منذ تعليق المفاوضات في إطار الاتفاق النووي الإيراني في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، تسعى إيران للالتفاف على عملية المفاوضات للحصول على أكبر مكاسب ممكنة بما يمكنها من تمرير مشاريعها التوسعية في منطقة الشرق الأوسط، مقابل تقديم بعض التنازلات في الملف النووي الإيراني، الأمر الذي يغضب باستمرار الجانب الإسرائيلي الذي يسعى لإنهاء ملف إيران النووي.

توقف المفاوضات في الربع الأخير من العام الماضي، جاء بعد تعمّد إيران عرقلة المفاوضات، إضافة إلى محاولات إخفاء المعلومات النووية عن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، إضافة لاستمرار عمليات تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي أفضى في النهاية إلى تعليق المفاوضات نتيجة عدم تحقيق أي نتائج سلبية.

مؤخرا تحاول الدول الغربية مع الولايات المتحدة الأميركية إيجاد صيغة ما لحل الملف الإيراني عبر الطرق الدبلوماسية، بينما ترى إسرائيل أن التعامل مع إيران يجب أن يكون أكثر جدية، بعدما فشلت الطرق الدبلوماسية في الحد من مخاطر مشاريع إيران العدائية في منطقة الشرق الأوسط، ما يطرح التساؤلات حول أسباب عرقلة إيران لعمليات التفاوض الأمر الذي يجعل كذلك إسرائيل ترفض هذه القنوات بسبب المناورة الإيرانية.

خلاف في الرؤية

هناك خلاف في الرؤية بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، حول التعامل مع مشاريع إيران العدائية في المنطقة، وبناء على ذلك بدأت تل أبيب منذ أشهر تصعّد من تهديداتها للتحرك منفردة لمواجهة مشروع إيران النووي في المنطقة بدون مساعدة واشنطن.

منذ أشهر تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى إقناع الولايات المتحدة الأميركية، بالتوقف عن إحياء عمليات التفاوض مع إيران بشأن مشاريعها العدائية في الشرق الأوسط وفي مقدمتها الملف النووي، الأمر الذي يطرح كذلك التساؤلات حول الخيارات التي تسعى إليها إسرائيل لمواجهة الملف الإيراني.

تقرير لقناة “كان” الإسرائيلية، ذكر أن حكومة بنيامين نتنياهو، تمارس ضغوطا على إدارة بايدن لإقناعها بعقد اجتماع لمنتدى “ليشن” الاستراتيجي المشترك، والذي يبحث سبل مواجهة التهديدات التي مصدرها إيران، بهدف التعرف على توجهات الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.

الحكومة الإسرائيلية ترى أن إيران تسعى من خلال استئناف المفاوضات، إلى اللعب على عامل الوقت، وذلك بما يسمح لها الاقتراب أكثر من صنع القنبلة النووية وتشكيل أكبر تهديد ممكن على إسرائيل وعموم الشرق الأوسط، لذلك فإن تل أبيب ترى أن المواجهة العسكرية أو التهديد بها هي اللغة التي تفهم بها الحكومة الإيرانية.

فيما يبدو محاولة لإثبات عدم جدوى الدبلوماسية مع إيران، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد، إن إيران” مستمرة في الكذب على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن انصياع الوكالة للضغط الإيراني يمثل وصمة سوداء على سلوك الوكالة”.

تصريحات نتنياهو جاءت بعد أسابيع من إثارة مفتشي الوكالة الدولية في المخاوف، بشأن تواجد جزيئات يورانيوم مخصبة إلى مستويات 84 بالمئة، من النقاوة قريبة من المستوى الذي يستخدم في تصنيع الأسلحة، كما انتقدوا بطء رد فعل إيران على التحقيقات المنفصلة.

لكن عدم تمكّن إسرائيل حتى الآن على الأقل، من حشد اللاعبينَ الرئيسيين في الشرق الأوسط ضد إيران، يجعل تحركها منفردة أمرا غاية في الصعوبة، بدون مساعدة الولايات المتحدة، فهل يكون تسريع إيران لتطوير برنامجها النووي، سببا في توجيه ضربة عسكرية مفاجئة من قبل القوات الإسرائيلية ضد إيران.

لماذا ترفض إسرائيل الحوار؟

الباحث في الشأن الإسرائيلي أيمن الرفاتي، رأى أن رفض إسرائيل عمليات الحوار مع إيران، يأتي من منطلق التوسع المحتمل لمشاريع إيران العدائية في الشرق الأوسط، في حال تم توقيع اتفاق نووي مع طهران، حيث أن التفاوض مع إيران سيعزز قدرتها على تحسين وضعها الاقتصادي، إلا أن إسرائيل لا تملك حاليا ما يكفي من الأدوات لمواجهة إيران منفردة.

الرفاتي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “تدرك إسرائيل أن إيران لديها مشروعها الخاص بها، الذي تريد من خلاله الصعود لتكون من الدول العظمى، وأن مبدأ التفاوض معها سيؤدي لتعزيز هذا المشروع وسيعجل من الصعود الإيراني، الذي يرى أن إسرائيل ليس لها الحق في الوجود وأنها تحتل الأراضي الفلسطينية، وأنها أداة الولايات المتحدة التي زرعت في المنطقة لصنع الهيمنة الأميركية”. 

لهذا ترى إسرائيل أن التفاوض والاتفاقات تم تجريبها خلال عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقد استغلته ايران لتعزيز قدراتها العسكرية وهيمنتها في المنطقة، بل وتوسعت قدراتها وباتت أقرب وأكثر تأثيراً على حدودها، ولهذا ترفض التفاوض، وتسعى جاهدة لأخذ الإدارة الأميركية نحو توجيه ضربة عسكرية لإيران تعيد برنامجها لعشرات السنوات للوراء.

الرفاتي أوضح أن إسرائيل وخلال العقود الماضية حاولت بشكل فعلي مواجهة التهديدات الإيرانية، التي تعد من وجهة نظر الأمن القومي الإسرائيلي بأنها “تهديدات وجودية” عبر سلسلة من الإجراءات السياسية والأمنية والعسكرية وقد جرت العديد منها خلال السنوات الماضية، فيما لاتزال تفكر في طرق أخرى ومنها الجانب العسكري سواء بشكل منفرد أو بجر القوات الأمريكية لذلك.

وفي الجانب العسكري سعت إسرائيل خلال السنوات الماضية لامتلاك الأدوات العسكرية التي تستطيع من خلالها توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، وخاصة الحصول على طائرات التزود بالوقود وامتلاك الطائرات المتطورة التي يمكنها أن تنفيذ طلعات بعيدة الأمد وقادرة على تدمير المشروع النووي من حيث القدرة والقوة النارية.

في هذا الإطار تدربت إسرائيل خلال الأعوام الماضية عدة مرات على سيناريوهات تنفيذ ضربات جوية في أماكن بعيدة، وعقدت اتفاقيات سرية مع عدد من الدول العربية للسماح بطيرانها للتحليق والوصول للأهداف البعيدة.

الرفاتي رأى كذلك أنه “في الوقت الحالي لا يمكن القول إن الإدارة الأميركية تقبل بالتوجهات الإسرائيلية الرامية لتوجيه ضربة عسكرية لإرن، خاصة أن التوجهات الأميركية ترغب بحالة من الهدوء في منطقة الشرق الأوسط وسط تركيز على مواجهة الخطر الصيني والحرب الروسية الأوكرانية”.

تهديدات إسرائيلية بالتحرك بشكل منفرد

التهديدات الإسرائيلية بالتحرك بشكل مباشر ضد إيران تصاعدت مؤخرا، حيث أكد رئيس “هيئة أركان الجيش الإسرائيلي” هيرسي هاليفي، قدرة قواته على توجيه ضربة إلى عمق الأراضي الإيرانية، بهدف شل البرنامج النووي الإيراني دون الحاجة إلى مساندة من الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن القوات الإسرائيلية ستعزز بشكل كبير قدراتها استعدادا لضربة استباقية ضد إيران.

إيران من جانبها حاولت التقليل من شأن التهديدات الإسرائيلية، ونقلت وكالة “فارس” التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، عن قائد الجيش الإيراني الجنرال رحيم موسوي،  قوله إن “الكيان الصهيوني أدنى من أن يشكل تهديدا لإيران” حسب قوله، في وقت، أكد فيه هاليفي أنه “رغم بعد المسافة  فإن مثل هذه الضربة ستكون ساحقة”.

قد يهمك: دعوات لإعادة ترتيب الأوراق.. ما هي خيارات “هيئة التفاوض” السورية؟

هاليفي اعتبر أن وجود الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل سيكون الخيار الأفضل، وأضاف “إذا كانت الدولة اليهودية قادرة على مواجهة أي تحد أمني، فمن الأفضل دائما أن تكون الولايات المتحدة إلى جانبنا لكننا نعرف كيف نتصرف بمفردنا. نحن دولة ذات سيادة تحتفظ بالحق في اتخاذ قراراتها. سيكون من الجيد أن تكون الولايات المتحدة إلى جانبنا، لكن هذا ليس التزاما”.

كذلك فإن  أي تحرك عسكري من قبل إسرائيل ضد إيران، سيكون بالضرورة بتنسيق مباشر مع الولايات المتحدة الأميركية، لأسباب عديدة مرتبطة بمدى قدرة إسرائيل على التحرك عسكريا في المنطقة، مشيرا إلى أن ضرب إيران يحتاج إلى توافق إقليمي وضوء أخضر أميركي، لأن تدمير المفاعلات النووية في إيران يحتاج إلى قاذفات استراتيجية تمتلكها واشنطن.

اتفاق نووي جديد؟

الولايات المتحدة الأميركية ما يزال لديها أمل في التخفيف من وطأة الملف النووي الإيراني عبر القنوات الدبلوماسية، وقد كشف موقع “والا” الإسرائيلي قبل أيام، عن اتفاق نووي جديد، حيث أبلغت واشنطن تل أبيب، أنها تدرس دفع “اتفاق جزئي” مع إيران يستند على تجميد أجزاء من برنامجها النووي مقابل تخفيف بعض العقوبات.

الاتفاق يشمل تجميد تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 بالمئة، مقابل تخفيف العقوبات على إيران، مثل فك حظر 7 مليارات دولار مجمدة بحسابات بنكية في كوريا الجنوبية، وقال مسؤول إسرائيلي ودبلوماسي غربي للموقع، إن الأميركيين نقلوا العرض إلى الإيرانيين عبر وسطاء، لكن طهران رفضت في هذه المرحلة العرض وأوضحت أنها معنية بالعودة الكاملة للاتفاق النووي لعام 2015.

إيران صعّدت خلال الفترة الماضية من انتهاكاتها في البرنامج النووي الخاص بها، إذ إن توقف المفاوضات منح النظام الإيراني متّسعا وافرا من الوقت، حتى أشارت بعض التقارير إلى أن إيران وصلت بنسبة التخصيب إلى نحو 84 بالمئة من اليورانيوم، ما يعني اقترابها أكثر من الحصول على قنبلة نووية.  

على الرغم من اختلاف التقارير حول المُّدة التي أصبحت تحتاجها إيران للوصول إلى صنع القنبلة النووية، فإن الجميع بات يدرُك أن طهران أصبحت أقرب من أي وقت مضى، لامتلاك السلاح النووي، وقد أظهرت نتائج أبحاث “معهد العلوم والأمن الدولي” أن إيران على بُعد أسابيع قليلة من تجاوز العتبة النووية، بالمقابل فإن تقريرا لصحيفة “لوموند” الفرنسية، أفاد بأن ”أمام إيران فقط عامٌ ونصف إلى عامين للوصول إلى سلاح نووي”، آخذة بعين الاعتبار تخزين كمية من اليورانيوم بنسبة 90 بالمئة، ثم صُنع رأس نووي ودمجه بصاروخ مناسب. 

بالنظر إلى الظروف التي تعيشها المنطقة، لا يبدو واردا تحرك إسرائيل بشكل عسكري ضد إيران، فيما يبدو أن الاتجاه العسكري سيكون الخيار الأخير بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، التي تسعى لاستنزاف جميع الخيارات الدبلوماسية من أجل حل الملف الإيراني بجميع تفرعاته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات