بعد مضي أكثر من 5 أشهر على العام المالي، لا يزال مشروع قانون الموازنة الذي أقرّه “مجلس الوزراء” العراقي، منذ آذار/مارس الماضي، ينتظر تشريعه، حيث عطّل خلافٌ طارئ على بعض بنوده التصويت إلى إشعار آخر، على الرغم من عزم “البرلمان” التصويت على القانون يوم الخميس القادم.

جلسة الخميس القادم التي يعتزم “البرلمان” خلالها تمرير مشروع الموازنة الاتحادية لعام 2023 والعامين التاليين 2024-2025، لا تبدو يسيرة في ظل استمرار الخلاف بين القوى السياسية حول بعض بنود القانون، الأمر الذي ينذر بتحول الموازنة العامة إلى أزمة سياسية جديدة، بالنظر إلى حاجة الحكومة للتخصيصات المالية، ومعارضة إقرارها من قبل بعض الأحزاب.

فبعد جولة طويلة من المماحكات السياسية بين القوى الشيعية المتمثلة بتحالف “الإطار التنسيقي”، والمنخرطة جميعها في الحكومة الحالية باستثناء “التيار الصدري” بقيادة رجل الدين مقتدى الصدر، وبين القوى السّنية المتمثلة بتحالف “السيادة”، على حجم التخصيصات المالية في الموازنة للمحافظات المحررة من تنظيم “داعش”، يبدو الخلاف هذه المرة أعمق من ذلك.

خلافات متكررة

حينها اعتبرت القوى السّنية أن حجم التخصيصات الضئيل يأتي في مخالفة للاتفاق السياسي الذي تم على أساسه تشكيل تحالف “إدارة الدولة” الجامع لتحالفي “الإطار” و”السيادة” والحزبين الكرديين “الديمقراطي” الكردستاني، و”الاتحاد الوطني” الكردستاني، والذي تشكلت على أساسه حكومة محمد شياع السوداني، الأمر الذي أجج خلافا بين السوداني، ورئيس “البرلمان” الممثل السّني محمد الحلبوسي، حيث اعتبر الأول أن الأخير يحاول تعطيل برنامجه الحكومي من خلال تعطيل التخصيصات، عندما أجّل الحلبوسي وقت التصويت على الموازنة لمدة أسبوعين.

على غرار ذلك، كان كل من الحزب “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الإسلامي الكردستاني” قد انسحبا من اجتماعات اللجنة المالية قبل أسبوعين، احتجاجا على تعديل طرأ على المادتين 13 و14 من قانون الموازنة، بما عدّه “الديمقراطي” الذي يتزعمه مسعود البارزاني انقلابا على الاتفاقيات السياسية التي أفضت لتشكيل تحالف إدارة الدولة وتشكيل الحكومة.

اللجنة المالية البرلمانية، قد صوتت على عدة تعديلات تتعلق بإقليم كردستان، منها تعديل في المادة (13- ثانيا- أ) التي كانت تنص على التزام إقليم كردستان بتصدير ما لا يقل عن 400 ألف برميل من النفط يوميا، والمادة (14- أولا) التي كانت تنص على إيداع الإيرادات الكلية لنفط الإقليم في حساب مصرفي واحد.

بحسب التعديل الجديد في المادة 13، تلتزم حكومة إقليم كردستان ووزارة الثروات الطبيعية بتصدير ما لا يقل عن 400 ألف برميل من النفط المصدر من حقولها، يوميا، عن طريق شركة تسويق النفط التابعة لوزارة النفط الاتحادية “سومو”، على أن يتم تقييد الإيرادات إلى الخزينة الاتحادية، بعد أن يتم إرسال البيانات الشهرية وكمية النفط المصدر من حقول إقليم كردستان وأسعار النفط الى دائرة المحاسبة في وزارة المالية ببغداد.

كذلك إلزام حكومة كردستان بتسليم الإيرادات غير النفطية الى خزينة الدولة، وحسب قانون الإدارة المالية الاتحادي، على أن يقوم ديوان الرقابة المالية الاتحادي بالتنسيق مع ديوان الرقابة المالية في كردستان بتدقيق البيانات المتعلقة بتلك الإيرادات، كما ستتم تسوية ما بذمّة حكومة إقليم كوردستان من أرصدة المصرف العراقي للتجارة لدى المصارف الحكومية والخاصة، وتقوم وزارة المالية بجدولة أقساط شهرية تخصم من حصة الإقليم وتبدأ من السنة المالية 2023 ولمدة 5 سنوات”، وفق التعديل الجديد.

تباين اتفاقات 

أما في البند الأول من المادة 14 من الموازنة، فقد جاء قيام وزارة المالية الاتحادية بإيداع إيرادات النفط المنتج من حقول إقليم كردستان في حساب مصرفي يفتح لدى “البنك المركزي” العراقي، على أن تودّع فيه جميع الإيرادات المتأتية من تصدير وبيع النفط الخام ومشتقاته بدون أي استقطاعات لأي غرض كان، على أن تخوّل وزارة المالية الاتحادية صلاحية الصرف لرئيس وزراء الإقليم أو من يخوّله، على أن يخضع هذا الحساب لتدقيق ديوان الرقابة المالية من قبل لجنة خبراء ديوان الرقابة المالية الاتحادي والحكومة الاتحادية، وتغلق الحسابات المماثلة الأخرى كافة.

البرلمان العراقي يعتزم التصويت على قانون الموازنة العامة/ إنترنت + وكالات

في المقابل، يتولى ديوان الرقابة المالية الاتحادي بالتنسيق مع ديوان الرقابة في إقليم كردستان وبالتنسيق مع وزارتي المالية في بغداد وأربيل، تدقيق الحسابات المذكورة في البند الأول من المادة 14 من الموازنة العامة للبلاد. على أن يتم تنفيذ ما جاء في بنود المادة 14 من الموازنة العامة للعراق لسنة 2023، من تاريخ نفاذ هذا القانون لحين نفاذ قانون النفط والغاز.

وسط ذلك، حذرت أطراف سياسية ومراقبون من استمرار تعطيل إقرار الموازنة المالية وتأثيرات ذلك على مصالح البلاد، مؤكدة أن الخلافات السياسية هي من تحول دون إمكانية تمريرها، الأمر الذي قد ينسحب على مستوى استقرار الحكومة، لاسيما في ظل تلويحات في انسحاب أطراف من تحالف “إدارة الدولة” الذي تبنى تشكيل الحكومة التي تصرّ على تمرير مشروع الموازنة بالسرعة الممكنة، بما يخدم تنفيذ برنامجها الحكومي.

تعليقا على ذلك، يقول رئيس “مركز التفكير السياسي”، إحسان الشمري، إن هذه الخلافات تُعد بداية لتآكل الاتفاق السياسي الذي أقرّه تحالف “إدارة الدولة”، وأن هذا التحالف يبدو أنه لم يعد المظلة الجامعة للكتل السياسية، في الوقت الذي تعود فيه الخلافات بين الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة المنضوية ضمن “الإطار التنسيقي” من جهة، وبين الحزب “الديمقراطي الكردستاني” من جهة أخرى.

الشمري يعتقد في حديث لموقع “الحل نت”، أن الحزب “الديمقراطي” الكردستاني، أخطأ عندما قدّم النوايا على حساب الضمانات، وما يدل على ذلك انقلاب “الإطار التنسيقي” على الاتفاق السياسي، مشيرا إلى أن، الطعن وعدم تمرير ما اتفق عليه السوداني والبارزاني فيما يتعلق بالموازنة يعد أول ردة فعل تجاه سياسات السوداني التي يمضي بها بعيدا عن “الإطار التنسيقي”، بما يؤشر لبداية التضييق عليه كرئيس للحكومة وكشخصية لديها مشروع سياسي.

كذلك أشار الشمري إلى أن العراق يشهد مرحلة جديدة من التوتر بين بغداد وأربيل، بما يعني الدخول في أزمة سياسية إذا مرّر قانون الموازنة بعيدا عن إرادة الحزب “الديمقراطي”، وبما سيحرج الحكومة الحالية التي ستكون ملزمة بقانون الموازنة.

خلاف سياسي بالدرجة الأولى 

في السياق، يرى خبراء أن الخلاف سياسي بالدرجة الأولى، لاسيما وأن القوى الكردية سبق وكانت قد اتفقت مع تحالفي “الإطار التنسيقي”، منفردا، و”إدارة الدولة” مجتمعا، على بنود الموازنة، وأن ذلك كان شرطا لتشكيل حكومة السوداني الحالية.

الحزب الديمقراطي الكردستاني يبدي بعبر عن رفضة لتعديلات بنود قانون الموازنة/ إنترنت + وكالات

خصوصا وأن التعديلات لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وأن الحكومة الاتحادية لا يمكنها استيعاب 400 ألف برميل نفط مستخرج من الإقليم يوميا بسبب محدودية طرق النقل وعدم قدرة شركة “سومو” على استيعاب هذه الكمية الكبيرة، بحسب خبراء.

هذا وكان “مجلس الوزراء” العراقي، قد أقرّ في الـ 13 من آذار/مارس الماضي، أضخم موازنة مالية في تاريخ البلاد، التي زادت على 197 تريليونا و828 مليار دينار عراقي، أي نحو 152.2 مليار دولار، وبعجز إجمالي بلغ 63 تريليون دينار عراقي، مستغلا بذلك ارتفاع أسعار النفط عالميا، الذي يشكل أكثر من 95 بالمئة من عائدات البلاد المالية، وسط اعتراضات خبراء مال وقانون حيال بنود الموازنة، التي لم تأخذ طريقها إلى الإقرار حتى الآن بسبب الخلافات.

“البرلمان” العراقي، طوال دوراته السابقة، اعتمد التوافق السياسي مبدأً أساسياً لتمرير القوانين، وهو ما أثر في تمرير القوانين المهمة التي يحتاجها المواطنون، في حين قد مضى عام 2022 دون إقرار موازنة للبلد، بسبب الأزمة السياسية، وكانت حكومة تصريف الأعمال السابقة قد حاولت إرسال موازنة، لكن منعت بقرار من المحكمة الاتحادية.

حاليا يسير العراق وفق المادة 13 أولا من قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019، التي تنص على أنه؛ في حالة تأخر إقرار الموازنة العامة الاتحادية، يصدر وزير المالية توجيها بالصرف للنفقات التشغيلية، أبرزها مرتبات الموظفين التي تتجاوز شهريا الستة مليارات دولار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات