الدعم الدولي الواضح للوحدة اليمنية، كان السمة الأبرز لذكراها الـ33 التي مرت قبل أيام، لكن مع ذلك تبدو الوحدة مهددة في ظل تصاعد الدعوات الانفصالية.

الذكرى السنوية هذا العام للوحدة اليمنية حلت في ظل تباين بين بعض المكونات السياسية، فبينما تطالب مكونات سياسية جنوبية بالانفصال، ترفضه قوى أخرى.

اليمن يعاني من الحرب الدائرة منذ ثمان سنوات، بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي مدعوم من السعودية والإمارات، وقوات جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، والمسيطرة على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ 2014، ونجم عن ذلك زيادة في تردي الوضع الاقتصادي للبلاد، مع غياب الخدمات الضرورية.


قبل أيام، دعا التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية إلى حوار وطني شامل لإعادة صياغة شكل دولة الوحدة ونظامها السياسي، ويضم التحالف أكثر من 13 مكونا سياسيا، أبرزها المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الناصري.

التحالف اعتبر أن “مسيرة الوحدة رافقتها أخطاء جسام أدت إلى تصدع الصف الوطني واختلال الشراكة السياسية واضطراب دولاب الحكم وصولا إلى سقوط الدولة عبر الانقلاب الحوثي”، معتبرا أن معالجة أخطاء الوحدة لن تكون إلا عبر فتح حوار شامل يؤسس لمصالحة وطنية وعدالة انتقالية شفافة تنتهي بإعادة صياغة شكل دولة الوحدة ونظامها السياسي، بما يحفظ الهوية ويحقق الشراكة الوطنية.

في بيانه نفى أن تكون الوحدة سبب معاناة اليمن، وقال إن “انقلاب جماعة الحوثي كان سببا رئيسيا فيما وصل إليه حال البلاد كونه فتح الباب على مصراعيه لظهور بعض النزعات السلالية والطائفية والمناطقية المهددة لوحدة الوطن وكيان الدولة ونظامها الجمهوري ونسيجها الاجتماعي الواحد”.


لكن مع ذلك، يؤكد الباحث اليمني أشرف الفلاحي أن معظم القوى والتيارات السياسية الكبيرة في اليمن، مجمعة على اليمن الواحد، كونها مثلت نقطة مشتركة بين القوى اليمنية المختلفة التي كانت تخوض نضالا ضد حكم الإمامة في الشمال والوجود البريطاني في جنوب البلاد.

الوحدة اليمنية نتاج نضال مشترك

في استعراضه لتاريخ الوحدة، يقول الفلاحي لـ”الحل نت” إن الوحدة اليمنية كانت الهدف الخامس لثورة 26 أيلول/ سبتمبر التي اندلعت ضد نظام أسرة حميد الدين في الشمال، والهدف الثالث لثورة 14 تشرين الأول/ أكتوبر ضد الوجود البريطاني في 1963، وهي في خلاصة الأمر، نتاج تاريخ نضالي مشترك لكل المكونات والتيارات شمال وجنوب البلاد. 

ومع تصاعد الأصوات المعارضة في جنوب اليمن، والتي وصلت في أحيان كثيرة، إلى رفع شعار انفصال الجنوب عن الشمال والعودة إلى ما قبل الوحدة، وهو مطلب ربما رفع من باب سياسة الضغط القصوى لإجبار نظام علي صالح في العقد الأول من القرن الحالي على تسوية قضاياهم، كما يقول الفلاحي، الذي يضيف أنه “إدراكا من كل القوى السياسية الفاعلة في البلاد، على أهمية وقيمة بقاء “اليمن الواحد الموحد”، تم التوصل بعد حوار استمر لأشهر على شكل جديد للوحدة من خلال صيغة “النظام الاتحادي” الذي يقسم البلد إلى أقاليم عدة، وكان يحمل هذا المشروع، الرئيس السابق، عبدربه منصور هادي بعد التوقيع على وثيقته في صنعاء عام 2014″.

وصولا إلى الوقت الحاضر، يقر الفلاحي بوجود المخاوف من انتهاء الوحدة، في ظل تدخلات إقليمية، لكنه يقول: “مع عظم المؤامرة التي تهدد كيان الدولة اليمنية، يتعاظم تمسك اليمنيين خصوصا في محافظات جنوب وشرق البلاد بـ”الوطن الواحد”، إذ تبلورت رؤيتهم أن البديل للوحدة هو الخراب والعودة إلى مستنقع حمامات الدم الذي كان عنوانا بارزا للصراع على السلطة في  الجنوب منذ الاستقلال عن بريطانيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 وحتى إعلان الوحدة عام 1990”. 

عن الدور الإيراني، يقول الفلاحي إن بصماته واضحة جدا منذ أمد بعيد، ويضيف: “لا ننسى أن إيران راكمت نفوذا سياسيا عميقا لدى أحزاب اليسار في اليمن، التي وقفت سابقا مع جماعة الحوثيين أثناء تمددها خارج معقلها التقليدي في صعدة، شمالي البلاد، وصولا إلى إسقاط العاصمة صنعاء”.

على النسق ذاته، يتهم الخبير بالشأن الإيراني عباس الكعبي، إيران بتغذية الدعوات الانفصالية في اليمن، ويقول لـ”الحل نت” إن استراتيجية النظام الإيراني لن تتقاطع مع وحدة الشعوب، مشيرا إلى “النظام الإيراني ضرب الوحدة في لبنان وسوريا واليمن”.

الكعبي يضيف أن الوحدة اليمنية لا تخدم مصلحة النظام الإيراني، وهذا النظام زرع بذور الفتنة والفرقة والآن بدأت آثار ذلك بالظهور تباعا.

الوحدة اليمنية أمام تحديات؟

الباحث السياسي نجيب السماوي، يشير إلى تحديات كبيرة تعيشها الوحدة كرمز وطني والدولة اليمنية بشكل عام، مشيرا إلى “الانهيار المتسارع للدولة وللشرعية الممثلة لها”، وفي تقرير لموقع “الخليج أونلاين”، يرى الباحث أن “أي تفكير من المجلس الانتقالي باللجوء إلى الانفصال بالقوة، سيكلفه تكاليف باهظة مالية وبشرية، ناهيك عن أن سلوك هذا المنحى سيفقد دعاة الانفصال المشروعية السياسية لمطالبهم”.

السماوي لا يستبعد أن تتحول اليمن إلى إقليمين شمالا وجنوبا، ويقول: إن “كافة المؤشرات تؤكد أن تقرير مصير اليمن، سواء بشكل الدولة المرتقبة أو طريقة إنهاء الحرب وتقاسم السلطة، قد أصبح كله في أيدي لاعبين إقليميين ودوليين، وسط غموض واسع حول الصورة النهائية المرسومة لليمن”.

أما حزب التجمع اليمني للإصلاح، فاعتبر أن “الأخطاء التي رافقت دولة الوحدة ليست مبررا للانتقاص منها”، وقال عبد الرزاق الهجري عضو الهيئة العليا للحزب: إن “الوحدة اليمنية كانت ولا تزال تمثل منجزا تاريخيا وطنيا وعربيا، وهي الوضع الطبيعي لليمن ككيان وشعب وهوية وتاريخ واحد”، مضيفا أنه “لا يمكن جعل الأخطاء التي رافقت دولة الوحدة مبررا لنسف هذا المنجز العظيم أو الانتقاص منه”.

الهجري اعتبر أن “اليمن الاتحادي هو الحل الأمثل لضمان التوزيع العادل للسلطة والثروة على قاعدة الشراكة”.

من جانبه اعتبر الكاتب اليمني محمد جميح في مقال نشرته صحيفة “القدس العربي” أنه يمكن القول إن الإشكالية في اليمن ليست صراع وحدة وانفصال قدر ما هي صراع سلطة وثروة، وبما أن المسألة تكمن في الصراع على السلطة والثروة، فإننا يمكن أن نتخلص من كل مشاريع التقسيم الصغيرة إذا توصلنا إلى طريقة سلمية للوصول للسلطة وتقاسم الثروة على أسس ديمقراطية عادلة، وحينها ستختفي مفردات الوحدة والانفصال، وشعارات “الوحدة أو الموت” و”الانفصال أو الموت” لأن الهدف من كل تلك المفردات هو السعي لمشاريع استثمارية تغطيها المصطلحات البراقة.

جميح رأى أن كل هذه المشاريع الصغيرة هي انعكاس مباشر لانهيار الدولة وغياب المشروع الوطني اليمني الكبير الذي أصبح البعض بفعل الخوف أو الطمع أو “التكتيك” يتجنب الحديث عنه.


اليمن من أفقر البلدان

البنك الدولي، صنف في تقرير صادر نهاية العام 2022، اليمن على أنه من بين أفقر البلدان وأكثرها حاجة للدعم والمساعدة وسط معاناة من انعدام الأمن الغذائي، حيث يؤدي استمرار الصراع والتدهور الاقتصادي الحاد وانهيار الخدمات الأساسية إلى تفاقم الوضع المحفوف بالمخاطر بالفعل.

كذلك احتلت اليمن المركز السابع في مؤشر البؤس العالمي الذي صدر قبل أيام، وهو تصنيف يعتمد على خوارزمية تمنح كل دولة درجة بناء على نسب البطالة والتضخم ومعدلات الفائدة ونمو الناتج المحلي الإجمالي.


أمام هذا الواقع، تبدو الوحدة اليمنية مهددة بالزوال، وذلك على الرغم من حالة شبه الإجماع الشعبي على استمرارها، ما يعني أن احتمالية العودة إلى ما قبل 22 أيار/مايو 1990 قائمة، لكن تحقيق ذلك رهن الشارع اليمني وأطرافه السياسية، إلى جانب الرغبات الإقليمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات