مموّلة بالديون، لأن ذلك سيؤدي إلى مشاكل اقتصادية أخرى.

ماذا عن إجراءات الحكومة؟

الأردن يعاني العديد من المشاكل الاقتصادية، وقد حاولت الحكومة حل العجز في الموازنة عبر رفع الضرائب، ما انعكس بشكل سلبي على مستويات معيشة المواطن الأردني، وهنا أوضح الخبير الاقتصادي أن الحاجة المستمرة لرفع الإيرادات تقلل من مفعول الإجراءات الحكومية المتعلقة بمكافحة البطالة.

كذلك فإن الحكومة لم تفعّل استراتيجيات توظيف للشباب، تدفعهم للاستغناء عن فكرة التوجه للقطاع الحكومي، كتسهيل فتح المشاريع وجذب الاستثمارات الأجنبية، بما يسمح بإزاحة عبئ التوظيف عن القطاعات الحكومية، مما يساهم في تخفيف العجز في الموازنة العامة، التي تشكل ميزانية الأجور والرواتب نحو 66 بالمئة منها.

النمو الاقتصادي يراوح مكانه في الأردن، تزامنا مع ارتفاع مستمر للبطالة والتضخم، في حين أن الموازنة التي هي شكل من أشكال التعبير عن الأداء الحكومي، تبيّنَ بصورة قاطعة أنه أداء تقليدي، يتعامل بصورة تقليدية مع الأوضاع المتغيرة، وبالتالي فإنه في كثير من الحالات لا يكون قادرا على أن يلعب الدور الحقيقي للحكومة، التي يفترض أن تكون سبّاقة بتوقع المشكلات بما يسمح بمواجهتها.

الاقتصاد الأردني ما زال يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية والديون لتمويل نفقاته السنوية، وقد فاقمت أزمة الديون معاناة الاقتصاد، بعد أن وصلت قيمتها نهاية العام الماضية إلى نحو 47 مليار دولار، بما يتجاوز مئة بالمئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، في وقت تتجه فيه الحكومة بشكل سنوي إلى زيادة الضرائب والتقشف لتغطية العجز المستمر.

القدرة الشرائية للمواطن الأردني، تراجعت إلى مستويات قياسية هذا العام، في ظل تراجع قيمة الدخل أمام التضخم في الأسعار، والتي تسبب بها ارتفاع أسعار المحروقات وكلف الإنتاج، وبحسب دائرة الإحصاءات العامة، في تقريرها الربعي، فإنه تم تسجيل معدل البطالة في الأردن خلال الربع الثالث من العام الماضي 2022 نحو 23.1 بالمئة، بانخفاض مقداره 0.1 نقطة مئوية عن الربع الثالث من عام 2021، وبارتفاع مقداره 0.5 نقطة مئوية عن الربع الثاني من العام ذاته 2022.

منذ مطلع العام الجاري كانت الحكومة قد أطلقت العديد من الوعود المتفائلة والمتعلقة بتحسين النمو الاقتصادي، وحلّ مشكلة البطالة خاصة بعد الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت بعد إقرار الموازنة العامة وما رافقها من رفع للضرائب، لكن خبراء الاقتصاد لا يشاطرون الحكومة بتلك التوقعات، وذلك بالنظر إلى الاستراتيجيات التي تتبعها الحكومة في مواجهة الأزمات الاقتصادية المختلفة داخلية كانت أو خارجية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.