يعد فرض رسوم جمركية على السلع، التي تدخل أراضي الدولة، حق مشروع لحكومة هذه الدولة أيّا كانت؛ لكن الحال يختلف قليلا في الشأن السوري، فرغم الادعاء، بأن هناك “منظومة” تحدد القيمة الجمركية، بناء على ثمن كل جهاز، إلا أن ذلك لا يمت للواقع بصلة، إذ بلغت بعض التعريفات ما يزيد عن ثمن الجهاز نفسه، وهو ما يخالف أي قانون جمركي حول العالم.

لا حل للأسعار في سوريا

التفسير الأقرب للواقع، هو أن قرار جمركة الموبايلات في سوريا بني على مغالطة منطقية، تقتضي بأن مَن يملك ثمن هاتف ما، فهو بالتأكيد يمتلك أجور ترخيصه، وهو ما أكده عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، أن الكثير من البضائع المباعة في سوريا أكثر تكلفة من تلك التي تباع في الخارج.

وفي منشور على صفحته الشخصية، الخميس الفائت، أشار الحلاق، إلى أن سعر الجوال في سوريا يعتبر أغلى بضعف ونصف من سعره في جميع دول العالم، وكذلك سعر ليتر الزيت والجبنة التي تباع بجودة أقل جودة من الجبنة في الخارج.

وأكد الحلاق، أنه رغم استحالة تعديل الأسعار بأي شكل من الأشكال، إلا أنه من الممكن تقليصها إلى هامش الربح الأصغر في حالة المنافسة، الأمر الذي يتطلب وجود قوانين مستقرة وشفافة وقدرة الجميع على العمل بشكل متساو.

وقال، إن “هناك هدفا واحدا تسعى إليه الحكومة، وهو تنظيم سعر الصرف بتخفيض الواردات”، مبيّنا أن هذا القرار يعقّد طرق تمويل الواردات “ولا حل له”، متسائلا “هل تسعى الحكومة الحالية إلى حماية ودعم احتياجات المواد الغذائية، والملابس والصناعة وغيرها، أم للحفاظ على العملة الأجنبية المتاحة في خزينة الدولة أم سعر صرف؟”.

وتابع الحلاق، “المشكلة أن هذه المعادلة أصبحت صعبة ولا حل لها على ما يبدو”، مشيرا إلى أن السيناريو المثالي، هو إمكانية توفير المواد والحصول عليها بأقل تكلفة، وأن خزينة الدولة مليئة بالسيولة الضرورية والنقد الأجنبي، وأن سعر الصرف عند أدنى مستوياته.

والمشكلة، كما وصفها عضو مجلس الشعب، أن هناك إصرارا على الاستمرار في دعم الصناعي، واستمرار إنتاج مصنعه حتى ولو كانت كلفة الإنتاج أعلى من كلفة الاستيراد، لافتا إلى أن هناك بعض السلع المستوردة والتي سعرها أقل من سعرها المحلي، ومن الأفضل استيرادها بدلا من إنتاجها محليا، لأن هذا الأمر سينعكس إيجابا على المواطن.

ما أسعار الموبايلات في سوريا؟

العديد من المفارقات، التي تجعل من الأمر محط تساؤل، حول ما هو أبعد من الرسوم الجمركية وتطبيق القانون، فالمفارقة الأولى هي المبالغ المفروضة، بارتفاعها وعدم وضوحها، فعند صدور أول لائحة لرسوم التصريح الإفرادي عن الهواتف الذكية، من قبل الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد، تم تحديد التكاليف وفقا لما يلي: “الشريحة الأولى: 20.000 ليرة سورية، الشريحة الثانية: 45.000 ليرة سورية، الشريحة الثالثة: 80.000 ليرة سورية، الشريحة الرابعة: 100.000 ليرة سورية، علما أن قيمة الدولار الأمريكي حينها كانت تبلغ قرابة الـ 1000 ليرة سورية”.

موقع “موبوليست” المتخصص، رصد أحدث الأسعار للموبايلات في سوريا مؤخرا، إذ بلغ سعر أعلى فئة من هواتف شركة “سامسونغ” حوالي 10 ملايين و300 ألف، فيما سجل أقل فئة سعر مليون و75500 ألف ليرة، أما موبايل شركة “هواوي” “ميت 40 برو” فوصل سعره إلى 8 ملايين و310 ألف ليرة سورية.

كما بلغ سعر هاتف “أيفون” آخر إصدار 12 مليون و250 ألف ليرة، فيما بلغ سعر أقل هاتف من شركة “شاومي” حوالي مليون ونصف ليرة سورية.

وعن بعض الرسوم التي أقرتها الهيئة لبعض الهواتف الذكية الشائعة من مختلف الفئات، إذ يمكن الاستعلام عن رسوم التصريح لأية جهاز من خلال طلب رمز USSD *134# على الجهاز المراد الاستعلام عنه، فأجور التصريح لهاتف Samsung Galaxy A52s، الذي يبلغ متوسط سعره العالمي 379 دولار، هي 1.420.000 ليرة سورية (أي 370 دولار).

أما أجور التصريح لهاتف Samsung Galaxy Note 20 Ultra، الذي يبلغ متوسط سعره العالمي 1300دولار، هي 3.400.000 ليرة سورية (أي 871 دولار)، في حين أن أجور التصريح لهاتف iPhone 8، الذي توقفت شركة آبل عن إنتاجه، لكن يبلغ متوسط سعره العالمي 170دولار، هي 1.600.000 ليرة سورية (أي 410 دولار).

أما أجور التصريح لهاتف iPhone 13 Pro Max، الذي يبلغ متوسط سعره العالمي 1300دولار، هي 9.800.000 ليرة سورية (أي 2500دولار).

مكاسب حكومية

كل ما سبق، من مبالغ تصريح فلكية، وصلاحيات استيراد مخصصة، خلص “الحل نت” إليها في تقرير سابق، إذ إنها تقود إلى نتيجة حتمية، إفلاس حكومي، ومحاولات سده بطرق ملتوية، ولم يمض وقت طويل حتى آتى ذلك ثماره، إذ أعلنت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد مطلع هذا العام، أرباحا بالمليارات لعائدات رسوم الجمارك على الموبايلات، وذلك في بيان وصف بالاستفزازي، وأثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت الهيئة، إنه “وبعد مرور حوالي ستة أشهر على استئناف العمل بمنظومة التصريح عن الأجهزة الخليوية وفق الآلية الجديدة، تبين للهيئة أن المنظومة الجديدة تعمل بشكل مؤتمت، يعتمد على السعر الحقيقي للموبايل وفق سعر المصنع، بوصفه أساسا لتحديد أجور التصريح العائدة لخزينة الدولة”.

وذكرت، أن “ازدياد إيرادات الخزينة العامة للدولة جاء نتيجة استيفاء الرسوم والأجور وفق الآلية الجديدة، إذ بلغت الإيرادات الإجمالية للخزينة المركزية نحو 89 مليار ليرة سورية (حوالي 26 مليون دولار أمريكي حينها)، لقرابة سبعة ملايين جهاز خلوي تم إدخالها إلى السوق السورية، من عام 2016 وحتى تاريخ 18/3/2021″، وفق تعبيرها.

فيما “تم تحقيق إيرادات إجمالية للخزينة المركزية للدولة تعادل حوالي 92 مليار ليرة سورية (حوالي 27 مليار دولار أمريكي حينها) لنحو أربعمئة ألف جهاز خلوي، وفق آلية التصريح الجديدة، بناء على السعر الحقيقي للأجهزة الخلوية، من 14/8/2021 ولغاية نهاية كانون الثاني 2022″، حسب تقديرات وزارة الاتصالات والتقانة.

وعلى الرغم من ارتفاع هذه الأرقام، التي يبدو أنها أرضت جانيها، إلا أن هذا السلوك بذاته قد يمنع لاحقا دخول الأجهزة إلى البلاد، وبالتالي انخفاض وارداتها، ما يعني عدم استدامة هذا النهج. فبحسب شهادة إحداهن، التي حصلت على هاتف iPhone 13 من خارج البلاد، أعادت الهاتف عندما علمت عن تكاليف التصريح اللازمة لتشغيله على الشبكة المحلية، ليس لأنها لا تستطيع دفع التكاليف، بل لأن فكرة دفع ضعف ثمن الهاتف لترخيصه لم ترق لها، كما يتوقع من أي شخص طبيعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.