في ساحة السياسة والاقتصاد الدولي، تظهر أحيانا تحالفات غامضة تتناقل بين أنظمة وشخصيات ذات نفوذ وسلطة. ومن بين هذه التحالفات السرية التي تتربص بأمن المنطقة وتهدد استقرارها، يبرز التحالف الاقتصادي الذي يربط بين دمشق والمشير الليبي خليفة حفتر، وما زال لغز هذا التحالف يثير الاهتمام والتساؤلات.

منذ عام 2017، انطلقت هذه الشراكة السّرية بين دمشق وطرابلس، حيث يمثل شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد، جهة دمشق في هذا التحالف، بينما يتولى نجل حفتر، صدام، قيادة الجانب الليبي. وفي أيلول/سبتمبر من العام الماضي، اندلعت الشرارة الفاعلة لهذا التحالف عندما زار ماهر الأسد ليبيا على متن طائرة تابعة لشركة “أجنحة الشام”، حيث التقى صدام حفتر لتتويج هذا الاتفاق وتحقيق الأهداف التجارية.

أهمية هذا الموضوع تتمحور حول كشف النقاب عن تحالف اقتصادي يمتد عبر الحدود الوطنية، يجمع بين أعلى سلطة في سوريا وقائد عسكري ليبي بارز. إذ إن هذه الشراكة السرية تتركز على الاستفادة من منطقة شرق ليبيا كـ”منجم أموال” يسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية مذهلة للأطراف المتعاقدة. كونها منطقة غنية بالموارد والفرص التجارية، وتسهم في تحقيق مكاسب مالية هائلة لرجال الأعمال الذين ينتمون لأقوى الدوائر في البلدين.

مع استمرار العلاقات بين شقيق الأسد ونجل اللواء حفتر، تبدو العواقب واضحة ومتجددة، فالأسئلة تتزايد حول مدى تأثير هذا التحالف الاقتصادي على السياسة والاقتصاد الإقليمي، وما الدلالات والعواقب المحتملة لوجود هكذا تحالف اقتصادي بين الأسد وحفتر، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الوضع الاقتصادي والسياسي في المنطقة.

زيارة سرية لماهر الأسد

في أروقة الاقتصاد والسياسة بين السوريّين والليبيّين، كشف موقع “أفريكا إنتلجنس” عن وجود تحالف اقتصادي سرّي بين الرئيس السوري وشقيقه والمشير الليبي خليفة حفتر يعود تاريخه إلى العام 2017. هذا التحالف المثير للجدل سلّط الضوء على أمور تُعتبر معقدة ومثيرة للتساؤل.

اللواء المتقاعد خليفة حفتر - إنترنت
اللواء المتقاعد خليفة حفتر – إنترنت

من خلال تحرّياته الاستخباراتية، أفشى الموقع الفرنسي المتخصص عن تفاصيل هذا التحالف، حيث يُمثّل شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد، قائد “الفرقة الرابعة” في الجيش السوري، جانب دمشق في هذه الصفقة الغامضة، بينما يتولى نجل حفتر، صدام، القائد الفعلي لفرقة “طارق بن زياد”، قيادة الشراكة من جانب الليبيين.

في أيلول/سبتمبر من العام 2022، تحققت هذه الشراكة على أرض الواقع عندما قام ماهر الأسد بزيارة إلى ليبيا عبر طائرةٍ تابعة لشركة “أجنحة الشام”، وتم تتويج هذا التحالف بإبرام صفقات تجارية هامة بينهما. حيث أن التحالف بين الجانبين، جعل من منطقة شرق ليبيا “منجم أموال” يستفيد منه رجال أعمال من أقوى الدوائر بينهما وخصوصا الأسد الذي أصبحت العلاقات بينه وبين اللواء حفتر أكثر تماسكا خلال السنوات الخمس الماضية.

شرق ليبيا صفقة مربحة للأسد

العلاقات الاقتصادية بين سوريا وليبيا امتدت أيضا إلى الروابط البحرية في البحر الأبيض المتوسط. فشركة “الطير للتجارة الدولية والشحن” السورية هي إحدى الشركات التي تلعب دورا رئيسيا في هذا التحالف. كما تعمل شركات الرحلات الجوية السورية مثل “أجنحة الشام” على تسهيل نقل البضائع والأشخاص بين البلدين.

نجل الجنرال الليبيي خليفة حفتر، صدام، في احتفال عسكري - إنترنت
نجل الجنرال الليبيي خليفة حفتر، صدام، في احتفال عسكري – إنترنت

بعد افتتاح شركة “الطير” في عام 2018، ازداد حجم النقل البحري بين سوريا وليبيا بشكل كبير. وقامت شركة “الطير” بتشغيل خط بحري بين ميناء اللاذقية وبنغازي، مما أتاح مسارا جديدا لتجارة البضائع والأشخاص بين البلدين.

جنت شركة “الطير” أرباحا ضخمة من تجارة “الكبتاغون”، كما قامت الشركة بتصدير “الكبتاغون” إلى أسواق الخليج العربي، حيث كان الطلب عليه مرتفعا. فيما سمح شرق ليبيا لشركة “الطير” بتوسيع نطاق تجارة “الكبتاغون” إلى جنوب أوروبا. 

التفاصيل الصادمة طفت على السطح فيما يتعلق بتحالف اقتصادي مثير للجدل بين الأسد والمشير الليبي خليفة حفتر. حيث كشف موقع “أفريكا إنتلجنس” عن وجود طائرتي نقل عسكريتين تابعتين للجيش السوري تقومان برحلات منتظمة ذهابا وإيابا إلى مطار بنينا في مدينة بنغازي، وفي بعض الأحيان تتوجه الطائرتان إلى إيران قبيل استكمال رحلاتهما إلى بنغازي.

هذه المعلومات تثير تساؤلات وتوضّح أن حفتر والحكومة السورية يتشاركان أكثر من مصالح اقتصادية وعسكرية، مما أدى إلى اتهام حكومة “الوفاق” الليبية حفتر بإقامة علاقات مشبوهة مع دمشق. هذه الاتهامات تشمل منح شخصيات مقربة من حفتر تأشيرات مزورة للسفر إلى ليبيا وانتهاك العقوبات الغربية ضد الحكومة السورية من خلال تزويدها بالنفط مقابل تزويد قوات حفتر بالسلاح.

سوريا بوابة للمخدرات والمرتزقة إلى ليبيا

الخبير في الشأن الليبي، علي أحميدة، أوضح لـ”الحل نت”، أن العلاقة بين روسيا وحفتر كانت قوية بلا شك منذ سنوات ، حيث قدمت روسيا في البداية الأسلحة والخبراء إلى “الجيش الوطني” الليبي بقيادة حفتر قبل أن يتطور التحالف إلى صفقة أكبر اشترى فيها حفتر خدمات المنظمة شبه العسكرية الروسية، مجموعة “فاغنر”. 

شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد، في استعراض عسكري - إنترنت
شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد، في استعراض عسكري – إنترنت

في عام 2019، على سبيل المثال، دعمت روسيا بشكل كبير محاولة حفتر الفاشلة لانتزاع السيطرة على طرابلس من حكومة “الوفاق الوطني” المعترف بها من قبل الأمم المتحدة – وهي محاولة استمرت على مدى عشرة أشهر. 

بناء على التعاون طويل الأمد بين حفتر وروسيا، دخلت دمشق على خط التعاون وبدأت تشكل تحالفات بناءً على إمكانات حفتر كشريك طويل الأجل، لذلك كانت هناك زيادة في الرحلات الجوية بين سوريا وليبيا ابتداء من الأشهر الأخيرة في عام 2020. وممر السفر هذا، سهّل بشكل أساسي نقل المرتزقة السوريين، وهو دليل متزايد على التوافق بين المصالح الروسية والسورية في ليبيا، بحسب أحميدة.

طبقا للمعلومات التي اطلع عليها أحميدة وخص بها “الحل نت”، فإنه منذ بداية نيسان/أبريل 2021، قامت شركة “أجنحة الشام” السورية بما لا يقل عن تسع رحلات ذهاب وعودة بين دمشق وبنغازي أسبوعيا. حيث بدأت العلاقات بين دمشق واللاذقية وبنغازي في عام 2018. وبعض هذه الرحلات جلبت مرتزقة سوريين للقتال كجزء من قوات اللواء خليفة حفتر.

التقديرات طبقا للخبير في الشأن الليبي، تشير إلى أن ما يقرب من 2000 مرتزق سوري يعملون لدى نجل حفتر، حيث كان تجنيد هؤلاء المرتزقة تقوده روسيا ويتم تمويله من ليبيا، لكن بعد انشغال موسكو بغزوها لأوكرانيا تولى ماهر الأسد قيادة هذا الاتجاه، بالتنسيق مع صدام حفتر.

لكن الرحلات الجوية العديدة بين البلدين لم تكن فقط لنقل المرتزقة، بل توسع عملها لتشكل شبكة لتهريب المخدرات. لا سيما بعد أن أصبحت سوريا أكبر مركز للمخدرات. ومع تعثّر الوضع في ليبيا، باتت سوق مثالية لتوزيع وبيع المخدرات محليا وقاريا.

في نيسان/أبريل 2020، صادرت السلطات المصرية أربعة أطنان من الحشيش في ميناء بورسعيد من سفينة شحن متجهة إلى ليبيا من اللاذقية، كانت على متن سفينة تجارية سورية محملة بالحليب، تتبع لشركة “ميلكمان” المملوكة لرامي مخلوف، والتي وضع ماهر الأسد أيديه عليها.

وريث حفتر حليفا للرجل الأقوى في سوريا

الدوافع والفوائد التي يحصل عليها ماهر الأسد من التحالف مع صدام حفتر ورجال الأعمال في شرق ليبيا، طبقا لتحليل أحميد، تتعدد وتشمل الاقتصاد والنفوذ الإقليمي. ويمكن أن يساهم هذا التحالف في تحقيق مكاسب اقتصادية لشقيق الأسد المعاقب والمعزول دوليا من خلال التعاون في التجارة وتبادل الموارد والمصالح الاقتصادية بين البلدين. بالإضافة إلى ذلك، قد يسهم هذا التحالف في تعزيز النفوذ السياسي والعسكري للأسد في المنطقة على غرار “فاغنر” الروسية.

صادرت السلطات المصرية أربعة أطنان من الحشيش في ميناء بورسعيد من سفينة شحن متجهة إلى ليبيا من اللاذقية - إنترنت
صادرت السلطات المصرية أربعة أطنان من الحشيش في ميناء بورسعيد من سفينة شحن متجهة إلى ليبيا من اللاذقية – إنترنت

التحالف بين الأسد وحفتر قد يؤدي إلى تداعيات سياسية واقتصادية محتملة. وقد يؤثر هذا التحالف على الوضع الأمني والسياسي في شرق ليبيا وقد يزيد من التوتر في المنطقة والمنافسة على المصالح والموارد. وعليه ستتزايد الضغوط الدولية على دمشق وحفتر نتيجة لهذه الشراكة السرية وانتهاك العقوبات الدولية.

التحالف الاقتصادي بين الأسد وحفتر خصوصا بعد عودة العلاقات العربية مع دمشق، تبعا لحديث أحميدة، قد يؤثر على العلاقات الليبية-السورية والإقليمية بشكل عام. وهذه العلاقات بين ليبيا وسوريا ستتأثر نتيجة لتطورات هذا التحالف والاتهامات المتبادلة بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول. والأطراف الإقليمية الأخرى قد تشعر بالقلق من تصاعد التوتر في المنطقة وقد تتحرك لمواجهة التحالف.

لا شك لدى الخبير في الشأن الليبي، أن الدوافع وراء تشكيل هذا التحالف السّري بين شقيق الرئيس السوري ونجل حفتر مرتبطة بالمصالح المشتركة والأهداف الاقتصادية والسياسية للطرفين. حيث يكسب كل طرف من هذه الشراكة مكاسب اقتصادية وزيادة النفوذ السياسي في المنطقة.

دور ماهر الأسد وصدام حفتر في هذا التحالف يمكن أن يكون مرتبطا بالوساطة والتفاوض بين الطرفين وتسهيل التواصل وتحقيق التوافق في الاهتمامات المشتركة. وقد يقوم كل منهما بأدوار محددة في تحقيق أهداف التحالف الاقتصادي.

بلا ريبة فإن التداعيات السياسية والأمنية محتملة نتيجة لهذا التحالف، وقد تزيد من التوتر والاحتكام إلى القوة في المنطقة. ويمكن أن يتزايد التدخل الخارجي والتنافس بين الدول والأطراف الإقليمية. إذ إن التحالف الاقتصادي بين الأسد وحفتر، قد يؤثر على المنطقة والدول المجاورة بسبب التدخلات الخارجية والتنافس على المصالح والموارد. وقد يؤدي هذا التحالف إلى تغيرات في الديناميكيات الإقليمية والاقتصادية ويؤثر على الاستقرار والأمن في المنطقة، لا سيما فيما يخص ملف المخدرات الذي ربما تكون القارة الإفريقية هي وجهة ماهر الأسد بعد طلب الدول العربية رسميا من دمشق إنهاء تهريب المخدرات إليها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات