منذ العام 2017، التاريخ الذي خسر فيه تنظيم “داعش” سيطرته على جميع الأراضي التي احتلها في العراق، وحتى الآن، لا تزال القوات العراقية تعلن بين الحين والآخر توجيه ضربات مفصلية لفلول التنظيم المتوارية عن الأنظار في الصحاري والجبال والبساتين الكثيفة في بعض المناطق، أخرها مقتل ما يسمى بـ “والي شمال بغداد”، الأربعاء الماضي، بعملية عسكرية في أطراف العاصمة بغداد، الأمر الذي أكد العديد من المختصين، بأنه سينعكس على مستقبل التنظيم بشكل مباشر.

مقتل ما يسمى بـ “الوالي”، وفق ما أعلن عنه الإعلام الرسمي للقوات العراقية، جاء في عملية عسكرية، نفذتها قوة من الجيش العراقي مسنودة بقوة من “حشد” الطارمية العشائري، حيث تمكنت من نصب كمين أسفر عن قتل أربعة من عناصر التنظيم، ضمنهم ما يسمى “والي شمال بغداد” المدعو عدنان اللهيبي، في قضاء الطارمية شمالي العاصمة بغداد.

العملية التي انتهت بمقتل اللهيبي، تؤكد القوات الأمنية العراقية، بأنها ستتسبب بمشاكل للتنظيم، حيث كشف قائد عمليات بغداد الفريق الركن أحمد سليم، في تصريحات صحفية لوكالة الأنباء العراقية الرسمية “واع”، مكاسب مهمة على إثر هذه العملية.

مكاسب تصفية قادة “داعش”

سليم قال؛ إن مقتل ما يسمى “والي شمال بغداد” له تأثير كبير وبعدة اتجاهات. الأول يتمثل في إطاحة عنصر مهم للقيادة لدى عصابات “داعش” في منطقة تمتد من التاجي وصولا إلى محافظة صلاح الدين، حيث قضاء الدجيل، كما أن التنظيم سيتعرض لارتباك في إيصال الأوامر بين عناصره، كونه حلقة وصل بين المفارز الإرهابية في هذا القاطع ومراجعهم الذين يتلقون منهم الأوامر.

هذا ويتعرض تنظيم “داعش”، حاليا لضربات متعددة بمختلف القواطع، ومن بينها في محافظات، ديالى، وكركوك، وليس في شمال بغداد فقط، وفقا لقائد عمليات بغداد، الذي أعتبر أن تساقط قيادات التنظيم المهمة، وفقدان عناصره القيادية، سيؤثر على بنية التنظيم.

على صعيد آخر، أشار سليم، إلى مكسب معنوي تحقق من العملية العسكرية، إذ إن قتل ما يسمى بـ “والي شمال بغداد” سيؤثر على معنويات العناصر الإرهابية سلبا، في مقابل رفع معنويات عناصر القوات الأمنية من قوات الأمن وأجهزة الاستخبارات، وتشجيعهم على الاستمرار بملاحقة فلول “داعش” شمال بغداد وفي بقية القواطع، على حد قوله.

إلى ذلك، فإن العملية تأتي بينما كثّف الأمن العراقي أخيرا، العمل الاستخباري بمتابعة وتحديد تحركات عناصر تنظيم “داعش” في عموم المحافظات العراقية، ضمن استراتيجية أمنية جديدة تم اعتمادها بالتوازي مع التحرك الميداني، وهو ما نتج عنه تراجع واضح بأعمال العنف والهجمات التي كانت قد نشطت مطلع العام الجاري.

قضاء الطارمية تابع إداريا لبغداد، ويُعدّ الحزام الشمالي للعاصمة، ويتميز بوجود عشرات الكيلومترات من البساتين الشجرية على ضفتي نهر دجلة، وهو ما يستغله تنظيم “داعش” للتمويه والتخفي، حيث تُعد المنطقة وصولا إلى محافظة صلاح الدين المجاورة، من المواقع التي تشهد باستمرار عمليات أمنية لمواجهة “داعش”.

حول انعكاسات العملية وتأثيرها على مستقبل التنظيم، يقول الخبير في الشأن الأمني، العميد المتقاعد عدنان الكناني، إن تنظيم “داعش” انحصر نفوذه بشكل كبير من الناحية الأمنية والعسكرية، بعد سيطرته على مناطق في العراق هي الموصل وصلاح الدين والأنبار بعد نجاحه في المناورة على أسس عقائدية.

“داعش” فقد قوته في العراق

غير أن التنظيم، بحسب الكناني الذي تحدث لموقع “الحل نت”، حين امتلك موضع القدم أفصح عن نواياه السيئة بالقتل والسبي والتهجير ومصادرة الأموال، وهو ما وجد رفضا من العراقيين وفقد شرعيته ووجوده داخل قلوب الناس بعد أن كشف عن وجهه القبيح.

الجيش العراقي ينشر صورا من مقتل “والي شمال بغداد” بتنظيم “داعش”/ إنترنت + وكالات

الخبير الأمني، تابع أن “داعش” قبل عام 2014 كان يمتلك القدرة على حشد بعض الشخصيات وإنتاج بعض المتطرفين فكريا، وتوفير الملاذات الآمنة، غير أنه أصبح بلا قوة عسكرية فليس لديه انتحاريين أو يستطيع استقطاب عناصر جديدة، ولا يعتمد سوى على بعض المتطرفين أو المسيّسين للقيام ببعض العمليات الإجرامية البسيطة التي تكشفها الأجهزة الأمنية.

كما أكد الخبير الأمني، أن تنظيم “داعش” انتهى من الناحية العسكرية، لكنه يراهن على الناحية العقائدية ويتحرك وفق أجندة سياسية وربما مخابراتية، لأن هناك جهات تدعم أو تستثمر التنظيم للضغط أو الحصول على بعض المكتسبات.

في السياق نجح الطيران العراقي، خلال الشهرين الأخيرين، في تنفيذ ضربات جوية استهدفت تحركات عناصر تنظيم “داعش” بالمحافظات المحررة (ديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين والأنبار)، ضمن استراتيجية وضعتها لسلب عناصر التنظيم القدرة على تنفيذ الهجمات المباغتة، وقد أوقعت الضربات ضحايا من عناصر الأمن.

تخشى الحكومة العراقية تراجع الملف الأمني ونتائجه على استقرار البلد، حيث وجه السوداني الشهر الفائت، القيادات الأمنية بالتأهب ومراجعة شاملة للخطط العسكرية، مشددا على تغيير التكتيكات العسكرية المتّبعة في المناطق التي تشهد نشاطا لـ “داعش”، واتباع أساليب غير تقليدية للمواجهة، وبالطريقة التي تضعف من قدرات عناصر التنظيم وتحدّ من حركتهم.

بناء على ذلك، أجرى “المجلس الاستخباري” العراقي، مطلع الشهر المنصرم، مراجعة لخططه للمرحلة المقبلة، بملاحقة الجماعات الإرهابية وتضييق الخناق عليها، محذرا من التراخي بتنفيذ الخطط.

تراجع خطر “داعش”

نتيجة لهذه الجهود الأمنية العراقية، كان المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي، قد أكد الشهر الماضي، أن هجمات عناصر تنظيم “داعش” تراجعت خلال الفترة الأخيرة بشكل واضح، وأن الضربات الجوية والهجمات حجّمتها، مشيرا إلى أن أعداد عناصر التنظيم باتت قليلة جدا.

قوات الأمن العراقي تداهم بستاتين قضاء الطارمية شمال بغداد/ إنترنت + وكالات

ووفقا للخفاجي، فإن أعداد الإرهابيين المتواجدين حاليا في العراق قليلة جدا، ويعود ذلك للضربات الجوية الدقيقة والعمليات النوعية التي قامت بها القوات الأمنية، مبينا في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية “واع”، أن العراق ولأول مرة منذ 17 عاما يمرّ عليه شهر رمضان والعيد دون حدوث أي عمليات ضد الشعب والقوات الأمنية.

فيما أشار إلى أن الإرهابيين يتحصنون في المناطق الجبلية والأماكن الوعرة الصعبة جغرافيا كالوديان، مثل وادي زغيتون، ووادي شاي، وسلسلة جبال حمرين الواقعة في أطراف محافظتي ديالى وكركوك، فضلا عن صحراء الأنبار وجنوب غرب نينوى، مؤكدا أن أعدادهم باتت قليلة جدا في تلك المناطق.

إذ إن الملاحقات من قبل القوات الأمنية مستمرة، والضربات متكررة ضد عناصر “داعش”، حيث تعتبر العصابات المتواجدة في البلاد مشلولة الحركة، بحسب المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، مشيرا إلى أن، الجهد الاستخباري والأمني أسهم في إرباك المنظومة القيادية للعصابات الإرهابية.

جدير بالذكر، إن القوات العراقية، مدعومة بقوات من التحالف الدولي، تمكنت من دحر تنظيم “داعش” واستعادة السيطرة على مساحة تقدر بثلث مساحة البلاد تمكن التنظيم من السيطرة عليها، بين أعوام 2014- 2017، امتدت من الحدود العراقية السورية شمالا إلى بغداد في الوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات