هزة داخل أسواق العقارات السورية.. رفع الأسعار بنسب عالية!

الأسواق العقارية في سوريا شهدت هزات قوية في الفترة الأخيرة، حيث تشير التقارير إلى ارتفاع كبير في الأسعار بنسب عالية وغير مسبوقة لمواد البناء. وتعود هذه الزيادة في الأسعار إلى عدة عوامل، منها الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمرّ به البلد، بالإضافة إلى تداعيات الأزمة السورية التي لا تزال تؤثر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.

سعر الأسمنت ارتفع عشرة أضعاف خلال 33 شهرا، والذي كان بمثابة إطلاق صدمات سعرية لسوق العقار داخل سوريا، خصوصا أن السوق العقاري يسيطر عليه القطاع الخاص بنسبة تفوق 75 بالمئة، ما يثير تساؤلا عن ما إذا كانت هذه الزيادة في الأسعار مؤقتة أم أنها ستستمر في المستقبل القريب، وما هي الحلول الممكنة لمواجهة هذه الأزمة.

ارتفاع بنسبة ألف بالمئة

الواقع العقاري داخل البلاد يمرّ في الوقت الحالي بمرحلة ركود عمرها تجاوز العامين، وذلك بسبب عدة عوامل أبرزها انخفاض الدخل وضعف القوة الشرائية للمواطنين. وتأتي عوامل أخرى كمحددات لسعر الأسمنت، منها المواد الأولية والطاقة وزيادة الطلب في ظل محدودية الإنتاج وانخفاض عدد معامل الأسمنت، بالإضافة إلى تكاليف النقل وغيرها.

هزة داخل أسواق العقارات السورية بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء - إنترنت — هزة داخل أسواق العقارات السورية بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء – إنترنت

المصرفي علي محمد، ذكر بحسب موقع “شارع المال” المحلي، أمس الخميس، أنه عند مقارنة ارتفاع سعر الأسمنت خلال 33 شهر بعد قرار الرفع الأخير يوم الأربعاء الفائت، فإن نسبة الارتفاع بلغت نحو 944 بالمئة لعيار 32.5.

منذ آب/أغسطس 2020، بدأت موجات الارتفاع، حيث تم رفع سعر طن الأسمنت عيار 32.5 الى 67 ألف ليرة، وكان الرفع متواضعا نوعا ما مقارنة بالأسعار السابقة، لكن بعد أربعة أشهر تم رفع سعر الطن إلى 125.500 ليرة سورية، ليتم رفعه في آذار/مارس 2021 إلى 150 ألف ليرة سورية، وهنا كان الرفع في هذه المرة متوسطا عند مقارنته بالأسعار السابقة.

في أيلول/سبتمبر 2021، تم رفع سعر طن الأسمنت عيار 32.5 الى 211.250 ليرة، وكان الرفع في هذه المرة مؤثرا عند مقارنته بالأسعار السابقة للقرار، حيث بلغت نسبة الارتفاع نحو 41 بالمئة، وفي أيار/مايو 2021 تم رفع سعر الطن إلى 397.760 ليرة.

لكن في القرار الأخير الذي صُدر في نهاية أيار/مايو 2023 تم رفع سعر طن الأسمنت عيار 32.5 إلى 700 ألف ليرة، وكان الرفع في هذه المرة مؤثرا أيضا عند مقارنته بالأسعار السابقة للقرار، حيث بلغت نسبة الارتفاع نحو 76 بالمئة لعيار 32.5 المعبأ، ونسبة 90 بالمئة لعيار 42.5.

تأثير سعر الأسمنت في سعر العقار

سعر الأسمنت يُعدّ أحد المعاملات الأساسية التي تؤثر على سعر العقار، حيث يُعتبر من المواد الأساسية التي تدخل في بناء العقارات. وبالتالي، فإن ارتفاع سعره يؤدي إلى زيادة تكلفة بناء العقارات، مما ينعكس سلبا على سعرها. وعلى العكس من ذلك، فإن انخفاض سعر الأسمنت يؤدي إلى انخفاض تكلفة بناء العقارات، مما ينعكس إيجابيا على سعرها.

سعر مادة الأسمنت أحد المتغيرات المؤثرة، فعندما يرتفع سعر الأسمنت يعني ارتفاع مواد البناء التي يدخل في تركيبها مثل البلاط والباطون والبلوك والسيراميك، كذلك يعني ارتفاع تكاليف الكسوة نتيجة ارتفاع تكلفة مونة التلييس والتبليط والسيراميك.

ففي وقت يحتاج فيه سوق العقار إلى دفعة لإخراجه من حالة الركود التي يعيشها منذ سنوات، ساهمت القرارات الحكومية الخاصة بتنظيم عمليات بيع وشراء العقارات بزيادة معاناة التجار، فضلا عن الانهيار المتواصل لقيمة الليرة السورية، الأمر الذي تسبب بخوف لدى البائعين والمشترين على حدٍّ سواء من إتمام عمليات البيع.

في سوريا هناك العديد من مؤشرات زيادة الركود في عمليات بيع وشراء الأصول، ففضلا عن القرارات الحكومية، جاءت كارثة الزلزال لتزيد من نسبة الركود بسبب الخوف من انهيار المباني، ما تسبب في زيادة عروض البيع مقابل انخفاض الطلب على شراء العقارات وتحديدا المنازل السكنية.

حكومة دمشق لم تتمكن من دعم قطاع العقارات، بل على العكس حاولت استغلال الحركة المالية في السوق لدعم “البنك المركزي” السوري بالنقد، عبر قرارات عديدة ساهمت بعرقلة عمليات إتمام الصفقات المتعلقة بالعقارات،ما ولّد زيادة ركود الأسواق.

كيف ارتفعت الأسعار؟

تراجع الليرة أمام النقد الأجنبي بشكل مهول وتدريجي على مدار السنوات الماضية، ترافق معه تراجعا في قيمة الرواتب والأجور، حتى بات راتب الموظف السوري يساوي الـ 25 دولارا شهريا، بجانب التضخم الكبير الحاصل، وهو ما أدى معه إلى تلاشى أحلام المواطن السوري الاقتصادية يوما بعد يوم، لدرجة أنه نسي أحلامه وتخلى عنها واحدا تلو الآخر.

أسعار كل شيء تقريبا ارتفعت، وبات يُحتسب بالعملة الأجنبية، بما في ذلك أسعار العقارات، التي قفزت بشكل كبير خلال الفترة الماضية، بالتزامن مع الزلزال الذي ضرب شمال سوريا. إذاً الحلم الكبير الذي كان يراود كلّ شاب سوري بامتلاك منزل وبناء أسرة أصبح حُلما بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلا، تماما كما تلاشت أحلام الأسرة بالخروج وتغيير الأجواء والجلوس على طاولة سريعة لتناول وجبات الشاورما بعد هذا الغلاء، وأصبح شراء أقراص الفلافل هو الأنسب لهم.

تعقيدات وعرقلة.. كيف ساهمت قرارات دمشق بزيادة ركود سوق العقارات؟

الاستثمار في العقارات اليوم غير متوفر ولا طائل من ورائه، وأن السعر لا يرتبط في الغالب بتكاليف الإنتاج، بل بالحي الذي يقع فيه العقار، حيث ارتفعت أسعار العقارات بنسبة 0.25 بالمئة فقط نتيجة مصاريف الإنتاج.

كما أن أثر تكاليف الإنتاج واضح للعيان وللمقاولين الذين يلجؤون إلى البيع على الخريطة، لأن المقاول غير قادر على تحمّل تكاليف البناء بمفرده، لذلك يلجأ إلى البيع على الخارطة، ولا يستطيع تحديد السعر فعلي وأكيد، بسبب أن الأسعار في ارتفاع مستمر.

ومع الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، وانهيار قيمة العملة السورية، فقد سجّلت بعض العقارات النظامية في العاصمة دمشق أسعارا تجاوزت المليار ليرة، وبالتالي فقد تعقّدت عملية بيع مثل هذه العقارات، التي قد يطول أمد الحصول على كامل قيمتها بالنسبة للبائع أكثر من أربعة أشهر.

سعر متر البناء في ريف دمشق يبدأ بشكل متوسط بين 850 ألف ليرة و 1.2 مليون ليرة سورية، أما في دمشق فيبدأ من مليون ليرة ويصل إلى 1.5 ليرة سورية، بحسب النوعيات المستخدمة، ويشمل متر البناء المواد والعمالة بدون رخصة البلدية وثمن الأرض.

في الوقت الحالي، وبعيدا عن الرخصة وثمن الأرض، تبلغ تكلفة بناء منزل بمساحة بين 100 متر مربع و120 مترا مربعا نحو 100 مليون ليرة بشكل متوسط، ويكون هذا المنزل مشيّدا علميا لأن يكون مقاوما للزلازل إلى درجات عليا، بشكل تمتص الأساسات الصدمة ويبقى البيت واقفا.

بعد التحليل للوضع العقاري في سوريا، يمكن القول بأن الهزة التي ستشهدها الأسواق العقارية ليست مجرد مشكلة مؤقتة، بل إنها تتطلب حلولا جذرية وفعّالة لمواجهة تداعياتها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وسيكون امتلاك منزل أو ترميمه لدى المواطن ليس حلما فقط بل أمرا مستحيلا.