مع تفاقم أزمة الهجرة من دول الجنوب الإفريقي باتجاه الشمال، يواجه المهاجرون حملة منهجية يتعرضون خلالها للعنصرية والتمييز لا سيما في تونس، وسط اتهامات للرئيس التونسي بقيادة هذه الحملة عبر تصريحات محرّضة ضد المهاجرين، ما دفع حكومات دول الجنوب إلى تنديد واستنكار سياسة التعامل مع مواطنيها ضمن الأراضي التونسية.

الحملة التي بدأها الرئيس التونسي قيس سعيّد ضد المهاجرين القادمين من الجنوب الإفريقي، أثارت التساؤلات حول هدف سعيّد من التحريض ضد المهاجرين، وفيما إذا كان يريد تصدير أزمة فشله في إدارة البلاد على المستويات السياسية والاقتصادية، فما هي الدوافع الحقيقية للحملة المنظّمة من القيادة التونسية ضد المهاجرين على أراضيها.

تصريحات الرئيس التونسي، دعت قبل أيام، إلى اتخاذ “إجراءات عاجلة” ضد الهجرة غير النظامية لمواطني دول إفريقيا جنوب الصحراء، وقال إن وجودهم في تونس مصدر “عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة”، الأمر الذي دفع دول مثل مالي إلى وصف الإجراءات المتخذة بحق المهاجرين من أراضيها بـ”الأمر غير القبول”.

سجال بين مالي وتونس

خلال جلسة في العاصمة المالية باماكو الثلاثاء الماضي ضمت دبلوماسيين من تونس، اعتبرت مالي أن العنف الجسدي وإخلاء المباني ومصادرة الممتلكات، “مشاهد غير مقبولة” يتعرض لها المهاجرون الماليون في تونس، ذلك في وقت أكدت كذلك منظمات غير حكومية تصاعد الهجمات ضد المهاجرين الأفارقة في البلاد، بسبب الخطاب شديد اللهجة للرئيس التونسي.

السلطات التونسية تواجه اتهامات من قبل السياسيين والمعارضين في البلاد، تتعلق بتصدير الأزمات الداخلية المتعلقة بالسياسة والاقتصاد، لصالح تصعيد أزمة المهاجرين، عبر فتح سجالات مع حكومات بلدانهم، وقد أعرب في هذا السياق الأمين العام لوزارة الخارجية في مالي سيدو كوليبالي، في بيان عن “مخاوف جدّية” لدى حكومة مالي بشأن وضع المهاجرين من جنوب الصحراء بشكل عام ومواطنيه خصوصا، وبينهم طلاب ماليون في تونس.

المستشار السياسي ورئيس المنتدى الدولي للحرية والديمقراطية المنصف زيد، رأى أن الرئيس التونسي قيس سعيّد، ينتهج سياسة لتخويف التونسيين من موجات الهجرة، لصرف نظرهم عن المشاكل الداخلية المتعددة الناتجة عن فشل إدارة البلاد فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والسياسية، مشيرا إلى أن السلطة التونسية وجدت في أزمة الهجرة متنفسا مناسبا للهروب من فشل إدارتها.

تونس تستغل أزمة المهاجرين؟

زيد قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “قيس سعيّد ينتهج سياسة شعبوية  تلعب على مشاعر التونسيين من خوف وهلع  من الآخر في ظل انسداد الوضع الاجتماعي والسياسي، فقيس سعيّد هو من خلق وعمّق أزمة المهاجرين، هو الذي دفع شرطته لتغض الطرف عن وجودهم و وتمددهم في تونس في نيّة واضحة لخلق الأزمة”.

على الرغم من معاناة تونس فعلا من أزمة الهجرة من الجنوب الإفريقي، لكن السلطات في البلاد سعت لاستثمار هذه الأزمة فيما يخدم مصالحها المتعلقة، بصرف نظر التونسيين عن الفشل الحكومي في إدارة الأزمات التي واجهت البلاد خلال الفترة الماضية، لا سيما تلك المتعلقة بالوضع الاقتصادي والقرارات التي رافقت الإعلان عن الميزانية السنوية، كذلك الأزمة المتعلق بضعف الإقبال على الانتخابات البرلمانية في البلاد.

حول ذلك أضاف زيد، “قيس سعيّد بنى سياسته وانقلابه من خلال الاستثمار في الأزمات، وهو يريد كذلك الضغط على الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، من أجل القبول بانقلابه وتعيينه من أجل لعب دور الشرطي على ضفاف المتوسط مقابل مساندة مالية، ولديه قدرة رهيبة على خلق الازمة وتطويرها وهو يعيش عزلة دولية وداخلية ولا  حل له سوى الهروب الى الأمام عبر تصدير الأزمة”.

أزمة الهجرة في تونس تفاقمت خلال الأشهر الماضية، وفي وقت تطالب فيه المنظمات الحقوقية السلطات التونسية بمعالجة الأزمة عبر الأطر القانونية، تتجه الحكومة بقيادة سعيّد إلى إطلاق التصريحات والتحريض ضد المهاجرين، والمطالبة بملاحقتهم بعيدا عن القوانين الناظمة لحركة المهاجرين.

تفاقم أزمة الهجرة

تونس كذلك تُعدّ من بين الدول الإفريقية التي تواجه تحديات عديدة أمام موجات الهجرة، خاصة وأن الأزمات الداخلية جعلها تواجه الأزمة على محورين، الأول يتعلق بتدفق المهاجرين من دول الجنوب، حيث تُعدّ تونس محطة لكثير من المهاجرين الذين يقصدون الاتحاد الأوروبي عبر البحر المتوسط، والمحور الثاني يتعلق بموجات الهجرة من داخل تونس، من قبل المواطنين الذين يرغبون بتغيير واقع المعيشة في بلدهم، وبالتالي خوض رحلة البحر أملا بالوصول إلى أوروبا.

بالعودة إلى المستشار السياسي زيد، فقد أوضح أن “مشكلة المهاجرين أصبحت معضلة عالمية والموضوع لا يخص الإفريقيين فحسب، ولا حل للمهاجرين في البقاء في ظل نظام عنصري مافيوي مثل النظام التونسي، وعليهم الاستثمار في بلدانهم عوض التضحية في بلدان أخرى وعليهم  الضغط على حكوماتهم من أجل مزيد من مشاريع التنمية والتشغيل، كما أن هناك دور يجب على المنظمات المحلية القيام به، متمثلا بمحاربة التمييز العنصري والحملات ضد المهاجرين الموجودين في تونس منذ قرون”.

قد يهمك: مشروع لمراقبة المساعدات إلى سوريا.. ما تأثيره على محاولات الالتفاف على العقوبات؟

في سياق السجال الحاصل بين تونس وحكومات الجنوب الإفريقي التي يتدفق منها المهاجرون، أدان الاتحاد الإفريقي قبل أيام مواقف سعيّد بشأن المهاجرين من إفريقيا وجنوب الصحراء، ودعا دوله الأعضاء إلى الامتناع عن أي خطاب كراهية له طابع عنصري قد يُلحق الأذى بأشخاص، وقال رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي محمد في بيان، “ندين بشدة تصريحات السلطات التونسية الصادمة ضد مواطنينا الأفارقة، التي تتعارض مع روح منظمتنا ومبادئنا التأسيسية”.

هذه التصريحات جاءت بعد معاناة غير مسبوقة، يعانيها المهاجرون القادمون من الجنوب الإفريقي، في وقت تقول فيه السلطات التونسية إنها بدأت “جهود للتهدئة” في هذا الاتجاه، وطالبت كذلك جميع حكومات المهاجرين بالعمل بشكل مشترك من أجل مواجهة أزمة الهجرة غير النظامية.

الأمين العام لوزارة الخارجية في مالي سيدو كوليبالي، أشار كذلك إلى أن حماية الماليين في تونس وأمنهم من مسؤولية السلطات التونسية، ودعا الحكومة التونسية إلى “اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان السلامة الجسدية” لمواطنيه وحماية ممتلكاتهم”، كما دعت سفارة مالي في تونس رعاياها في بيان إلى “الهدوء واليقظة”.

وفي متابعة لوضع المهاجرين في شوارع تونس، فقد أفاد تقرير لموقع “العربية نت”، باتخاذ نحو مئة مهاجر من دول جنوب الصحراء، ومن بينهم ما لا يقل عن عشرة أطفال، من مقر سفارات بلدانهم في العاصمة تونس ملجأ للنوم داخلها أو أمامها إثر طردهم من منازلهم، إذ يوجد على سبيل المثال 50 شخصا يخيّمون على الأرض أمام مقر سفارة ساحل العاج، كما يتجمع  ما لا يقل عن 200 شخص خارج السفارة للتسجيل في قائمة مفتوحة منذ الجمعة من أجل العودة إلى بلادهم.

موجات الهجرة من الجنوب الإفريقي وصلت إلى ذروتها خلال الأشهر الماضية، ففضلا عن الأسباب الاقتصادية العديدة التي تدفع سكان إفريقيا للهجرة منذ سنوات، فقد تسببت موجات التغير المناخي في ظهور الهجرة المناخية التي ضاعفت أعداد الراغبين بمغادرة بلادهم بحثا عن عيش أكثر استقرارا، الأمر الذي شكّل تحديات كبيرة بالنسبة لبلدان الشمال الإفريقي ومن بينها تونس، لا سيما على المستويات الأمنية والاقتصادية.

لكن التعامل مع هذه الأزمة بطرق غير قانونية من قبل السلطة التونسية، جعلها تواجه اتهامات بشأن استثمار أزمة الهجرة بتصدير فشلها في إدارة البلاد، خاصة وأن الرئيس بنفسه قاد حملة التصريحات ضد المهاجرين، دون إيجاد آلية قانونية تضمن الحفاظ على حقوق الإنسان وعدم استغلال المهاجرين، وذلك لمواجهة أزمة الهجرة والتحديات التي نتجت عنها خلال الفترة الماضية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.