في عالم مليء بالأرقام والإحصائيات، ظهر تصريح المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، كأحد تلك الأرقام التي لفتت انتباه شريحة داخل سوريا. إذ اعتبرت هذه الشريحة الأرقام التي تخص الفقراء في سوريا هي خيال، مشكّكين بأن يعيش السوريون تحت خط الفقر بالفعل، وأن هذا مجرد رقم يحاول إثارة التعاطف ولفت انتباه العالم.

من الواضح أن تصريح المبعوث الأممي إلى سوريا غير صحيح لدى بعض السوريين الذين لديهم نظرة على الوضع المحلي، فالبنسبة لهم ليس جميع السوريين فقراء، هناك من يعيشون في فقر، لكن هناك أيضا من يعيشون في راحة، ويتمتعون بأعلى درجات الرفاهية.

الطبقة المخملية تحجب الفقر

مؤخرا ذكر غير بيدرسن، أن 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وهذا خطير جدا، ويحصل العاملون في البلاد على أقل من 8 دولارات شهريا، بينما كانوا يحصلون في حزيران/يونيو الفائت على 18 دولارا، أي أن العائلة لا تستطيع تحمّل تكلفة وجبة يوميا.

طرطوس وحدها يوجد بها نصف مليون معهم سيارات من ماركة "أودي" - إنترنت
طرطوس وحدها يوجد بها نصف مليون معهم سيارات من ماركة “أودي” – إنترنت

هناك العديد من الأسباب التي جعلت تصريح بيدرسن مبالغ فيه، فبحسب التعليقات التي رصدها “الحل نت”، فإنه قبل 8 سنوات، حدثت العديد من التغيرات في الاقتصاد السوري، مما أدى إلى تحسّن الأوضاع المعيشية للكثيرين.

كميش بفاريان الذي يعيش في طرطوس، ذكر أن طرطوس وحدها يوجد بها نصف مليون معهم سيارات من ماركة “أودي” و”بي إم دبليو” و”مرسيدس”، وأيضا هناك شريحة لا بأس بها تتوافد للسهر في أرقى نادي ومجمع سياحي بالمدينة “البورتو” يوميا، فضلا عن مرتادي الشاليهات.

بفاريان أفاد حسب قوله، أن دلالة ذلك أنه لا يوجد 90 بالمئة تحت خط الفقر، والمعلومة أو الرقم الذي ذكره بيدرسن مبالغ فيه، قائلا “فيك تجرب و تدخل البورتو وتلف فيه إذا بدك تتأكد من كلامي، رح تشوف العجب”، مضيفا أن “قصدي إذا هيك بطرطوس يعني بسوريا بشكل تقريبي في فوق 5 مليون مرتاحين تماما”.

الموظف هو الفقير فقط

يبدو أن بيدرسن لدى بفاريان والشريحة التي يمثلها لا يأخذ في الاعتبار التنوع الاقتصادي في سوريا. فهناك العديد من المناطق في سوريا التي تتمتع باقتصاد أقوى من غيرها. على سبيل المثال، تتمتع مدينة طرطوس باقتصاد قوي، مما يسمح للكثير من سكانها بالعيش في ظروف معيشية أفضل من سكان المناطق الأخرى.

حدثت العديد من التغيرات في الاقتصاد السوري - إنترنت
حدثت العديد من التغيرات في الاقتصاد السوري – إنترنت

بحسب حديث الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، لـ”الحل نت”، فإن تعليقات شريحة الطبقة المخملية في سوريا منطقية بعض الشيء، فإذا أُخذ افتراض أن الموظف في سوريا هو الفئة الأفقر حاليا، فإن بيانات الحكومة تعزز نظرية بفاريان وأقرانه.

بحساب بسيط، فإن عدد الموظفين في القطاع الحكومي يصل إلى مليونين و200 ألف موظف، ومع فرض أن كل عائلة موظف تتكون من خمسة أفراد، فإن العدد الكلي للطبقة التي تعيش بفقر داخل سوريا يصل عددها لـ12 مليون ونصف، ويضاف لهم 6 مليون نازح، فالعدد الإجمالي هو 18 مليون شخص.

بالتالي فإن عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر لا تتراوح نسبتهم 70 بالمئة، كون العدد الإجمالي للشعب السوري داخل البلاد بحسب آخر إحصائية هو 24 مليون شخص، وعليه فإن هناك شريحة فعليا هم من أصحاب الطبقة المخملية.

ريموندا نصور، التي تعيش في اللاذقية، ذكرت أن التعليقات حول وجود شريحة غنية في سوريا، هي نظرة أصحاب هذه الشريحة الذين لا يرون سوى “النماذج المرتاحة” على حد وصفها، لأن باقي المواطنين هم “أموات من الفقر والجوع والبهدلة”.

أغنى مناطق سوريا

خلال العقد السابق، قامت الحكومة السورية بنقل مؤسساته داخل المدن وتمركزها في مناطق تحت سيطرتها، بهدف جذب أكبر عدد من المواطنين ورؤوس الأموال نحو هذه المناطق وتعزيز سيطرته على مختلف جوانب الحياة. وفيما لم تشهد كل المناطق في سوريا حالة حرب، أُتيحت فرصة لسكان تلك المناطق بأن يحيوا حياة مختلفة ومميزة.

سوريون في مجمع "بورتو" بمدينة طرطوس - إنترنت
سوريون في مجمع “بورتو” بمدينة طرطوس – إنترنت

الطبقة الغنية أو ما تُعرف محليا بـ”المخلمية” في سوريا تعيش حياة الرفاهية في الوقت الحاضر، حيث لا تحتاج إلى القلق بشأن قضايا المأكل والمشرب والحاجات اليومية. “الحل نت” قام بدراسة كيفية عيش أغنياء هذه المناطق حياة النعيم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. ويمكن أن يبدو نمط حياتهم أمرا غير معقول في بلد يواجه تحديات اقتصادية تُعد بمثابة كابوس. 

فمثلا في أيار/مايو الفائت، شهدت جلسة نقاش ساخنة بين أعضاء مجلس محافظة دمشق امتعاض بعض النواب، حيث لفتوا الانتباه إلى انتشار المخالفات في المناطق الراقية المعروفة بأجوائها الفخمة وجاذبيتها الجمالية، والتي يُشار إليها غالبا بالمناطق “المخملية”، إذ لم تسلم مناطق مثل أبو رمانة والمالكي والمزة والفيلات الغربية والشرقية من هذه المخالفات. 

من المثير للدهشة أن الفواكه أيضا، التي كانت في السابق تعتبر جزءا من تلك السلع التي يمكن للأُسر السورية شراؤها للاستهلاك اليومي، أصبحت الآن مادة للتصوير فقط وللطبقة المخملية، حيث باتت الأُسر ذات الدخل المحدود تجد نفسها غير قادرة على تحمّل تلك الفواكه الفاخرة.

خلال السنوات العشر الأخيرة، عاشت العوائل ذوات المستوى الميسور في مناطق الحكومة السورية، وخاصة في المحافظات التي لم تشهد نزاعات مسلحة أو لم تكن تحت سيطرة المعارضة السورية، مثل أحياء دمشق والسويداء وطرطوس واللاذقية. في هذه المناطق، استمرت الحياة كالمعتاد كما لو أن الحرب انحسرت عنها تماما، وكأنها الحرب في دولة أخرى.

تأثير انهيار قيمة الليرة السورية ونقص المدخول المالي كان كارثيا لبعض عائلات السوريين، ولكن هذا التحدي لم يطال أبناء الأغنياء الذين يعيشون حياة مختلفة. فلم يفاجئهم أن تصبح فواتير المواد الغذائية الأساسية خيالية بسبب الارتفاع المفزع في الأسعار.

تأثير الأزمة الاقتصادية والحروب والنزاعات في سوريا كان كبيرًا على جميع الشرائح الاجتماعية، بما في ذلك الموظفين. ارتفعت أسعار المعيشة بشكل كبير، وتدهورت القيمة الشرائية للعملة المحلية، مما أدى إلى انخفاض الدخل الحقيقي للكثير من الأشخاص. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الجميع في سوريا فقراء، فما زالت هناك شرائح متنوعة من المجتمع تواجه وضعا اقتصاديا مختلفا.

يبدو أن التصريحات الدولية والمحلية التي تقول إن الفقر يطال 90 بالمئة من السوريين لا تعكس الواقع الكامل. فهناك أوضاع اقتصادية متنوعة ومتعددة في سوريا، وتتأثر الشرائح الاجتماعية بطرق مختلفة. فسيارات “الأودي” وارتياد منتجع “البورتو” و”الشاليهات” هي الدلائل القاطعة على أن بعض السوريين يسبحون في الثراء والرفاهية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات