نحو ثلاثة أسابيع مرت على انتهاء تفويض مجلس الأمن الدولي لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة إلى الشمال السوري بواسطة المعابر الحدودية مع تركيا، حيث منعت روسيا تجديد التفويض بعد استخدام حق النقض “الفيتو” أمام مشروع تجديد التفويض لاستمرار تدفق المساعدات لنحو 4 ملايين سوري شمالي سوريا.

منظمات محلية ودولية بدأت تحذر من تداعيات استمرار توقف المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري، خاصة مع وجود مئات الآلاف من العائلات التي تعتمد بشكل أساسي على هذه المساعدات، إذ تشكل هذه القضية تهديدا كبيرا وفقدان الكثير من المقومات الداعمة لصمود المجتمعات الهشة والضعيفة بعد 12 عاما من الحرب، وكارثة الزلزال.

إصرار روسيا على استخدام حق النقض أمام مشروع تجديد التفويض، يطرح التساؤلات حول فُرص المجتمع الدولي في تمرير القرار خارج مجلس الأمن المعطل بسبب “الفيتو” الروسي، فهل هناك فرصة لإدخال المساعدات بدون الحصول على تفويض مجلس الأمن الدولي، أم أن التفاوض مع الروسي هو الخيار الأخير.

الأمل في مجلس الأمن؟

الأمم المتحدة يبدو أنها حتى الآن ما زالت تعوّل على قدرة مجلس الأمن في إقناع روسيا على عدم عرقلة قرار محتمل بشأن المساعدات الإنسانية، حيث أكدت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، على الحاجة لتبني المجلس قرار يسمح بدخول المساعدات العابرة للحدود لشمال غرب سوريا عبر باب الهوى.

غرينفيلد قالت في مؤتمر صحفي، عقدته بمناسبة تولي بلادها رئاسة مجلس الأمن الدولي لشهر آب/أغسطس الجاري، إن الجانب الروسي يصرّ على ترك التفاوض حول المساعدات العابرة للحدود بين الحكومة السورية والأمم المتحدة، بعدما استخدمت روسيا “الفيتو” ضد مشروع قرار تجديد الآلية لتسعة أشهر.

المشروع الذي رفضته روسيا مستخدمة “الفيتو”، كان ينصّ على تمديد تفويض إدخال المساعدات العابرة للحدود مدة 12 شهرا قادما، بينما تشير التوقعات إلى تحضير  حاملي الملف الإنساني السوري في مجلس الأمن “سويسرا والبرازيل للدورة الحالية”، لمشروع آخر ينصُّ على التمديد مدة ستة أشهر وطرحه مرة أخرى للتصويت.

المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بسام الأحمد، رأى أن فرص استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري مرتبطة بوجود مفاوضات سياسية جدّية بين الأطراف المعنية بالملف، مشيرا إلى أن القضية بظاهرها إنساني لكنها سياسية بامتياز حيث يحاول كل طرف فرض وجهة نظر محددة.

الأحمد قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “هذه الفرص ستأتي من خلال مفاوضات سياسية، خلال قرارات التجديد الماضية حيث كانت هناك مفاوضات بين روسيا والصين من جهة والدول الغربية من جهة أخرى، بالتالي يجب الخروج بشيء وسطي لاستمرار دخول المساعدات، ونحن نعلم أنه للأسف تكون هناك أحيانا مساومات من أجل السماح بتمرير هذا القرار الإنساني، وأعتقد أن فرص النجاح تعتمد على جدّية التفاوض بهذا الشأن”.

فرص بديلة

الأحمد أوضح كذلك أن المنظمات الدولي بإمكانها العمل على القضية خارج إطار مجلس الأمن الدولي، وأضاف “هناك رأي قانوني يؤكد أنه يمكن إدخال هذه المساعدات بدون قرار مجلس الأمن، خاصة أننا نتحدث عن مساعدات إنسانية بامتياز، وهذا له سردية قانوني لكن المنظمات لن تجرؤ على ذلك وتتجاوز الحدود الدولي بدون تصريح دولي رسمي”.

بالتالي فإن استمرار تدفق المساعدات يعتمد على وجود توافق سياسي مع روسيا، وهنا أوضح الأحمد أن قضية المعابر لا يجب أن يتم اختزالها فقط بالمعابر الشمالية الغربية في سوريا، إذ إن أحدا لم يتحدث حتى الآن عن مناطق شمال شرق سوريا، لأسباب سياسية يتعلق جزء منها بالإرادة التركية التي تسعى لحصار هذه المنطقة وسكانها من خلال قطع المساعدات والمياه وغيرها.

قضية المساعدات العابرة للحدود إلى شمال غربي سوريا، ظاهرها إنساني لكن روسيا تصر على استخدام القضية للتفاوض مع الدول الغربية والحصول على مكاسب معينة، مقابل امتناعها عن استخدام حق النقض “الفيتو”، أمام مشروع الدول الأخرى الخاص بتمديد التفويض الدولي.

روسيا سعت منذ بداية العام الماضي إلى إنهاء آلية تمرير المساعدات الإنسانية، وجعل العملية مركزية وذلك عبر تمريرها من خلال دمشق، في إطار سعي موسكو لإخراج حكومة دمشق من العزلة الدولية التي تعاني منها منذ سنوات. 

سيناريو مكرر

خلال السنوات الماضية وفي منتصف كل عام، يستأنف مجلس الأمن الدولي المفاوضات لتجديد قراره بالسماح لتمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا والتي أنشئت عام 2014، وكانت عبر تركيا والعراق  والأردن، لتقلص لاحقا إلى معبر “باب الهوى” في شمال البلاد، إذ تعتمد وكالات الأمم المتحدة على هذا التفويض للعمل في سوريا، وإدخال المساعدات من خلال المعابر الحدودية دون أن تقيدها الحكومة السورية، التي نادرا ما تسمح بوصول المساعدات إلى مناطق المعارضة بحسب تقارير حقوقية، بعد أن حصرت روسيا (حليفة دمشق) إدخال المساعدات عبر “باب الهوى” فقط بينما تدخل نسبة المساعدات الباقية “عبر الخطوط” أي من دمشق.

قد يهمك: المقداد ووزير الاقتصاد إلى إيران..تأثير الاتفاقيات الثنائية على الاقتصاد السوري؟

المفاوضات بحسب العضو السابق بإدارة التواصل العالمي في الأمم المتحدة، الدكتور عمر الهواري، أصبحت “نقطة متكررة في دراما الحرب السورية، في حين أن أعضاء المجلس يدعمون التفويض بشكل عام، فقد استخدمت روسيا بانتظام حق النقض الفيتو لتقليل عدد المعابر الحدودية التي يمكن لوكالات الأمم المتحدة استخدامها، لدرجة أن واحدا فقط، بات اليوم مفتوح حتى الآن وقبل التصويت”.

الرفض الروسي لآلية إدخال المساعدات، سيؤدي بحسب تقارير تحليلية إلى مزيد من التوتر بين روسيا والعالم، وتحديدا مع تركيا التي لا تريد بالطبع إغلاق معبر “باب الهوى” أمام تدفق المساعدات الخارجية إلى مناطق نفوذها بالشمال.

من ناحية أخرى، يُعد نظام إيصال المساعدات الذي استخدمته الأمم المتحدة منذ عام 2011 من أكبر الأنظمة وأكثرها تطورا، إذ تشرف الأمم المتحدة على مساعدات تتراوح بين 2 و4 مليارات دولار لسوريا كل عام، والتي تمر عبر مئات الوكالات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلا من مانحين غربيين في الغالب. ويعد هذا العمل أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث زاد عدد السوريين المحتاجين بنسبة 20 بالمئة منذ عام 2021، ليصبح المجموع الآن 14 مليون شخص.

الفرصة الأقرب لاستمرار تدفق المساعدات إلى شمال غربي سوريا ربما في الوقت الحالي، هي تكرار السيناريو الحاصل خلال العام الماضي، وذلك عبر التفاوض مع روسيا وإقناعها عدم استخدام “الفيتو” في وجه مشروع تمديد التفويض مدة ستة أشهر، لكن المجتمع الدولي بالتأكيد بحاجة إلى آلية مستدامة لإدخال المساعدات بدون المرور على مجلس الأمن كل ستة أشهر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات