منذ أن أعلنت المملكة الهاشمية الأردنية، منح تجديد ترخيصٍ لحزب “البعث العربي الاشتراكي” قبل عدة أيام، يستمر الجدل في العراق بشكل كبير حول ذلك، وفيما تقول عمان إن الجدل غير مبرر وإن ثمة خلطا غير مفهوم، حيث تعتبر تياراتٌ عراقية أن منح تجديد الترخيص للحزب يمثل خطوة مستفزة للعراقيين، ليفتح ذلك الباب على تساؤلات عدة حول أسباب إصرار أحزاب النظام السياسي العراقي على التفاعل مع كل مرة يرد فيها اسم “البعث” بالرغم من مرور عقدين على إسقاط نظامه ومحاكمة وهروب أغلب قادته.

عمان تؤكد أن الحزب سياسي أردني يعمل داخل حدود المملكة فقط، لكن تيارات سياسية عراقية تعرب عن رفضها منح إجازة للحزب، خاصة بعد إطلاق أنصاره هتافات تتعلق بعودته إلى العراق وتغييره للنظام السياسي الحالي القائم فيه، متحججة بأن المخاوف تنطلق من أن حزب “البعث” ينادي بالقومية العربية، وهذه المناداة لا تحصره داخل الأردن فقط، وإنما يمتد إلى دول أخرى، بالرغم من حظر الحزب في العراق.

على هذا النحو، استمر السجال بين العراق والأردن، حيث طالبت لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين في “البرلمان” العراقي، وزارة الخارجية العراقية باستدعاء السفير الأردني لدى بغداد، وتسليمه مذكرة احتجاج على خلفية السماح لحزب “البعث” بممارسة نشاطه السياسي في الأردن، فيما عبّر حزب “الدعوة الإسلامية” الذي يقوده رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، عن احتجاجه الشديد على إجازة عمل حزب “البعث”، معتبرا إياه عملا استفزازيا.

احتجاجات في العراق على ترخيص الأردن لحزب “البعث”

على هذا الأساس، خرج العشرات من الأشخاص في العاصمة العراقية بغداد، صباح أول أمس الثلاثاء، بتظاهرات غاضبة احتجاجا على سماح السلطات الأردنية لحزب “البعث” بممارسة نشاطه السياسي على أراضيها، وانطلقت تلك التظاهرات قرب “مؤسسة الشهداء” في منطقة الجادرية وسط بغداد، حيث استنكر المتظاهرون منح الأردن إجازة العمل السياسي لحزب “البعث”، مطالبين الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد عمان، كما رفع المحتجون شعارات مناهضة لعودة الحزب لممارسة العمل السياسي مجددا، وهتفوا أيضا بمواجهة وإجهاض المحاولات الرامية لذلك.

لكن في مقابل ذلك، اعتبر سميح المعايطة وزير الإعلام الأردني الأسبق إن “الضجة مفتعلة”، وإنه ليس من حق الأحزاب العراقية التدخل بترخيص الأحزاب في الأردن، معتبرا ذلك تدخلا في الشأن الداخلي الأردني، مشيرا إلى أن الحزب أردني ومرخص وفق القانون الأردني، ولا يحق لأية دولة أو جهة خارجية أن تفرض على الأردن وجهة نظرها، وأي حزب يتجاوز أحكام الدستور والقانون فالدولة بالتأكيد ستقوم بمحاسبته وسيدفع ثمن تجاوزاته.

المحاولات الأردنية لطمأنة الشارع والأحزاب العراقية، لم تفلح في ذلك، بخاصة في ظل احتضان عمان شخصيات رفيعة ورموز من حزب “البعث” العراقي، حيث أشار البعض إلى إمكانية انخراط تلكم الشخصيات في نشاط الحزب الأردني، في سياق محاولات إعادة نشاط الحزب إلى العراق، غير أن المعايطة، أكد أنه لا يحق إلا للأردنيين الانتساب إليه.

وقوفا على حيثيات ذلك، يقول المحلل السياسي علي البيدر، لموقع “الحل نت”، إن هذا شأن داخلي أردني، والأردن فسحت المجال لمجموعة من التيارات السياسية لمزاولة أعمالها السياسية، ومن بينها حزب “البعث”، بالتالي لا يوجد مبرر للمخاوف العراقية وما رافقها من حملة إعلامية وضجة.

إن الأردن دولة حرة بما تمنح من إجازة لممارسة النشاط السياسي، كما يضيف البيدر، بالتالي لا يحق للعراق التدخل في شؤون الآخرين، إلا إذا ما كان هناك خطر على العراق، فمثل ما يتم رفض تدخل الأخرين في شؤون العراق، علينا أن نحترم خيارات الأخرين.

إلى ذلك يشير، بأنه ثمة أطراف سياسية أرادت أن تذهب باتجاه كسب تعاطف الجماهير أو بث الرعب في نفوسها، بأن هناك عودة لخطر حزب “البعث”، من خلال تسويق فكرة أن الأردن دولة تحاول أن تعطل المسيرة الديمقراطية في العراق، متسائلا، إذا ما كان هناك خطر حقيقي من الأردن، فلماذا لا تتم قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة. بخاصة وأن المعترضين على منح عمّان حق ممارسة العمل السياسي لحزب “البعث” هي أطراف نافذة داخل الدولة العراقية وقادرة على إحداث موقف معين. 

لا عودة لحزب “البعث” في العراق

بحسب المحلل السياسي العراقي، فإن حزب “البعث” محظور في العراق ولا يمكن له أن يصله أو يمارس أي نشاط سياسي في البلاد أو التواجد في السلطة، وذلك باستثناء أن يكون المنتسبون له تحت عناوين بديلة أو ثانوية، غير أنه بصفتهم الرسمية وعنوانهم الفعلية من المستحيل أن يكونوا في أي موقع، مؤكدا أنه لا توجد أي تخوفات فالحزب أصبح من الماضي.

ترخيص الأردن لحزب البعث يستفز تيارات سياسية عراقية/ إنترنت + وكالات

البيدر دعا الطبقة السياسية، بألا تنشغل بمثل هذه الأمور، أو تُلهي الشارع بهكذا قضايا، بل يجب أن تذهب لتهتم بواقع العراقيين وتطوير إمكانياتهم خدمة للمواطن الذي طال انتظاره وبات يبحث اليوم عن الخيارات الأفضل التي يمكن أن تساهم في معالجة أزماته بدلا من الحديث عن قضايا لا تسمن ولا تغني من جوع.

أما البعثيون الذين يتواجدون في الأردن قد يكونون أوراق ضغط سياسية أو تخويف لبعض الجهات، بحسب البيدر، الذي أكد عدم إمكانية عودة تلك الشخصيات للعمل في العراق وفق رؤية سياسية واضحة، وبالتالي لا يمكنها أن تكون أكثر من ورقة ضاغطة.

البيدر أردف، أن بعض الأطراف السياسية تخشى عودة حزب “البعث”؛ لأنها جربت التعامل مع هذا الحزب ولديها تجارب مريرة وقدمت ضحايا، فلا تريد أن تتكرر التجربة، فيما يحاول البعض من المحتجين على منح الأردن الرخصة لحزب “البعث” الأردني، استدامة مكتسباته المتحققة أو استثمار وجوده في السلطة أكثر، لذلك عودة “البعث” ثانية قد يضعف تلك الأطراف أو يُقصيها خارج المشهد.

بالمجمل، فإن عودة “حزب البعث” وفق البيدر، تحتاج إلى تعديل قانون “حظر حزب البعث”، فما دامت الأغلبية النيابية للأطراف الرافضة لهذه العودة، هي ذاتها ممن تحتج عليه الآن، فلا إمكانية لعودته إلا أن يستخدم ذات الطريقة التي استخدمتها المعارضة في الإطاحة به وإزاحته من السلطة.

المحلل السياسي اختتم حديثه بالقول، إن الدول الكبرى تريد أن تنمي وتطور التجربة الديمقراطية في العراق، لذلك هي رافضة لتغييرها أو إزاحتها أو حتى استبدالها بقوى وطنية راقية غير “البعث”، فمجرد فكرة العودة لا أساس لها ولا يمكن تطبيقها بظل المعطيات المتاحة.

نظام غير واثق بنفسه

في السياق، كان نائب رئيس الوزراء السابق، صالح المطلك، قد أشار في معرض تعليقه عن الموضوع في تصريحات صحفية، إلى أن حزب “البعث” موجود في سوريا والأردن ولبنان والسودان، ويتنافس في الانتخابات، أما منع مشاركته للسيطرة على كل شيء، فهذا أمر غير صحيح.

عراقيون يحجون وسط بغداد على منح الأردن ترخيصا لحزب البعث للمارسة العمل السياسي/ إنترنت + وكالات

المطلك أوضح، أن حزب “البعث” في العراق محظور الآن، لكن النظام السياسي الذي مضى عليه 20 عاما وما يزال يخشى من حزب تم اجتثاثه فهو نظام غير واثق من نفسه ولا يستحق أن يقود العراق، داعيا النظام السياسي الحالي إلى أن يغيّر من نهجه، وأن يسمح بالترشح للانتخابات لكل من يرغب بذلك.

كان “مجلس النواب” العراقي قد أقرّ في تموز/يوليو 2016 مشروع قانون حظر حزب “البعث” والكيانات المنحلة والأحزاب والأنشطة العنصرية والإرهابية والتكفيرية، بيد أن الحزب حكم في العراق، قرابة أربعة عقود من الزمن، قبل أن تطيح بنظامه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في العام 2003.

في حين على الرغم من أن “حزب البعث الاشتراكي” يوجد في الأردن منذ خمسينيات القرن الماضي، ويمارس أعماله منذ مطلع التسعينيات، كما أنه مرخّص ولم يكن منحلا في السابق، وتسري عليه جميع القوانين النافذة في الأردن، وممنوع من العمل خارج المملكة كما هو الحال مع باقي الأحزاب الأخرى، بسحب ما أفاد به الناطق باسم مفوضية الانتخابات في الأردن، محمد الرواشدة.

وسط ردود متبادلة وفي وقت تشهد فيه العلاقات الرسمية تحسنا وينخرط الجانبان بمشاريع تنموية واستثمارية مشتركة، لا يبدو أن ثمة خلافا بين الحكومتين العراقية الأردنية، ففي اليوم الذي احتجت فيه مكونات عراقية حزبية وشعبية على تجديد ترخيص “حزب البعث” في الأردن، كانت الحكومة العراقية تعلن استئناف ضخ النفط العراقي للمملكة، ما يؤشر إلى أن هذا الجدل لن يعكر صفو العلاقة الجيدة بين البلدين، وما هو إلا مصلحة سياسية تحاول بعض الأطراف الاستثمار فيها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات