العودة المحتملة للعلاقات السورية مع الغرب، هي وضع معقّد ومتطور، ومن المهم ملاحظة أن أي تحول كبير في العلاقات سيتطلب توازنا بين مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك الغرب وروسيا والقوى العربية الإقليمية، فضلا عن معالجة مخاوف الحكومة السورية.

في غياب مثل هذا التوازن ودون معالجة مخاوف دمشق، قد يكون نطاق ما يمكن أن تقدمه الدول العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، محدودا. ويمكن أن يشمل ذلك إعادة العلاقات الدبلوماسية، وفتح السفارات، وتقديم بعض المساعدات في مجالات محددة. ومع ذلك، قد يكون لهذه الإجراءات استدامة وتأثير محدودان دون معالجة الديناميكيات السياسية والأمنية الأوسع في سوريا.

في غضون ذلك، يبدو أن المملكة العربية السعودية تسعى إلى دور كوسيط بين دمشق والغرب، وما يدلّ على ذلك حديث وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في ختام “القمة العربية” التي عقدت مؤخرا في جدّة، لكن ما الآفاق الحالية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والدول الغربية، وكيف تخطط السعودية للتوسط بينهم، وكيف سيتناسب دور روسيا مع الديناميكيات بين سوريا والغرب والدول العربية.

كلمة السر السعودية أولا وأخيرا؟

العقوبات الغربية تمثل عائقا رئيسا دون المضيّ على طريق تطبيع العلاقات وإعادة الإعمار، خصوصا مع تبنّي “القمّة العربية” الأخيرة مبادرة “خطوة مقابل خطوة” لحل الأزمة السورية. وتتصدر المشهد مجموعة ملفات يبدو العمل عليها ما بين دمشق والمجموعة العربية من أجل فتح أبواب الحل.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان - إنترنت
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – إنترنت

الرياض بدورها تسعى، وفقا لتقرير موقع “الأخبار” اللبناني، إلى لعب دور الوسيط ما بين دمشق والعواصم الغربية، واضعة على رأس أولوياتها الآن تمديد الاستثناءات الإنسانية وتوسيعها من قبل الغرب، كما أشار بيان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في ختام “القمة العربية”، إلى أن بلاده ستواصل التواصل مع الشركاء الغربيين.

طبقا لما ذكره الموقع عن مصدر دبلوماسي سعودي فإن ملف عودة اللاجئين أكثر تعقيدا وصعوبة، لكن تبرز إمكانية تفعيل المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة، ولكن على أسس جديدة، تأخذ في الحسبان روح القرار الدولي 2254، وليس حرفيّته.

بعد أخذ السعودية لزمام المبادرة، لم يتأخر المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، في تلقف هذا الاتفاق ساعيا، في ظل تعثر المسار الأممي واجتماعات “اللجنة الدستورية”، إلى الانخراط في المسار العربي، وجعل أولويات الأمم المتحدة جزءا منه.

أثناء مشاركته في مؤتمر “ميونخ للأمن”، في 18 شباط/فبراير الفائت، قال الوزير السعودي، “إن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل في العالم العربي بأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”، وإن هناك نهجا آخر “بدأ يتشكل”، وينبغي أن يمر “عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما”.

ديناميكيات وآفاق إعادة العلاقات مع سوريا

آفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والدول الغربية باتت مؤكدة وتعتمد على عوامل مختلفة، وفقا لحديث خبير العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مازن حماد، لـ”الحل نت”، حيث تلعب إجراءات وسياسات الحكومة السورية مع الرياض دورا مهما في تشكيل نهج الدول الغربية لإعادة العلاقات. بالإضافة إلى ذلك، فإن توازن القوى والمصالح في المنطقة، فضلا عن دور الجهات الفاعلة الأخرى المؤثرة مثل روسيا، تؤثر أيضا على آفاق التطبيع الدبلوماسي.

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مع الرئيس السوري بشار الأسد - إنترنت
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مع الرئيس السوري بشار الأسد – إنترنت

المملكة السعودية طبقا لحماد، تهدف إلى التوسط بين دمشق والغرب من خلال تسهيل الحوار والمفاوضات، وتشير مبادرة “خطوة بخطوة” المذكورة إلى مقاربة تدريجية لإعادة بناء العلاقات، ومن المحتمل أن تبدأ بإعادة القنوات الدبلوماسية وفتح السفارات. قد تستخدم المملكة العربية السعودية نفوذها الدبلوماسي وتأثيرها الإقليمي لتشجيع كلا الطرفين على الانخراط في حوار بناء ومعالجة الشواغل المشتركة.

مع أن جهود الدول العربية لإعادة العلاقات مع سوريا تمثلت بخطوات مثل إعادة فتح السفارات وفتح القنوات الدبلوماسية وتقديم المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، من المرجح أن تعتمد التدابير والإجراءات المحددة على السياق السياسي، والوضع الأمني، ومستوى بناء الثقة بين الطرفين.

أما حول روسيا التي لعبت دورا في الديناميكيات بين سوريا والغرب والدول العربية، بصفتها حليفا رئيسيا للحكومة السورية، فيرى حماد أن مشاركتها ونفوذها أثّرتا في المنطقة على مسار الصراع، وستؤثر علاقات روسيا مع الدول الغربية وتعاونها أو معارضتها لمبادرات الدول العربية على الديناميكيات العامة وآفاق استعادة العلاقات بين سوريا والغرب.

منظور دولي أوسع

في تطور هام، أخذت السعودية زمام المبادرة في دعم التعافي المبكر وعودة اللاجئين السوريين، خصوصا بعد عودة دمشق إلى الجامعة العربية وحضور الرئيس السوري قمة جدة، وتجلى ذلك بإعلان وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى تحول إيجابي في علاقة سوريا بالمنظمات الدولية. حيث يسلط التركيز على مشاريع التعافي الاقتصادي، إلى جانب تعاون الحكومة مع الأمم المتحدة للتمويل، الضوء على جهود الحكومة السورية لجذب الأموال لمبادرات التعافي المبكر. 

بشار الأسد وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة - إنترنت
بشار الأسد وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة – إنترنت

مخاوف الغرب بشأن علاقاتهم مع الحكومة السورية في المقام الأول تدور حول انتهاكات حقوق الإنسان، والوضع السياسي، وعدم إحراز تقدم في تحقيق تسوية سياسية للصراع، من المرجح بحسب حماد أن تتصدر الرياض معالجة هذه المخاوف عبر إصلاحات جوهرية ومفاوضات سياسية وإجراءات لبناء الثقة من الحكومة السورية.

علاوة على ذلك، فإن اهتمام الأمم المتحدة بعملية سياسية يقودها ويمتلكها السوريون بهدف تحقيق تسوية تفاوضية، هو ما يسعى إليه المسار العربي ويتماشى مع بعض أولويات الأمم المتحدة، لذا فإن نهج الأمم المتحدة يشمل منظورا دوليا أوسع ويشمل العديد من أصحاب المصلحة خارج الدول العربية.

استجابة الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى لإمكانية إعادة العلاقات بين سوريا والغرب سيعتمد على مصالحها وتحالفاتها واهتماماتها. لذا قد تؤيد بعض الأطراف “تطبيع” العلاقات كخطوة نحو الاستقرار والتسوية السياسية، بينما قد يعرب البعض الآخر عن تحفظات أو معارضة على أساس اعتباراتهم الجيوسياسية أو مواقفهم السابقة.

التزام السعودية بدعم مشاريع التعافي الاقتصادي في سوريا يُعد خطوة مهمة نحو تعزيز علاقات البلاد مع المنظمات الدولية. خصوصا بعد إعلان الحكومة السورية التعاون مع الأمم المتحدة في الحصول على أول مشروع إنمائي دولي منذ عام 2011 والذي يمثل مؤشرا واضحا على التقدم في مسألة عودة اللاجئين السوريين وهو ما يتطلع إليه الغرب. 

من المتوقع أن تلعب مشاريع التعافي الاقتصادي في سوريا، بدعم السعودية والدول العربية دورا حيويا في التحول الشامل للبلاد بما في ذلك عودة العلاقات مع الغرب، ويمكن أن تساهم هذه المشاريع في إعادة بناء البنية التحتية الحيوية، وتنشيط الاقتصادات المحلية، وخلق فرص العمل، وتحسين الظروف المعيشية للسكان العائدين؛ حيث تهدف المشاريع إلى نمو مستدام طويل الأجل.

يبدو أن المملكة تسعى إلى لعب دور كوسيط بين دمشق والغرب، إذ تعبّر تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في ختام “القمة العربية” في جدّة عن هذا الدور المتوقع. ومع ذلك، تتوقف الآفاق الحالية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والدول الغربية على عدة عوامل.

بالنسبة للسعودية، فمن المتوقع أن تستخدم وزارة الخارجية السعودية والحكومة السعودية بشكل عام تأثيرها الدبلوماسي ونفوذها الإقليمي لتيسير الحوار والتفاوض بين الأطراف المعنية. إلا أن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والدول الغربية ما تزال غير مؤكدة ومرهونة بالتطورات المستقبلية وتبقى كلمة السر هي السعودية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات