خلال اجتماعها أمس الأحد، حثّت المعارضة السورية على استئناف المحادثات مع الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك عقب عودته إلى جامعة الدول العربية بعد سنوات من العزلة الدبلوماسية. وأعلنت “هيئة التفاوض السورية” عن توفر الظروف المناسبة لاستئناف المفاوضات المباشرة، وذلك في إطار جدول أعمال محدد وجدول زمني.

هذه الخطوة تأتي بعد ترحيب زعماء المنطقة بعودة الأسد إلى “الجامعة العربية”، وبعد أن وصلت المفاوضات لحل الأزمة السورية إلى طريق مسدود في 2018 بسبب رفض المعارضة لدور الأسد في أي انتقال سياسي، وفشلت عدة جولات من المحادثات اللاحقة التي توسّطت فيها الأمم المتحدة بهدف صياغة دستور جديد.

هذا الحدث يُعد تحوّل جذري في الأوضاع السياسية في سوريا، نحو إيجاد حل سياسي للصراع الدائر في البلاد، لكن ما مغزى دعوة المعارضة السورية إلى محادثات جديدة مع الرئيس الأسد، ولماذا قررت المعارضة استئناف المحادثات مع دمشق برعاية الأمم المتحدة بعد سنوات من المعارضة، وما هي التداعيات والنتائج المحتملة لهذا التحول الجذري في موقف المعارضة السورية.

الظرف مناسب لاستئناف المفاوضات

في بيان يوم الأحد، عقب اجتماع استمر يومين في مدينة جنيف السويسرية، دعت “هيئة التفاوض” الدول الشقيقة والصديقة إلى دعم جهود الأمم المتحدة لاتخاذ جميع القرارات اللازمة لتحقيق حل سياسي شامل، حيث عقدت “الهيئة” اجتماعات منذ يوم الجمعة، مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص لسوريا، غير بيدرسون، عدّة اجتماعات ناقشت فيها العملية السياسية.

اجتماع "هيئة التفاوض" السورية في جنيف - إنترنت
اجتماع “هيئة التفاوض” السورية في جنيف – إنترنت

“التفاوض السورية”، أشار في بيانها إلى أن الظرف مناسب لاستئناف المفاوضات المباشرة، لافتة في الوقت ذاته إلى أن الحراك النشط بالمسألة السورية يؤمن هذا الظرف، ولحل يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي وضع خارطة طريق للانتقال السياسي.

خلال السنوات الأخيرة، فقدت المعارضة السياسية الكثير من زخمها، وتضاءل الدعم الذي كانت تتمتع به في السابق من دول المنطقة، وعلى إثر ذلك رحب زعماء المنطقة بعودة الأسد إلى جامعة الدول العربية في قمة عُقدت في المملكة العربية السعودية  في الشهر الماضي، وهو أول ظهور له في المنظمة العربية منذ تعليق عضوية سوريا في عام 2011.

دعوة المعارضة جاءت بعد أن شدد الحوار العربي الأخير بشأن سوريا على أهمية دور القيادة العربية في إيجاد حل للأزمة، حيث قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، بيدرسون، أواخر شهر أيار/مايو الفائت، إن “النشاط الدبلوماسي الجديد في المنطقة يمكن أن يكون فرصة، إذا تم اغتنامه”.

بيدرسون نوّه في خطاب أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى الحاجة لمشاركة سوريّة بنّاءة والمجموعات واللاعبين الإقليميين والدوليين الرئيسيين للعمل معا، وعليه باشرت “الهيئة” اجتماعاتها بحضور جميع مكوناتها بشكل فيزيائي على مدار يومي السبت والأحد، بعد ثلاثة أعوام من تعطل انعقادها.

إصلاح الأخطاء السياسية للمعارضة

في آذار/مارس الفائت، وبعد ثمانية جولات عقدتها اللجنة منذ تأسيسها، وطرح العديد من القضايا المتعلقة بالدستور دون أن تفضي إلى نتائج إيجابية ملموسة، تم الإعلان عن تحديد انعقاد الجولة التاسعة من اجتماعات “اللجنة الدستورية”، وذلك بسبب عدم حضور وفد حكومة دمشق، الناتج بدوره عن عدم حضور الوفد الروسي.

اعضاء "اللجنة الدستورية" والائتلاف السوري" المعارض في جنيف -إنترنت
اعضاء “اللجنة الدستورية” والائتلاف السوري” المعارض في جنيف -إنترنت

عدم حضور الوفد التابع لحكومة دمشق، كشف عنه بيدرسون حينها، حيث قال إن الوفد التابع لدمشق لن يشارك في اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية” في جنيف طالما لن تحضر روسيا، مشيرا إلى أن المناخ الدولي اليوم قد يجعل الحل الشامل في سوريا مستحيلا.

عضو “تيار اليسار الثوري” في سوريا، إزار فروان، أوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن أهمية دعوة المعارضة السورية لإجراء محادثات جديدة مع الرئيس بشار الأسد والحكومة السورية تكمن في أنها تمثّل تحوّلا محتملا في نهجها تجاه حل النزاع السوري.

قرار المعارضة بالدخول في محادثات مع الأسد يشير إلى استعدادها لاستكشاف السبل الدبلوماسية وإيجاد حلّ تفاوضي بدلا من الاعتماد فقط على الوسائل العسكرية أو النهج الدولي السابق المتضمن فرض شروط وإملاءات. إذ إن الرؤية الحالية تقترح الاعتراف بأن التسوية السياسية قد تكون ضرورية لتحقيق أهدافهم وإنهاء الصراع.

بحسب فروان، فإن قرار المعارضة السورية استئناف المحادثات مع الرئيس الأسد برعاية الأمم المتحدة بعد سنوات من المعارضة لعدة أسباب. أولا، قد يكون هناك إدراك بأن الجمود العسكري والأثر المدمر للنزاع على السكان السوريين لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن عودة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية بعد عقد من العزلة ربما تكون مؤشرا على تحول في الديناميكيات الإقليمية، وخلق سياق جديد للمفاوضات. أيضا قد تعتقد المعارضة أن الضغط والدعم الدوليين، الذي يتم تسهيله من خلال المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة، يمكن أن يساعدهم في تحقيق أهدافهم.

خطوة براغماتية

منذ أن أردك المبعوث الدولي تراجع الفائدة من اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية”، لا سيما بعد نتائج آخر جولة التي جاءت مخيبة للآمال،  كانت هناك العديد من المبادرات الإقليمية والدولية، للبحث عن مسارات جديدة لدفع العملية السياسية في سوريا، وقد طالب المبعوث الدولي في آب/أغسطس الماضي، المجتمع الدولي بفتح مسارات جديدة للحل السياسي في سوريا، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن.

الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية - إنترنت
الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية – إنترنت

طبقا لحديث فروان، فإن الأوضاع الدولية والإقليمية والسورية تغيرت لتخلق بيئة مواتية لاستئناف المفاوضات بعدة طرق. فعلى الصعيد الدولي، قد يكون هناك اعتراف متزايد بأن الصراع السوري يتطلب حلا سياسيا، وهناك رغبة في تجنّب المزيد من التصعيد واحتمال انتشاره في المنطقة.

أما على الصعيد الإقليمي، تشير عودة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية إلى تحول في مواقف بعض الجهات الإقليمية الفاعلة، مما قد يفتح مجالات للحوار. علاوة على ذلك، قد يكون هناك تفاهم على أن التسوية التفاوضية ضرورية لمواجهة التحديات المعقّدة والمتعددة الأوجه التي تواجه سوريا، مثل الأزمات الإنسانية ووجود الجماعات المتطرفة.

قد تختلف آراء القادة الإقليميين حول عودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية بعد عقدٍ من العزلة. قد ينظر بعض القادة إلى عودته على أنها خطوة براغماتية نحو حلّ الصراع السوري وإعادة دمج سوريا في الديناميكيات الإقليمية، وأن المشاركة والحوار مع الأسد يمكن أن يؤدي إلى حلّ سياسي واستقرار في المنطقة.

ربما يكون للتحول الجذري في موقف المعارضة السورية الداعية إلى محادثات جديدة مع الرئيس الأسد عدة تداعيات ونتائج تبعا لحديث فروان. فقد يؤدي ذلك إلى زيادة المشاركة السياسية والجهود الدبلوماسية لإيجاد حل تفاوضي للصراع.

قد يؤدي هذا التحول أيضا إلى تصدع المعارضة نفسها، حيث قد تختلف بعض الفصائل مع قرار التعامل مع الأسد، وقد يستجيب المجتمع الدولي أيضا بشكل مختلف لهذا التطور، ما يجبر الفئة الأخرى من المعارضة على إعادة ضبط نهجهم بناء على الديناميكيات المتغيرة.

لذلك، يعتقد السياسي السوري، أنه إذا نجحت المفاوضات، فقد تمهّد الطريق للانتقال السياسي، مما قد يؤدي إلى وقف الأعمال العدائية وإنشاء حكومة أكثر شمولا وتمثيلا. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن التوصل إلى اتفاق شامل سيكون أمرا صعبا، حيث يشمل الصراع جهات فاعلة متعددة لها مصالح متنوعة مثل تلك التي تدعهما أنقرة.

قبل عودة دمشق إلى “الجامعة العربية”، كانت التكهنات تشير إلى أن “اللجنة الدستورية” في طريقها للفشل الذي قد يُعلنه المبعوث الدولي في أية لحظة فيما يخص انتهاء عمل اللجنة، بعد عمل استمر لنحو أربع سنوات دون تحقيق أيّ من أهدافها المعلنة، خاصة بعد إصرار دمشق على أن عمل اللجنة ينحصر في تعديل مواد في دستوره الذي وضعه عام 2012.

بعد أن كانت الرياض هي كلمة السر في عودة سوريا إلى “الجامعة العربية”، يبدو أن المملكة تسعى حاليا إلى دور كوسيط بين دمشق والغرب، وما يدلّ على ذلك حديث وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في ختام “القمة العربية” التي عقدت مؤخرا في جدّة.

هذا التوجه يبدو أنه حول المسار الفكري والعملي لدى “هيئة التفاوض” و”اللجنة الدستورية” وبقية مكونات المعارضة التي يشرف عليها بيدرسون، لذا كانت نتيجة الاجتماع الذي أتى على أنقاض العديد من الخلافات التي تركتها منذ توقف انعقادها، والتي سببت عدم انعقادها مرة أخرى، لاسيما الخلافات التي حضرت بين كتل المعارضة الست، بالذهاب نحو حوار مع الحكومة السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات